شبكة قدس الإخبارية

في ذكرى أوسلو نسأل: "شطر الوطن الشرقي".. ماذا نملك فيه؟

هنادي قواسمي

"بكتيريا" الضفة الغربية، هكذا سمّى أحد الفيسبوكيين خريطة لتقسيمات المناطق الإدارية في الضفة الغربية المحتلة والتي تتعرج حدودها مع "الدولة الجارة" وتنخرها المستوطنات بشكل يشبه صور البكتيريا في كتبنا المدرسية ونحن أطفال يرادونا حلم "الوطن" البريء. جاء ذلك الوصف تعليقا على احتفال "جماهير" الضفة الغربية باعلانها وشقيقتها غزة "دولة" فلسطينية في أيلول من العام الماضيّ.

للمفارقة، ففي أيلول الحاليّ، وانتقالاً من رام الله إلى القدس، بينما كان صوت المذيعة يوحي بكامل الثقة بالتعبير "الدولة الفلسطينية" الذي استخدمته في خبر محليّ يخص بلادنا المحتلة، كنت أنا متردداً: "هل سأصل إلى موعدي في الوقت المحدد بسبب أزمة حاجز قلنديا أم لا؟"؟ حسناً، دعنا لا نحلم كثيراً، فمن مواصفات "الدولة الفلسطينية" صعوبة الالتزام بالمواعيد، كما هي سيولة المواقف وفقدان السيطرة على أي شيء.

واليوم بعد سنة من "إعلان الدولة"، تذهب قيادتنا للمفاوضات، ولا تمثل إلا رقعة من الأرض تسمى المقاطعة، حماس في غزة ترفض المفاوضات، أبناء الجبهة الشعبية ومستقلون في رام الله يضربون ويتم استدعاؤهم للمخابرات لرفضهم التنازل، القدس لا وقت لديها لهذه الترهات فهي في مواجهة يومية مع الاحتلال، الداخل غارق حاليا بهمومه والاستعداد للعبة الانتخابات المحلية، بعد انحسار ضجيج "برافر لن يمر".

تذهب قيادتنا اليوم إلى جلسات المساومة على أراضينا، متأبطة شعارها المعهود "الحياة مفاوضات"، لا يشعر المتنقل في شوارع المدن الفلسطينية حديثاً عالياً واهتماماً جاداً بتفاصيل هذه الجلسات، من يهمه أصلا ماذا يدور فيها؟ الذي يهم فعلياً هو ما يجري على الأرض؟ والذي يجريه – بطبيعة الحال – هو الطرف الأقوى. فما الذي يجري على الأرض؟ دعونا نمر على بعض الأرقام والمعلومات، فهي في معظم الأحيان أصدق إنباءً من الشعارات الرنانة.

photo

عقب توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 تمّ تقسيم الضفة الغربية التي تبلغ مساحتا 5655 كم مربع إلى 3 مناطق إدارية:

منطقة أ: تمثل ما يقارب 17% من مساحة الضفة الغربية (لا تشمل شرقي القدس المحتلة) وتقع تحت السيطرة المدنية والأمنية الكاملة من قبل السلطة الفلسطينية، وتشمل المدن الفلسطينية والمناطق المحيطة فيها، ولا وجود لجيش الاحتلال فيها، إلا عند اقتحامها لتفيذ اعتقالات.

منطقة ب: تمثل ما يقارب 23% وهي مناطق تحت السيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية الفلسطينية المشتكرة، وتشمل مناطق بعض القرى والبلدات الفلسطينية.

منطقة ج: وهي التقسيم الإداري الأكبر إذ تمثل ما يقارب 60% من مساحة الضفة الغربية، وتشمل هذه المناطق جميع المستوطنات الإسرائيلية والأراضي القريبة منها، ومعظم الطرق التي تربط المستوطنات، وبعض ما أعلنت عنه "إسرائيل" كمناطق عسكرية مغلقة إضافة إلى مساحات واسعة من الأغوار تحكم دولة الاحتلال السيطرة عليها.

كان من المفترض أن يكون هذا التقسيم مؤقتاً، وأن يتم نقل الصلاحيات بشكل تدريجي إلى السلطة الفلسطينية، إلا أنّ هذا الترتيب "المؤقت" يسري على أرض الواقع منذ حوالي 20 عاماً.

كابوس يسمّى ج

أما بالنسبة لأراضي المنطقة ج، فيسيطر عليها الاحتلال بشكل كامل، ويعيش فيها ما يقارب 180 ألف فلسطيني، ويمنع الاحتلال الفلسطينيين في قرابة 70% من أراضي منطقة ج من البناء والتطوير. إذن فإن 60% من الأراضي في الضفة المحتلة هي فعلياً تحت السيطرة الكاملة الإسرائيلية، ويعيش الفلسطينيون فوقها ظروفاً معيشية صعبة، إذ تهدم بيوتهم بشكل متكرر، ويمنعهم الاحتلال من وصل قراهم بالبنى التحتية، ويحرمون من الاستفادة من آبار المياه في مناطقهم. تحتج دولة الاحتلال عند تهجيرها لقرية أو منعها اعطاء تراخيص بناء في منطقة ج بأنها "أراضي دولة" أو "مناطق عسكرية مغلقة".

