متابعة قدس: في خطوةٍ وُصفت بأنها امتداد لحملة التكميم ضد الأصوات الفلسطينية، كشف موقع ذا إنترسبت الأميركي أنّ منصة "يوتيوب" المملوكة لشركة "غوغل" أقدمت، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، على حذف قنوات ثلاث من أبرز المنظمات الحقوقية الفلسطينية: مؤسسة الحق، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. وجاء القرار، وفق التقرير، استجابةً للعقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هذه المؤسسات، بذريعة تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية في الدعاوى المتعلقة بجرائم الحرب الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية.
وأوضح ذا إنترسبت أن الخطوة تأتي ضمن مساعٍ حكومية أميركية تهدف إلى تقويض جهود المساءلة الدولية عن الانتهاكات الإسرائيلية، إذ احتوت قنوات المنظمات الثلاث على مئات الساعات من التسجيلات التي توثق جرائم جيش الاحتلال، بما في ذلك عمليات القتل العمد والقصف العشوائي ضد المدنيين الفلسطينيين. وأكد التقرير أن حذف هذه القنوات يمثل "محاولة لإخفاء الأدلة البصرية على جرائم الحرب".
وفي هذا السياق، قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية للعالم العربي الآن (DAWN)، إن القرار "يعكس افتقار الشركة إلى الشجاعة الأخلاقية"، مشددةً على أنّ "من الصعب تخيّل أي مبرر قانوني لاعتبار نشر توثيقات حقوقية خرقاً للعقوبات الأميركية"، واعتبرت أن "رضوخ يوتيوب لهذا التصنيف التعسفي أمر مخيّب للآمال".
من جانبها، وصفت كاثرين غالاغر، المحامية في مركز الحقوق الدستورية، القرار بأنه "مخزٍ"، مؤكدةً أنّ المنصة "تشارك فعلياً في طمس الأدلة على انتهاكات إسرائيل لحماية رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بعد صدور مذكرة توقيف بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية".
وأكّد متحدّث باسم يوتيوب لـذا إنترسبت أنّ حذف الحسابات تمّ التزاماً بالعقوبات الأميركية، مضيفاً أن "المنصّة ملتزمة بسياسات وزارة الخارجية بشأن الكيانات المصنّفة". لكنّ المؤسسات الفلسطينية شددت على أن القرار يشكل اعتداءً على حرية التعبير وحق الضحايا في توثيق معاناتهم.
وقال متحدث باسم مركز الميزان إن القناة أُغلقت في 7 أكتوبر "دون سابق إنذار"، مضيفاً أنّ "القرار يحرمنا من إيصال رسالتنا الحقوقية ويقيد قدرتنا على توعية المجتمع الدولي". فيما أشارت منظمة الحق إلى أنّ قناتها حُذفت في الثالث من الشهر نفسه بحجة "مخالفة الإرشادات"، معتبرةً أن ذلك "تراجع خطير عن مبادئ حقوق الإنسان"، وأن العقوبات الأميركية "تُستخدم لإسكات الضحايا الفلسطينيين وحجب الحقيقة عن العالم".
أما المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة، فرأى أنّ الخطوة تهدف إلى "حماية الجناة من المساءلة"، مؤكداً أن عمله "قائم على الأدلة والشهادات الميدانية منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة". وقال المستشار القانوني في المركز باسل الصّوراني إن "يوتيوب لم تكتفِ بتطبيق العقوبات بل شاركت في إسكات أصوات الضحايا الفلسطينيين".
وقدّر التقرير عدد المقاطع التي حُذفت من القنوات الثلاث بنحو 700 فيديو، تضمنت توثيقات ميدانية، وشهادات أسرى، وأفلاماً وثائقية. ورغم الحذف، لا تزال بعض المواد منشورة على منصات بديلة مثل "فيسبوك" و"فيميو"، غير أن المنظمات تخشى امتداد الحظر إليها لاحقاً، نظراً إلى تبعيتها القانونية للشركات الأميركية المشمولة بالعقوبات.
ومنذ صدور مذكرات التوقيف بحق نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تصاعدت ضغوط إدارة ترامب ضد المحكمة الجنائية الدولية والمنظمات المتعاونة معها. وفرضت واشنطن عقوبات مباشرة على موظفين في المحكمة، كما شملت العقوبات المؤسسات الحقوقية الفلسطينية الثلاث. وتقول ويتسن إن هذه الإجراءات تهدف إلى "إرهاب الأميركيين ومنعهم من التواصل مع تلك المنظمات تحت ذريعة قوانين الدعم المادي للإرهاب".
وتاريخياً، سبق لـ"يوتيوب" أن استجابت لمطالب إسرائيلية بإزالة محتوى ناقد لسياسات الاحتلال. ففي عام 2024، حُذفت قناة جمعية الضمير لدعم الأسرى بعد ضغوط من جماعات قانونية مؤيدة لإسرائيل في بريطانيا. كما وثقت منظمات حقوقية قيام المنصة بالتعاون مع مهندسين إسرائيليين لتنقية المحتوى "المعادي لإسرائيل" ضمن مبادرات رقابية رقمية.
وحذّرت ويتسن من أن خضوع "يوتيوب" لإملاءات سياسية يشكل "سابقة خطيرة قد تدفع شركات أخرى إلى تبني الرقابة الاستباقية"، معتبرةً أن ما يجري "يتجاوز القضية الفلسطينية ليشكل تهديداً عاماً لحرية تداول المعلومات على الإنترنت". وأضافت: "حين تسمح شركات التكنولوجيا للإدارة الأميركية بتحديد ما يجوز للجمهور العالمي مشاهدته، فإننا أمام مشهد منسّق لطمس الحقيقة".



