شبكة قدس الإخبارية

وكالة معاً .. "مع مين بالضبط"؟!

أحمد البيقاوي

أصدر النائب العام في غزة قراراً، بإغلاق مكاتب وكالة معاً الإخبارية وقناة العربية، ,كما أصدر مجلس الوزراء في غزة قراراً يحظر التعامل مع الوكالات الإعلامية التي تتعاون مع الاحتلال، وبناءً عليه تم إغلاق وكالة لينس التي قامت بالتعامل مع فضائية I24NEWS "الإسرائيلية".

صدرت بيانات الشجب والاستنكار من قبل بعض الجهات التي تنشط كثيراً في إصدارها، تضامناً مع تلك الوكالات، وخاصة وكالة معاً، وترددت بها الكلمات المملة ذاتها، مثل "الظلامية" و "الرجعية" و"الحريات" و"حرية الصحافة"، وكأنّ إغلاق مكتب وكالة معاً، على سبيل المثال، بعد ما نشطت في نشر الأكاذيب وأخبار الإحتلال المسمومة عمل "رجعي" و"ظلامي"!، وكان يجب على الجهات المعنية في غزة توفير كل ما يلزمهم للعمل على مساعدة الإحتلال ومعاونيه، على تلفيق الإتهامات لغزة، من أجل تشديد الحصار عليها، وتجويع أهالينا هناك، حتى نصفق لهم، ولاحترامهم الحريات وحرية الصحافة!.

علينا إعادة تعريف العمل الصحفي، والحريات التي يجب على العاملين في هذا المجال إحترامها، وفهمها جيداً، فلم نعارض ولم نتحدث عن وكالة معاً والأقصى والقدس وغيرهم، على تغطيتهم المنحازة لأحد الأطراف المتصارعة في مصر، ولن نسمح لأحد على إجبارهم على التغطية وفق معايير أياً كان، أو حتى التأثير عليها، وهذا على سبيل المثال وليس الحصر. حرية الصحافة وحرية الرأي وتعدده ضرورية، نعم ضرورية جداً، حتى لا تُغلق عقولنا على ما بها من أفكار، أو على خطاب أحد الأطراف وأفكاره.

لكن حرية الصحافة لا تعني على الاطلاق، إطلاق العنان للتحريض والتهويل والكذب، وتلفيق الاتهامات لنا، وهو ما برعت به قناة العربية ووكالة معاً مؤخراً، ووفقاً لأجنداتها الواضحة، صرنا نعلم أنهم يريدون إستغلال أيّ فرصة للإنتقام من حركة حماس والحركات المقاومة شر انتقام، بسبب مقاومتها، وبسبب إصرارها عليها كسبيل للتحرر والتحرير، فالأطراف الفلسطينية والعربية التي تضغط عليها وعلى غيرها من حركات المقاومة كُثر، وهي تضغط من أجل إجبارهم على ترك السلاح، وإذلال رؤوسهم لمن ترك السلاح وسلّمه، وصار كل همه الحفاظ على إتفاقات الخضوع والاستسلام للإحتلال، التي توفر له المقام والمنصب والمال والكثير من السلطة، وبسبب دخول قضية فلسطين وسط المناكفات السياسية والمزايدات المتبادلة بين الاطراف المتصارعة عربياً، خصوصاً بعد ثوارت الربيع العربي.

قبل إغلاق تلك المكاتب بيوم، قامت وكالة معاً بنقل خبر عن مصادر "اسرائيلية"، لا أحد يعلم عنها شيئاً، وبالتأكيد سنشكك بصدقها ومصداقيتها، من كثرة الكذب والأخبار الكاذبة التي نشرتها معاً على مدار السنين الماضية، وفقاً لمصادر كانت تنفي على الفور الأخبار أو المقابلات التي نشرت، عنوان ذلك الخبر "على ذمة اسرائيل: قادة الاخوان هربوا الى فندق بيتش بغزة تحت حماية حماس".

