شبكة قدس الإخبارية

حملة عباس لنزع السلاح الفلسطيني في لبنان: رعاية أمريكية ورضى لبناني

٢١٣

 

حملة عباس لنزع السلاح الفلسطيني في لبنان: رعاية أمريكية ورضى لبناني
أحمد الطناني

بيروت - خاص قدس الإخبارية: لطالما كان ملف السلاح الفلسطيني في لبنان عنوانًا للجدل والخلاف، إلا أن هذه القضية ظلت مجمَّدةً لعقود طويلة دون حسم أو نقاش جاد أو تغييرات بنيوية جوهرية، كما هو الحال مع العديد من الملفات المرتبطة بالمخيمات الفلسطينية في لبنان. تلك الملفات ارتبطت بالعديد من المتغيرات والمعادلات المعقَّدة في المشهد اللبناني.

ومع ذلك، أكدت التطورات في السنوات الأخيرة بوضوحٍ أن بوصلة هذا السلاح أصبحت أكثر تحديدًا وتأثيرًا في معادلة الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي معادلات وحدة ساحات الفعل الفلسطيني، كما بات لها تأثير مباشر وغير مباشر على فعل المقاومة الفلسطينية ومعاركها الكبرى مع الاحتلال، ما حوَّل هذه القضية إلى عنوان تلاقٍ توحدت فيه مصالح الأطراف المتضررة من تصاعد نوعية وتأثير هذا الفعل، والتي باتت تبحث عن اللحظة الذهبية للانقضاض على هذا السلاح والتخلص منه بأي ثمن.

السلطة الفلسطينية، التي تسعى إلى إعادة ترميم شرعيتها الدولية وأوراق اعتمادها لدى الولايات المتحدة، وجدت في حسم هذا الملف فرصةً مهمةً لضرب عدة أهداف في وقت واحد، فمن جهة تسعى إلى استعادة هيمنتها على المخيمات الفلسطينية في لبنان، ومن جهة أخرى تعزِّز مكانتَها إقليميًّا ودوليًّا كطرف فاعل ضمن المعادلة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط. ويجري كل ذلك من خلال استغلال التطورات المتسارعة في لبنان والمنطقة لتحقيق هذه الأهداف، حتى لو كان الثمن باهظًا، مثل الدفع إلى تفجير الأوضاع في المخيمات الفلسطينية.

عنوان واحد على جدول الأعمال

وصل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى لبنان في زيارة رسمية، حيث كان جدول أعماله متعدد المحطات، وجرى التحضير له تحضيرًا دقيقًا من قبل رئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، صاحب النشاط الطويل في الساحة اللبنانية.

أولى المحطات كانت لقاءً مع الرئيس اللبناني، جوزاف عون، الذي يتبنى منذ بداية "العهد الجديد" مبدأ وحدانية السلاح بيد الدولة. وأكدت المصادر الرسمية أن الرئيسين اتفقا على "حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية" وعلى "احترام السيادة اللبنانية"، كما شددا على "عدم استخدام أراضي لبنان منطلقًا لأي هجمات".

وفي بيان لبناني وفلسطيني صادر بعد اللقاء، أكد الطرفان الاتفاق على تشكيل لجنة لمتابعة أوضاع المخيمات الفلسطينية، والعمل على تحسين ظروف الحياة داخلها وتعزيز التعاون بين الجانبين لضمان الاستقرار في المخيمات.

وعلى الرغم من البيان المشترك، فإن غياب المؤتمر الصحفي المشترك لفت الانتباه، ما قد يُفهم محاولة لحصر الحديث في المحدِّدات المكتوبة وتجنُّب أية مفاجآت قد تَخرج على لسان رئيس السلطة قد تخلق تأزيمًا في الساحة السياسية اللبنانية الحساسة.

ثاني المحطات كانت لقاءً مع رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، الذي تلاقى مع مخرجات الاجتماع مع رئيس الجمهورية، لكن توبِع بخطوات عملية واضحة. فقد أعلنت رئاسة الوزراء اللبنانية عقد الاجتماع الأول للجنة المشتركة لمتابعة أوضاع المخيمات الفلسطينية في البلاد، بحضور رئيس الوزراء.

وفي بيان على منصة "إكس"، قالت رئاسة الوزراء إن سلام وجَّه بضرورة الإسراع في تنفيذ الخطوات العملية عبر وضع آلية تنفيذية واضحة ضمن جدول زمني محدد، وأن المجتمعين اتفقوا على "إطلاق مسار لتسليم السلاح وفق جدول زمني محدد"، مع خطوات عملية لتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين.

