خاص - شبكة قُدس: أكد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، مساء الأحد الماضي، خلال حفل تخرج دورة ضباط قتاليين إن قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي ستبقى في بعض النقاط في لبنان وسوريا، وقال: "نحن نطالب بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا من قوات النظام الجديد. كما أننا لن نسمح بأي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريا".
وأضاف نتنياهو قائلاً: "في سوريا، ستبقى قوات الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان وفي المنطقة العازلة لفترة غير محدودة، من أجل حماية مستوطناتنا وإحباط أي تهديد. لن نسمح لقوات هيئة تحرير الشام التي يقودها رئيس سوريا الجديد أو للجيش السوري الجديد بالدخول إلى الأراضي جنوب دمشق".
وعن لبنان، قال نتنياهو: "نحن نحتفظ بالمواقع الاستراتيجية على طول حدودنا الشمالية داخل لبنان، وأمام مستوطناتنا، حتى يلتزم الجيش اللبناني وحكومة لبنان بكافة التزاماتهم بموجب الاتفاق".
من جانبه، أيدّ وزير حرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس تصريحات نتنياهو، وقال: "نحن نراقب جميع الأوضاع اليوم، خاصة في سوريا. لقد تعهدنا بعدم السماح بالعودة إلى واقع 7 أكتوبر، وسيكون ذلك. هناك واقع جديد في جنوب سوريا، كما أشار نتنياهو. الجيش لن يسمح للقوات المعادية بالتواجد في المنطقة الآمنة جنوب سوريا، وسنتخذ إجراءات ضد أي تهديد".
وأضاف كاتس: "سنعزز العلاقة مع الأصدقاء في المنطقة، مع التركيز على السكان الدروز، الذين يشكلون امتدادا للدروز لدينا، وسنبقى في قمة هضبة الجولان وفي المنطقة العازلة لفترة غير محدودة لضمان أمن مستوطنات الجولان والشمال وجميع المستوطنين دون استثناء".
ودخل جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى المنطقة العازلة في الجولان صباح اليوم التالي لسقوط نظام بشار الأسد، وأوضح الجيش حينها أنه "نظرًا للأحداث في سوريا وبناءً على تقدير الموقف واحتمال دخول مسلحين إلى المنطقة العازلة، نشر الجيش قواته في المنطقة العازلة وفي بعض النقاط اللازمة للدفاع عن مستوطنات الجولان".
ونقل جيش الاحتلال في تلك الفترة رسائل تحذير للمسلحين الذين سيطروا على الجولان السوري وأسقطوا نظام بشار الأسد بعدم عبور خط ألفا، الذي يبدأ منه المنطقة المنزوعة السلاح. وفي الوقت نفسه، رفع قائد لواء الشمال في جيش الاحتلال حالة التأهب وطبق خطط الطوارئ لتعزيز الدفاعات في الجولان.
في لبنان، بعد ستة أشهر من البدء العملي للحرب الثالثة على لبنان، عاد جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد 25 عامًا من الانسحاب من الشريط الأمني؛ ليسيطر جزئيا عليه مرة أخرى، وهذه المرة هناك خمسة مواقع، على مسافة عدة مئات من الأمتار من السياج الأمني، وسيتم مركزة جنود الاحتلال فيها، حتى يتم اتخاذ قرار سياسي آخر.
لماذا تبقي "إسرائيل" على وجودها في سوريا ولبنان؟
في عام 2000 انسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل أحادي من جنوب لبنان، دون اتفاق سياسي مع لبنان. يعتبر كثير من النخب العسكرية والسياسية في "إسرائيل" أن هذا الانسحاب كان بمثابة نهاية عقيدة حروب السيطرة التوسعية. يبرر أنصار الانسحاب بأن الساحة اللبنانية تحولت لساحة مواجهة مكلفة واستنزاف لا نهائي. لكن عدم وجود اتفاق من وجهة نظر آخرين، هو الذي ساهم في تقوية حزب الله وصولا إلى حرب 2006 التي لم تنتصر فيها "إسرائيل" على حزب الله، وكان لها تداعيات كبيرة على ثقة الجمهور الإسرائيلي بالجيش وأيضا في رسم قواعد اشتباك جديدة مع الحزب.
قرار 1701 الذي أنهى حرب لبنان الثانية عام 2006 تضمن بنودا بمنع حزب الله من التسلح وتشكيل قوة عسكرية وإقامة بنية تحتية عسكرية على الحدود ومنع نقل الأسلحة لجنوب نهر الليطاني، لكن هذه البنود ظلت حبرا على ورق، من وجهة نظر كثير من النخب العسكرية الإسرائيلية. وعلى العكس من ذلك، بعد الانسحاب العسكري للجيش، بدأ حزب الله في صياغة خطته العملية لتحرير الجليل، أي نقل المعركة إلى داخل أراضي العدو، وقد استثمر في ذلك خططا وتجهيزات لوجستية وبشرية.
