شبكة قدس الإخبارية

انتهاء مهلة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية... ماذا بعد؟

جمانة غانم

انتهت اليوم الثلاثاء، الموافق 29 نيسان (أبريل) المهلة التي كانت وضعتها الولايات المتحدة للوصول إلى اتفاق بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية والتي بدأت في 19-يوليو-2013 يوم أن خرج وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على شاشات التلفزة من العاصمة الأردنية عمان ليعلن للجماهير الإسرائيلية والفلسطينية ببرود ملحوظ استئناف المفاوضات بين الطرفين بعد مرور عشرين عاما على اتفاقية أوسلو- العملية التفاوضية الأبرز، وبعد 4 أعوام من الجمود السياسي، حيث لم تجمع الطرفين خلالها طاولة مفاوضات علنية واحدة.

اختلف الطرفان اختلافهم القديم الجديد نفسه حول شروط الاستمرار في المفاوضات من اجل التوصل لاتفاق إطار او إطار اتفاق، وانتهت الجولة بدون اتفاق ولا حتى إطار.

فشلت جولت المفاوضات، وكان قلبُ الأمريكيين دليلَهم اذ اعترفوا منذ أكثر من أسبوعين بفشل جولة المفاوضات التي استمرت تسعة أشهر حيث قال كيري أثناء زيارته الجزائر أواسط الشهر الجاري أنه لا يستطيع أن يفعل أكثر مما فعل للتوسط بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، موضحاً أن لجهوده وإمكانياته حدوداً: "يمكنك قيادة الحصان إلى النهر، لكنك لا تستطيع إجباره على الشرب".

مارتن إنديك المبعوث الأميركي الخاص بعملية السلام غادر الأراضي المحتلة منذ يومين، عائدا إلى واشنطن بدون خفيّ حنين حتى، وكان إنديك يعمل حتى اللحظة الأخيرة على إقناع الطرفين بتمديد المفاوضات عاما آخر في ظل أزمة كبيرة كانت تشهدها المباحثات أصلا، قبل أن تعلن "إسرائيل" تعليقها الأسبوع الماضي.

كيف تأزم الوضع؟

لم تنتهِ " إسرائيل" منذ بداية جولة المفاوضات عن التوسع في الاستيطان وبناء وحدات جديدة، آخرها القرار ببناء مئات الوحدات الإستيطانية شرقيّ القدس المحتلة، مع أنّ تجميد الاستيطان كان شرطاً أساسياً للسلطة الفلسطينية حتى يعودوا لطاولة المفاوضات، وتم التحايل على هذه النقطة وسمعنا كيري إيّاه يتحدث عن " توسع هادئ" لم يفهم أحدٌ معناه، ولم تتوقف " إسرائيلُ " أيضاً عن ضمّ أراضٍ في الأغوار، لكنّ قيادة منظمة التحرير استُفزت عندما ألغت " إسرائيل " بداية الشهر الحالي قرارها السابق بالإفراج عن الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى الفلسطينيين والتي كانت مقررة في إطار "مفاوضات السلام"، داعية إلى مراجعة المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة.

وكانت " إسرائيل" وافقت لدى استئناف المفاوضات في يوليو/تموز 2013 على إطلاق سراح 104 أسرى فلسطينيين اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو، وذلك على أربع دفعات خلال تسعة أشهر المفاوضات.

وقد أطلقت دولة الاحتلال سراح 78 أسيرا من ال 104 أسرى على ثلاث دفعات سابقة.

ولم تسكت قيادة منظمة التحرير على استفزاز الإسرائيليين، بل ردته لهم باستفزاز ناعم، إذ ظهر الرئيس محمود عباس على شاشة التلفاز وهو يوقع على طلب الانضمام لخمس عشرة اتفاقية ومعاهدة دولية في الأمم المتحدة من ضمنها اتفاقية جنيف، ما أغضب الجانب الإسرائيلي حيث نقلت وكالة الصحافة الفرنسية إن رئيسة الوفد الإسرائيلي المفاوض تسيبي ليفني قالت إن "تقديم الطلبات يعد انتهاكا للالتزام، إذا كانوا يريدون دولة فإن عليهم أن يدركوا أن هذا يجب أن يمر عبر غرفة المفاوضات".