ووفقًا لمصادر صحفية، اتُّفِق بين الجانبين اللبناني والفلسطيني على بدء سحب السلاح من المخيمات في منتصف يونيو/حزيران، بناءً على اتفاق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقد اتُّفِق على البدء بمخيمات بيروت، تليها المخيمات الأخرى.

وفي السياق ذاته، التقى عباس جزءًا من الفصائل الفلسطينية في لبنان، في مقر إقامته في بيروت، وأكد "أهمية تحقيق الوحدة الوطنية"، مشددًا على التزام منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها السياسي والتزاماتها الدولية، وتطرق إلى اللجنة الفلسطينية-اللبنانية المشتركة، التي شُكِّلَت لتحسين ظروف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مع احترام سيادة لبنان. كما أكد "أهمية التزام مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية على كامل أراضيها"، مع ضرورة إنهاء أي مظاهر مخالفة لهذا المبدأ، وتعزيز التنسيق والتعاون لما فيه مصلحة الشعبين اللبناني والفلسطيني.

ومن الجدير بالذكر أن الساحة اللبنانية شهدت في الآونة الأخيرة أحداثًا أمنيةً بارزة، كان آخرها عملية إطلاق صواريخ من جنوبي لبنان في اتجاه المستوطنات الإسرائيلية شمالي فلسطين المحتلة، والتي اتهمت بها عناصر من حركة "حماس".

وقد أضافت هذه الأحداث زخمًا جديدًا لملف السلاح الفلسطيني، ما دفع الحكومة اللبنانية إلى توجيه تحذير لـ"حماس" بعد توصية من مجلس الدفاع الأعلى، بخصوص استخدام الأراضي اللبنانية في عمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وكان هذا التحذير قد جاء بعد أشهر من تسلُّم الجيش اللبناني المواقع العسكرية الفلسطينية خارج المخيمات، خاصةً تلك التابعة للقيادة العامة والصاعقة، عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع الاحتلال.

جهد مستمر منذ سنوات

منذ سنوات، تتولى السلطة الفلسطينية عبر أجهزتها الأمنية، وعلى رأسها جهاز المخابرات العامة بقيادة ماجد فرج، جهودًا متواصلة لتجريد المخيمات الفلسطينية في لبنان من سلاحها.

منذ العام 2011، اتخذت تحركات اللواء فرج تجاه لبنان طابعًا أمنيًّا منظَّمًا، بهدف إدماج القوى المسلحة التابعة لحركة "فتح" في تشكيل أمني موحَّد تحت مظلة "الأمن الوطني الفلسطيني" بالتعاون مع الدولة اللبنانية. وشملت الخطة أيضًا تجميع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وتسليمه للدولة اللبنانية، بذريعة "ضبط الأمن ومنع الانفلات".

لكن السياقات اللاحقة، خاصةً زيادة نشاط الفصائل المقاومة مثل "حماس" والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية في لبنان، وزيادة وتيرة الفعل المقاوم في الضفة الغربية والاتهام الإسرائيلي بوجود مراكز قيادة هذا الجهد في لبنان، دفعت السلطة إلى تعميق انخراطها في هذا المشروع، مدفوعةً بضغط إسرائيلي-أمريكي واضح.

وفي زيارته الأخيرة لبيروت، قبل اندلاع "طوفان الأقصى"، حمل فرج رسائل سياسية وأمنية صريحة تطالب بتجريد المخيمات من السلاح، ومنع انتقال أية خبرات أو تسليح إلى الضفة الغربية، التي شهدت تصاعدًا نوعيًّا في العمل المقاوم.

وما بدأ في بداياته كتنسيق أمني تقليدي، أخذ بعدًا استراتيجيًّا جديدًا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ تحولت العملية إلى مسار متسارع ومتعدد الأبعاد، يهدف إلى نزع آخر أشكال القوة الرمزية والتنظيمية للمخيمات الفلسطينية في المنفى.

إذ تُظهر هذه التحركات دورًا جديدًا آخذًا في التشكل للسلطة الفلسطينية، يتجاوز الوظيفة السياسية أو الأمنية التقليدية في المعالجة المرتبطة بالمخيمات، وتنسيقًا أمنيًّا واسعًا.