يبدو للوهلة الأولى، أن "إسرائيل" تسيطر بشكل تام فقط على منطقة ج، وأن بقية المناطق "في حلّ من أمرها". لكن الواقع يقول غير ذلك، فما يفعله الاحتلال في منطقة ج يؤثر بشكل أو بآخر على الفلسطينيين في ب وأ لوصف ذلك يقول تقرير صادر عن مؤسسة "بيتسليم" الإسرائيلية: "في منطقة C الواسعة ثمة 165 "جزيرة" من مناطق A وB، تحوي التجمعات السكنية الفلسطينية في الضفة"، أي بمعنى آخر الطارىء هنا والمهمش هنا هو أ وب. وللدقة أكثر يمكن القول أن الضفة هي عبارة عن منطقة ج واسعة وممتدة تقطعها 166 جزيرة يكتظ فوقها الفلسطينيون خوفاً من الغرق في وحل منطقة ج.

إضافة إلى ذلك فإن منطقة ج تعيق التطور العمراني في مناطق أ و ب،  ففي مناطق ج يوجد "احتياطيّ الأراضي" الأساسي المتاح جغرافياً أمام مدن وبلدات الضفة الغربية للتوسع، وهكذا يخنق الاحتلال بلدات كثيرة في مناطق أ و ب ولا يسمح بتطويرها. يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الأراضي في مناطق أ و ب، وإلى خسران الأراضي الزراعية الخصبة الموجودة فيها بعد تحويلها إلى أراضي للبناء، بينما يحرم الفلسطينيون من استغلال الأراضي غير الصالحة للزراعة وبنائها في مناطق ج.

في المقابل، يشير تقرير "بيتسيلم" الصادر في حزيران الماضي أن دولة الإحتلال "تخصص للمستوطنات مساحات شاسعة ومصادر مياه سخيّة، وتقوم بإجراء أعمال التخطيط المفصّل التي تأخذ بعين الاعتبار جميع احتياجاتها ونموّها المستقبليّ، وتتجاهل الانتهاكات الناتجة عن قوانين التخطيط والبناء، وتنبع سياسة إسرائيل في مناطق C في الضفة الغربية من الإدراك القائل بأنّ هذه المناطق مُخصّصة أولاً وأخيرًا لخدمة الاحتياجات الإسرائيلية".

وقد نشرت جمعيتان إسرائيليتان (جمعية "بمكوم" للتخطيط وجمعية حقوق المواطن) في شهر نيسان الماضي معلومات حصلت عليها وفقاً لقرار من المحكمة العليا الإسرائيلية أجبر الإدارة المدنية الإسرائيلية بكشفها. المعلومات تتعلق بتقسيم الأراضي التي أعلنت عنها "إسرائيل" أنّها "أراضي دولة" بعد حرب 1967.

يوجد في الضفة الغربية ما يقارب 1.3 مليون دونم من الأراضي التي تصنفها حكومة الاحتلال على أنها "أراضي دولة". وتضم هذه الأراضي نسبة قليلة من الأراضي التي سجلت في الطابو أيام الحكم الأردني، ونسبة مرتفعة منها لم تكن ملكاً حكومياً لأحد بل هي أراضٍ فلسطينية خاصة، قامت  "إسرائيل" بالإعلان عنها بعد عام 1979 كأراضي دولة بهدف بناء المستوطنات. وقد قامت "إسرائيل" بهذا الأعلان بعدما أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية في تشرين الأول 1979 قراراً يمنع حكومة الاحتلال من السيطرة على أراضٍ فلسطينية بهدف إقامة مستوطنات تحت مسمى "الاحتياجات العسكرية". وهكذا التفت "إسرائيل" على قرار المحكمة وقامت بمصادرات واسعة للأراضي وسمّتها "أراضي الدولة"، وضمّتها لمناطق نفوذ المجالس المحلية والإقليمية للمستوطنات لتضمن عدم استفادة أي فلسطيني منها.

تشير المعلومات المنشورة من قبل الجمعيتين أن 400 ألف دونم من المليون أي ما يقارب 31% من هذه الأراضي تم تخصيصها للمنظمة الصهيونية العالمية التي تعمل على بناء المستوطنات، وأن 103 ألف دونم أي 8% تم تخصيصها للمجالس المحلية والإقليمية للمستوطنات ولشركات الهواتف النقالة الإسرائيلية. كما خصصت الإدارة المدنية الإحتلالية 160 ألف دونم أي 21% من هذه الأراضي لشركات البنى التحتية الإسرائيلية مثل شركة الكهرباء والمياه وشركة الهواتف "بيزك". أما الفلسطينيون فقد تم تخصيص 8600 دونم لهم أي ما نسبته 0.7% مما تسميه حكومة الأحتلال "أراضي دولة" واقعة في مناطق ج.

جاءت هذه التقسيمات الإدارية بنية أن تبقى لبضع سنوات ومن ثم تختفي من العالم، وها نحن بعد عشرين عاماً بالضبط من توقيع اتفاقية أوسلو، لا نزال نراوح مكاننا، أو بمعنى أدق نتنازل أكثر فأكثر. قد لا تترك لنا الأرقام مجالاً لصف الكلمات أكثر سوى القول: من يسيطر على كلّ شيء يعرف لماذا يفاوض، أما من لا يملك سوى جزر متفرقة، على ماذا يفاوض؟