المصالحة... القشة التي قصمت ظهر المفاوضات.

ما إن وُقّع اتفاق المصالحة بين حماس وفتح مساء الثلاثاء الماضي حتى بادر الإسرائيليون الى التحجج به وإعلان تعليقهم للمفاوضات و قرارهم عدم إجراء مفاوضات مع حكومة فلسطينية تتضمن حركة حماس، ونصّ بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على موافقة " مجلس الأمن بمجلس الوزراء بالإجماع على أن اسرائيل لن تدخل فى مفاوضات مع حكومة فلسطينية تستند إلى حركة حماس التي تعدها جماعة إرهابية تدعو لتدمير اسرائيل"، كما ذكر البيان أن "اسرائيل" سترد على التحركات أحادية الجانب من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية "بسلسلة من الأفعال" ابتدأت فعلياً بقرار الحكومة الإسرائيلية زيادة نسبة ما تقتطعه من عائدات الضرائب الفلسطينية ووقف أعمال بناء لمنازل فلسطينيين مقيمين في الأراضي المحتلة المصنفة C.

كيف ردت السلطة الفلسطينية؟

كان شرط الإسرائيلين واضحاً لاستمرار المفاوضات، إمّا المصالحة مع حماس وإمّا المفاوضات، أمّا السلطة الفلسطينية فقدت رفضت ربط المصالحة بالمفاوضات إذ قال الرئيس عباس في اجتماع للجنة المركزية لمنظمة التحرير أنه "لا وجه للمقارنة بين المصالحة والمفاوضات، لا سيما وأننا ملتزمون بسلام عادل يعتمد على حل الدولتين وفقا لقرارات القانون الدولي".

ما الحل و"إسرائيل" تجعل من حماس الشوكة الواقفة في حلق المفاوضات؟

اختارت حركة حماس الصمت، مع تأكيدها على رفضها القاطع للاعتراف ب" إسرائيل" ، وهذه حسب الرئيس محمود عباس يجب أن لا تكون حُجّةً "لشركاء السلام" الإسرائيلين كما يصفهم، إذ قال في خطابه "إن أية حكومة فلسطينية ستأتي بموجب اتفاق المصالحة ستكون حكومة تكنوقراط وستأتمر بأوامري وتلتزم سياساتي وسينحصر عملها في شؤون الداخل، بينما المفاوضات من اختصاصات منظمة التحرير لأنها تمثل كل الشعب الفلسطيني".

مُشكلة الحكومة إذن حُلّت، وبالتالي أكد الرئيس على موافقته تمديد المفاوضات ثلاثة أشهر مقابل وقف كامل للاستيطان والافراج عن دفعة الاسرى الاخيرة، مضيفاً :" غير ذلك نقول لاسرائيل تفضلي واستلمي مسؤولياتك".

لم تستلم "إسرائيل" مسؤولياتها، لكنها سارعت الى الهجوم على أبو مازن إثر تصريحه هذا واستلمته بانتقاداتها، فقد هاجم الوزير الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الرئيس عباس، وقال إنه "في لحظة الحقيقة يتضح أن أبا مازن يخادع، وليس على استعداد لتقديم تنازلات، ويتوجه إلى الأمم المتحدة، ويعانق حركة حماس".

انتهت جولة المفاوضات... ماذا بعد؟

أمام هذا الوضع، تبدو عودة الطرفين إلى طاولة المفاوضات دون تدخل أميركي فاعل مسألة شبه مستحيلة في وقت قريب. إذ إن " إسرائيل" على لسان عضو الكنيست الليكودي تساحي هنغبي " تعيش الآن حالة من الترقب" مضيفا : "نحن نتريث على أمل ألا تشارك حركة حماس في القيادة الفلسطينية".