فبشكل متزايد، تتجه السلطة نحو تنسيق أكبر مع محاولات الاحتلال في ضبط الحراك الفلسطيني، لا في الضفة الغربية فحسب، بل كذلك في الشتات، في مسعى إلى احتواء أية بيئة حاضنة للمقاومة أو خطوط دعم لوجستي خارج الأراضي المحتلة بما يُحقِّق مصلحة مشتركة للطرفين.

استغلال اللحظة وتثبيت الهيمنة

تُشير جميع المؤشرات إلى أن السلطة الفلسطينية قد قررت استثمار اللحظة الراهنة التي تمثِّل تقاطعًا مهمًّا للعديد من الأطراف.

في هذه اللحظة، ثمة رغبة أمريكية وضغط إسرائيلي لتحقيق إجراءات طالما سعى الاحتلال إلى تمريرها في خلال السنوات الماضية، ولكنها اصطدمت بعوائق متكررة، خاصةً فيما يتعلق بفرضها على المخيمات الفلسطينية.

وبالاستناد إلى تقييمات الواقع، يبدو أن هيمنة "فتح" الرسمية، والسلطة الفلسطينية على الوضع في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وكذلك على المشهد الفتحاوي الداخلي، قد تراجعت تراجعًا كبيرًا في العقد الأخير.

جاء هذا التراجع بالتوازي مع تصاعد دور وتنظيم قوى المقاومة الفلسطينية، وتنمية حضور تيار محمد دحلان في المخيمات وبين مسلَّحي الحركة.

إضافةً إلى ذلك، تكشف التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية عن عمليات استهداف واغتيال طالت كوادر من "فتح"، تتهمهم سلطات الاحتلال بالعمل على تجنيد وتمويل خلايا للمقاومة في الضفة الغربية، بالتنسيق مع "حزب الله" وقوى المقاومة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، فإن كل الخطوات التي اتخذتها السلطة لتعزيز قدرتها الأمنية، والتي بدأت بتحويل مجموعاتها المسلحة إلى قوة أمنية تعمل ضمن هيكلية وعقيدة السلطة، لم تُحقِّق أيةَ إنجازات تُذكر.

وفي مقابل ذلك، سجلت قوى المقاومة الفلسطينية قفزاتٍ نوعيةً في نشاطها داخل المخيمات وخارجها، وقد كان هذا واضحًا بقوة في خلال "طوفان الأقصى" والمشاركة الفاعلة من الساحة اللبنانية.

وعلى الرغم من محاولات السلطة المتكررة لتحسين صورتها الأمنية داخل المخيمات، لم تُسجَّل نجاحات نوعية في مواجهة الآفات الداخلية، خصوصًا تلك المتعلقة بالعناصر الخارجة عن القانون والتي تستخدم المخيمات ملاذًا آمنًا من الملاحقة الأمنية من قبل الأجهزة اللبنانية.

وفي بعض الحالات، عملت السلطة على خلق بؤر اشتباك فلسطيني داخلي كمبرر لفرض إجراءات ميدانية أكثر قسوة، وكان من أبرز هذه المواقف الهجوم على جنازة الشهيد القسامي حمزة شاهين في ديسمبر/كانون الأول 2021، بعد أشهر من "سيف القدس" الذي شكَّل بداية مشاركة المقاومة الفلسطينية الفاعلة من الساحة اللبنانية بالتكامل مع قطاع غزة.

في السياق، يرى رئيس السلطة محمود عباس وفريقه المصغر أن التطورات الحالية تمثِّل فرصةً ذهبيةً لإعادة ترتيب سيطرتهم على المخيمات، وتثبيت نفوذهم المتآكل، مؤكدين أن صلاحية السلطة ما تزال سارية، وأنه يمكن للولايات المتحدة المراهنة عليها كجزء من الترتيبات الشاملة لمستقبل المنطقة.

ما خلف السلاح

إذن، لا يمكن فصل الحديث عن السلاح الفلسطيني في لبنان عن الترتيبات الأمنية الواسعة الجارية في الشرق الأوسط، والتي تجري تحت هندسة أمريكية مباشرة، مع مشاركة عربية فاعلة، بهدف محاصرة أي جهد قد يُشكِّل تهديدًا للمصالح الأمنية الإسرائيلية والحسابات الأمريكية في المنطقة.

وفي هذا السياق، كتب الصحفي الإسرائيلي، روعي كايس، في "كان 11"، أن الخطوة الأخيرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس تتناغم تمامًا مع التحركات الإقليمية التي وصلت ذروتها مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، والشروط الأمريكية التي قُدِّمَت لأنظمة المنطقة، خاصةً في سوريا ولبنان، للحصول على الدعم الأمريكي والانفتاح العربي.