الأمر ذاته ينطبق على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005. لقد أتاحت هذه الخطوة الأحادية، من وجهة نظر النخب العسكرية الإسرائيلية، إمكانية تشكيل المقاومة الفلسطينية لتهديد هجومي. لقد بدأت حماس بعد بناء قوتها العسكرية المنظمة وحفر مئات الكيلومترات من الأنفاق التي تحتوي على مراكز تحكم وتصنيع وتأمين، بالتفكير جديا في شن هجوم ونقل المعركة إلى داخل "أراضي العدو" وهو ما تحقق بالفعل في طوفان الأقصى.
وما بين "خطة تحرير الجليل" التي صاغها حزب الله، و"خطة طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس، توّلد استنتاج مهم لدى النخبتين العسكرية والسياسية لدى الاحتلال مفادها أن حركات المقاومة تستفيد من الانسحابات لخلق بيئة مواتية ومناسبة للهجوم.
اليوم يرى الإسرائيليون أن الحل الأمثل هو البقاء داخل أراضي العدو، فحتى لو كانت هناك مواجهة، لكن أهداف العدو تتقلص، من الهجوم إلى التحرير، وأيضا مجتمع الأهداف يتقلص؛ من مستوطنات ومستوطنين إلى مجموعات من الجنود في مواقع محصنة.
يعتقد خبراء عسكريون إسرائيليون أنه في لبنان وكذلك في قطاع غزة وأيضا سوريا (بعد سقوط نظام الأسد)، يجب أن يركز المفهوم الجديد ليس فقط على المستوطنات، بل على الطرق أيضاً، مع التركيز على التقاطعات المركزية باعتبارها مناطق حيوية، ويجب أن يكون لدى الجيش خطة دفاعية لحالات الطوارئ والحرب ضمن حدود القتال، بما في ذلك خطة تتدرب عليها قواته بانتظام، وتطبق على الفور، في أي تصعيد.
وبدلاً من إعادة بناء الجدران التي يتمكن العدو من هدمها في أي لحظة كما حدث في قطاع غزة، يجب على الجيش، وفق خبراء عسكريين إسرائيليين، الاستثمار في نظام من المواقع العسكرية، والبنية التحتية الدفاعية المحمية والمحصنة، ومقار الألوية الخلفية والمحصنة ومقرات تحت الأرض، والتدرب على إغلاق جميع المناطق القريبة من السياج والتي تستخدم كممرات تسلل، بالإضافة إلى حاجة الفرقة المكانية المسؤولة عن الحدود إلى قدرات إطلاق نار ذاتية يتم تفعيلها تحت سلطة قائد الفرقة وفي فترات زمنية قصيرة.
القطاعات الأمنية المانعة للمفاجآت
قد يبدو لكثيرين أن بقاء "إسرائيل" في جنوب سوريا ولبنان وقطاع غزة، سيشكل حالة استنزاف لا يمكن للاحتلال تحملها. هذا صحيح، لكن على المدى القريب فإن مهمة هذه القطاعات الأمنية هو منع المفاجآت الاستراتيجية وتشغيل خطوط الدفاع داخل أراضي العدو لا داخل المستوطنات وعلى مقربة منها. تريد "إسرائيل" أن تحافظ قدر الإمكان على مسافة معينة بين المواجهة والمستوطن الإسرائيلي الذي تعرّض لأكبر هزة نفسية في تاريخ وجوده في فلسطين المحتلة خلال السابع من أكتوبر 2023.
وبناء على ما سبق، فإن "إسرائيل" تسعى لتكثيف الاشتباك داخل أراضي العدو، وتحويل المسافة الفاصلة بين العدو والمستوطنات إلى أرض عسكرية مليئة بالمعسكرات والتحصينات والمواقع، والتعامل مع أي محاولة لتطوير تهديد للجبهة الداخلية (صواريخ وطائرات مسيرة) بالاستهداف الوقائي. إن قدرة المقاومة على استهداف الجبهة الداخلية للاحتلال، يبطل نسبيا أهداف القطاعات الأمنية الآمنة التي تريد تحييد الخطر عن المستوطنيين.
في سوريا، يعتقد الإسرائيليون أن الإسلاميين مهما كان خطابهم العام ناعما وتطمينيا إلا أنه لا يمكن الحكم على نواياهم المستقبلية، بل لا يمكن بناء تصور استراتيجي عن تفاعل الإسلاميين مع الأحداث والذي قد يؤدي في النهاية إلى تغيير مفاجئ في أفكارهم وسلوكهم أو على الأقل في أفكار وسلوك جزء من مكوناتهم التنظيمية في ظل التنوع الشديد في الحالة الفصائلية ذات الطابع الإسلامي في سوريا.