شبكة قدس الإخبارية

الزيارة .. العيد الذي لا يعرف عنه الكثيرون

مصعب شاور

فرحة زيارة الأهل بالنسبة للأسير تكاد تفوق فرحة الإفراج وتعادل فرحة العيد عند الاطفال، تبدأ الترتيبات لدى الأسير إستعداداً للزيارة من لحظة معرفته بموعدها بغض النظر عن من سيأتي لزيارته. يبدأ بتحضير الحلويات التي سيسمح له بإخراجها لزواره وتجهيز بدلة الشاباص بغسلها وكيها وترتيبها ومن ثم البدء بتحضير نفسه لعيده حيث يقوم بحلاقة شعره وذقنه كل الأيام التي تسبق الزيارة.

كل ما سبق بكفة وليلة ما قبل الزيارة وحدها بكفه أخرى؛ بل لعلي أستطيع القول أنها ليله مختلطة المشاعر لم أذق فيها طعم النوم راودتني تخيلات عدة مثل : "كيف سألتقي زواري.. بماذا سنتحدث، وبم سيبدأ الحديث، عمن علي أن أسأل أولاً.. وكيف سأداري دمعاتي أمام والديّ كيف سأستوعب أن أرى والدتي دون أن ألامسها وأقبل جبينها.. كما في الخارج كيف لي أن أرى والدي وأطمئنه أنني على قدر الحمل..".

وبين كل هذه الأسئلة،جاء يوم الزيارة العظيم أكملت تجهيز نفسي وتناولت وجبة الإفطار وتوجهت نحو بُرش "السرير في الأسر يطلق عليه لفظة بُرش بضم الباء" زميلي الأسير وطلبت منه أن يشرح لي كيف أكون في أول زيارة لي أمام أهلي وأهم ما أفعله.. أوصاني بأن "أضحك" وأتزود بالنِكات لأخفف عن أهلي تعب التفتيش اللعين، ومسافة الطريق التي تبدو بلا نهاية.. بسبب التنقل والحافلات والحواجز ونقاط التفتيش، وسرعان ما أتى السوهير "السجان المسؤول عن الأقسام" ينادي على بوابة الغرفة بإسمي ويخبرني بأن الزيارة ستكون بعد دقائق بسيطة.

في تلك اللحظات مرَّ شريط أحداث اعتقالي أمامي بلحظات بدأ قلبي بالخفقان السريع حتى أنني أحسست بأن كل من حولي يسمع نبضاته خرجت من باب الغرفة عندما عاد السوهير حاملاً الكلبشات فوضعها على يدي وقدمي، حملت بيدي ظرفاً صغيراً كنت قد ملأته من الكنتين لأشقائي الصغار.. دون إذن تناول "السوهير" الظرف على عجل فتشه بشكلٍ فظ، وكأن به مُحرمات.

سرت خلفة مسافة طويلة كنت أظنها الطريق الى قاعة الزيارة، إقتربنا من باب زنزانة صغيرة، وقفنا أمامها وطلب مني الدخول إليها .. جلست لنحو ثلاثين دقيقة حسبتها عُمراً.. ولم أكن أعلم ما السبب في ذلك إلى أن عرفت بأن هي تلك إجرءات إدارة السجون لتمغيص فرحة الأسير بعيده الذي لا يعرفه الكثيرون..

وبعد مرور قرابة النصف ساعة عاد السوهير لإخراجي من الزنزانة وأكملنا الطريق صوب قاعة الزيارة، عندما فتح بابها لم أتمالك نفسي.. بل أقل ما يوصف أن خفقات قلبي لحظتها كادت تسمع المنطقة بأسرها.. عندما رأيت أمي وأخي الصغير خلف الزجاج يلوحون لي بأياديهم توجهت إليهم والدموع تنهمر كما رأيتها في عيوني أمي وشقيقي، وسرعان ما تذكرت كلمات زميلي على البرش.. تَجلدت .. ومسحت دمعي وجلست أنتظر بضع دقائق ليسمح لنا بالحديث من خلال تشغيل السماعات وبدء العد للسماح لنا بسماع أصوات من غيبتهم عنا القضبان.

تم تشغيل السماعات وبدأ صوت أمي ينهمر عبرها .. كان صوتها عذباً.. مفعماً بالأمل والدمع .. الحزن والشوق، وفي غمرة العناق الصوتي، تدكرت أن والدي حصل على تصريح لزيارتي كما أخبرني شقيقي قبل موعد الزيارة بأسبوع في قاعة المحكمة، سألت والدتي عنه، تلعثمت ووعدتني أن يأتِ في الزيارة القادمة، أكلتني الريبة وأصريت على سؤالي أردت إجابة حقيقة .. فحبيبتي التي أنجبتني كان في عينيها حديث غير الذي قالت .. فبدأت بالبكاء وأخبرتنا أنه تعرض لحادثٍ بسيط وأنه بالمشفى ويتماثل للعلاج .. رغم أن الأمر ليس بالجسيم إلا أن بعدي عنهم لأول مرة جعلني أشعر بالألم لأني لسه بجانه في المشفى وأنا هنا لا أستطيع فعل أي شيء له والمفروض أن اكون انا من يتكئ عليه أبي في محنته..

قطعت أمي زوبعة الأفكار بتكرار قولها كثيراً أن والدك بخير ولكن للإطمئنان عنه بقي في المشفى، وبدأت أسأل عن الجميع أطمئن على الأشخاص اللذين تركتهم فجأة الأصدقاء العائلة والحياة! ..ليفاجئنا إنقطاع خط الهاتف.. وإنتهت الزيارة، لكن لهفتي لم تنتهِ.