ووفقًا لكايس، جاء الطلب الإقليمي من عباس لتنفيذ هذه الخطوة بهدف تقوية القيادة اللبنانية الجديدة، ما حمل في طياته تلاقي مصالح بين السلطة الفلسطينية وقوى لبنانية معادية للمقاومة الفلسطينية تاريخيًّا. كما أن عباس يرغب في تقليص مكانة "حماس" في لبنان. وعلى الرغم من ذلك، فإن التأثير الإقليمي كان بالغ الأهمية في هذا الحدث.

وفيما يتعلق بالهدف الإقليمي الأوسع، يشير دبلوماسي عربي إلى أن الهدف يتمثل بتفكيك سلاح "حزب الله" من أجل إضعاف التدخل الإيراني في لبنان.

ومن ثم، فإن تفكيك السلاح الفلسطيني السني في لبنان سيعزِّز قوة الدولة اللبنانية من وجهة نظر دول المنطقة، وسيسهِّل أيضًا مهمة تفكيك سلاح "حزب الله"، وفقًا لهذا الدبلوماسي الذي تحدث لموقع "كان حدشوت".

ويضيف الموقع العبري أن دولًا إقليميةً لعبت دورًا مهمًّا وراء الكواليس في محاولة لتأهيل السلطة الفلسطينية أمام الإدارة الأمريكية وتعزيز دورها في إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة.

إلا أن الواقع، وعلى الرغم من هذه الإشارات، لا يخضع لما يجري في كواليس الاجتماعات أو طموحات السياسيين. فالبيئة اللبنانية معقَّدة ومتداخلة، وأية خطوات كبرى تتطلب توافقًا واسعًا بين القوى الرئيسية في لبنان.

وفي المشهد الفلسطيني، تحتاج المعالَجات إلى توافق داخلي فلسطيني، وهو الموقف الذي حملته فصائل المقاومة الفلسطينية، التي ربطت أية معالجات بحوار وطني جاد ينظم كل الملفات العالقة، بما يشمل إيجاد حلول حقيقية لتحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

الرئيس اللبناني جوزاف عون، الذي كان قائدًا للجيش، يعرف تمامًا حساسية الحديث عن أية ملفات متفجرة، ولا يتسرع في المعالجات الأمنية التي قد تتحول إلى أزمات غير قابلة للاحتواء أو قد يصعب التنبؤ بنتائجها، وبالتالي لا يتبنى أية توجهات مندفعة.

كما تنتبه الدولة اللبنانية إلى أن المعالجة يجب أن تكون فلسطينيةً داخليةً أولًا، وأن التدخل الأمني اللبناني يجب أن يأتي في هذا السياق، حتى لا يتحمل لبنان تبعات معارك لا تخصه، في إطار الانقسام الفلسطيني والأهداف المتعددة التي يحملها الرئيس الفلسطيني في خطوته الكبرى، والتي لاقت ترحيبًا كبيرًا من قوى اليمين اللبناني، في مقابل تخوف من القوى الوطنية الأخرى.

وبالطبع، لن يشكِّل الموقفُ الفلسطينيُّ الوطني، وفي مقدمته موقف قوى المقاومة الفلسطينية، عائقًا أمام المعالجات الأمنية لكل المظاهر السلبية في المخيمات، خصوصًا تلك الإجرامية، بشرط أن تكون هذه المعالَجات ضمن المصلحة الوطنية العليا، للبنان وفلسطين على حد سواء، بما يشمل ضمان ألَّا تتحول المخيمات إلى بؤر تهديد للأمن اللبناني. على أن يُتجنَّب تحويل هذا الملف إلى قضية تفجير، مثلما حدث مع "نهر البارد".

في هذا الإطار، تنظر قوى المقاومة الفلسطينية إلى التحركات الحالية بوصفها ذات أبعاد متعددة، يحتاج بعضها إلى نقاش جاد وواعي للوصول إلى أفضل الصيغ، بينما يحتاج الآخر إلى التفكيك والإفشال بالتعاون مع القوى الوطنية اللبنانية. وقد تجلى ذلك في المعالَجات الهادئة التي تمت بعيدًا عن الإعلام بين حركة "حماس" والدولة اللبنانية في خلفية الأزمات الأخيرة، ما أسهم في تبريد التوتر والتوصل إلى صيغ تفاهم مشتركة.

 

#محمود عباس #بيروت #السلطة الفلسطينية #المخيمات