وفي دورها تنتظر السلطة الفلسطينية ردّ الإسرائيلين على شروطها، ومعها تنتظر الولايات المتحدة تشكيل الحكومة الجديدة التي بقي لتشكيلها حسب اتفاق المصالحة أربعة أسابيع، وتتركز الخلافات بين الأطراف الثلاثة حول مدى التزام هذه الحكومة بشروط الرباعية الدولية التي تؤكد على نبذ "العنف" والاعتراف "بإسرائيل" والالتزام بالاتفاقيات الموقعة معها.

ويرى محللون فلسطينيون أن السلطة الفلسطينية لن تتخلى عن المفاوضات مع "إسرائيل"، وإن كان اتفاق المصالحة الأخير سيشكل عامل تأخير زمني لانطلاقها مجددًا، وقال الكاتب والمحلل السياسي عبد الستار قاسم في تصريح لوكالة الأناضول إنه "لا يوجد أمام السلطة الفلسطينية خيارات بديلة عن المفاوضات، فهي لا تريد بديلاً ولا تريد أن تبحث عن بديل آخر".

مضيفا أن "رئيس السلطة محمود عباس حصر نفسه بخيار المفاوضات فقط، لذلك لا يوجد أي زاوية أخرى يذهب إليها الجانب الفلسطيني".

أما فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي، قال قاسم إن "إسرائيل تعتبر ومنذ عام 1993 وحتى الآن، أن المفاوضات هي بمثابة ضوء أخضر لها لتنفيذ سياساتها على الأرض والمضي بمخططاتها الاستيطانية؛ لذلك هي مستفيدة ومعنية باستمرار المفاوضات مع الفلسطينيين".

واعتبر المحلل الفلسطيني أن الإدارة الأمريكية هي الأخرى معنية باستمرار عملية المفاوضات بين الطرفين، قائلا إن "أمريكا لها مصالح كبيرة بالمنطقة، لا تستطيع أن تتخلى عنها، لذلك ستدفع باتجاه الاستمرار بالمفاوضات".

بينما نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" تحليلاً يرى أن ثمن انهيار المفاوضات، وفشل ما بات يعرف إسرائيلياً بـ "صفقة بولارد" سيكون أمنياً. ونشرت الصحيفة تحليلاً للكاتب يوآف ليمور، يوازن فيه بين الثمن الذي ستدفعه "إسرائيل" مقابل انهيار المفاوضات، حيث رأى أن "الأجهزة الأمنية" في "إسرائيل" وبينها "الشاباك" حذرون في إعطاء هذه التقديرات بشكل علني، حتى لا يفسّر الموضوع أنه تدخل بالشؤون السياسية، ولكنّ من خلف الكواليس ثمة إجماع على أن "تبعات إمكانية انهيار المفاوضات على المصالح الأمنية الإسرائيلية، سيكون أشد خطراً من الثمن الذي ستدفعه من موافقتها على صفقة بولارد".

الكاتب ماجد الشيخ من جهته يقول:" وفي كل الأحوال... وحتى لو استؤنفت المفاوضات، فإنها لن تكون قادرة على تخطي الوقائع والمعوقات الواقعية بما يضمن وصولها إلى حلول عملية، في الوقت الذي يؤكد اليمين الإسرائيلي والائتلاف الحكومي الاستيطاني، استثمار المزيد من تقطيع الوقت للاستيلاء على المزيد من الأرض، وممارسة سياسات القهر والطرد والقوانين العنصرية، كنوع من استمرار جدل إدارة الأزمة، في ظل إدارة الظهر (الإسرائيلي) للصراع، فيما إدارة أوباما لا تمتلك حلولاً سحرية، وهي أعجز من أن تستطيع الضغط من أجل تقديم دولة فلسطينية مستقلة بحدود عام 1967، لا لأن نتانياهو وائتلافه الحكومي بتركيبته اليمينية المتطرفة يرفض ذلك، أو لا يقبل بإمكانية وجود دولة بمواصفات ترضي الجانب الفلسطيني، بل لأن الأمر الواقع الاستيطاني، قد تجاوز كثيراً إمكانية نشوء دولة مستقلة حقاً، ولأن الإدارة الأميركية الحالية وفق نتانياهو " يمكن تحريكها بسهولة، وفي الاتجاه الصحيح" .