15056_10153032751810048_1886082556_n

لا نستطيع ان نقراً خبراً كهذا دون النظر الى سياق ما يحدث على الحدود المصرية الفلسطينية في رفح، فقد تم استدعاء كتيبتين من الجيش المصري، وكتيبة من جيش الاحتلال الاسرائيلي "لمكافحة الإرهاب"، لرعاية وتنفيذ الهدم الواسع للأنفاق، ومحاصرة خطوط إمداد سلاح المقاومة، وإغلاق معبر رفح بشكل جزئي، وتشديد الحصار على قطاع غزة عموماً، وقد احتاج ذلك للكثير من التحريض على حماس ومقاومتها وأهالي غزة عموماً، وسط الوكالات الاعلامية المصرية والاسرائيلية وبعض الوكالات الفلسطينية، لتهيئة الرأي العام المصري بشكل خاص لما يحدث هناك، وحتى يكسب الجيش غطاءً شعبياً على ممارساته، وتقليل فرص معارضته ومعارضة ممارسات الاحتلال في حصار غزة وتجويعها، فالكثير منا سمع الاخبار التي تكذب نفسها بسبب خلوها من المنطق، مثل "دخول خلايا فلسطينية الى مصر"، و"تهريب صواريخ جراد اليها"، و"اعتقال خلايا فلسطينية ارهابية"، وغيرها الكثير.

هذا بالطبع غير الممارسات الأمنية والممارسات التي يتعرض لها الفلسطيني في مصر نتيجة التحريض المستمر حتى اليوم، ونتيجة الاشارة إليه على أساس أنه الخطر الوحيد على الأمن القومي المصري. وكالة معاً كانت وما زالت جزءاً من هذه الحالة، وهي مستمرة بتغطيتها وشرعنتها لكل هذه الممارسات.

تبعات إغلاق تلك المكاتب في غزة بشكل قانوني سبّب مشكلة كان يمكن تفاديها، وتفادي البيانات والتصريحات التي صدّعت رؤوسنا، فوسط ضغط حكومة حماس الأمني على القطاع وأهاليه، لخوفها من أي تحرك قد يُنظم ضدها أو ضد المقاومة، قللت حماس فرص التحركات الشعبية العفوية التي إعتدنا عليها في التعامل مع هكذا حالات، فدون سلطة حماس الأمنية، كانت ستنظم مظاهرة شعبية غاضبة للتظاهر أمام تلك المكاتب، وقد تغلق أو تحرق كعقاب لهم، وسيصبح العمل مع تلك الجهات عملاً مشبوهاً، وسينبذ المجتمع العاملين والمتعاونين معهم، كل ذلك تحت غطاء شعبي غير محصور بجهة رسمية يمكن الضغط عليها للتراجع، أو حتى وصفها بالأوصاف "الظلامية" و"الرجعية"، التي صارت مبتذلة ومملة جداً. باختصار "خليهم يدبروا راسهم مع أهل غزة".

حرية الصحافة ليست مطلقة، وبالتأكيد محدودة، محدودة على احترام الانسان الفلسطيني، واحترام حقة في العيش، وعدم التحريض على قتله وتجويعه، ورفع الغطاء عن الممارسات التي تهدف الى ذلك، وتعبئته للتحرر والتحرير، وحثه وتحريضه على الاستمرار بالعمل على ذلك، وعلى من يتعدى تلك الحدود مواجهة التحركات الشعبية غير المحدودة أو المرتبطة بحزب أو تنظيم أو جهة رسمية، والتي لا حدود لها، ولا إطار لردود أفعالها. على الوكالات العربية والفلسطينية تحديد هويتها وأهدافها، والتأكيد على إنحيازها للإنسان الفلسطيني ومقاومته وحقه في الحياة الكريمة. قبل المطالبة بإعادة فتح مكتب وكالة معاً، على سبيل المثال، عليها الإجابة على سؤال عريض "وكالة معاً، مع مين بالضبط؟".