خاص - شبكة قدس الإخبارية: أصدر الرئيس محمود عباس قرارًا بقانون يقضي بإلغاء المواد الواردة في القوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى، في قانون الأسرى واللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير الفلسطينية. هذا ليس نصًا مقتبسًا من موقع معارض أو طرف نقيض، بل من الوكالة الإخبارية التابعة لـ"عباس" ومؤسسة الرئاسة. هذه نهاية قصة مع قانون سعت "إسرائيل" والولايات المتحدة لإلغائه، واليوم يُصدر عباس قرارًا في هذا السياق بالفعل وبلغة صريحة.
بدأت قصة عباس وقانون رواتب الأسرى منذ 10 سنوات تقريبًا. في 2014، استجاب عباس للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وأصدر مرسومًا رئاسيًا بتحويل وزارة الأسرى إلى هيئة، وكان الهدف هو تخليص الحكومة الفلسطينية من عبء وجود وزارة معنية بالأسرى، وهو ما قد يؤدي إلى رفض قبولها إسرائيليًا ودوليًا. لكن ذلك لم يقنع الأمريكيين ولا الإسرائيليين.
في عام 2017، اجتمع عباس مع المقربين منه؛ حسين الشيخ وماجد فرج وآخرين، وأبلغهم أن قضية رواتب الأسرى أثارها معه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته لمدينة بيت لحم. وكان الاقتراح حينها لدى هؤلاء تحويل الهيئة إلى جمعية تتبع لوزارة الداخلية أو وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن المقترح لم ينفذ في حينها لأنه لم يلق استحسانًا أمريكيًا، ولم يرَ عباس أن هذه الخطوة قد تقنع "إسرائيل".
في فبراير 2018، أقر الاحتلال قانون اقتطاع قيمة رواتب الأسرى من أموال المقاصة. احتجت السلطة لاحقًا مع بدء تطبيق وزارة مالية الاحتلال لهذا القانون، وفي شهر مارس 2019 أعلنت السلطة عدم استقبالها لأموال المقاصة ورفع عباس حينها شعار: "سندفع للأسرى ولو تبقى لدينا شيقل واحد". دعم الفلسطينيون الخطوة، رغم تضرر شريحة الموظفين من صرف رواتبهم بنسب خصم عالية، لكنهم رأوا فيها خطوة سليمة.
لكن، في أكتوبر 2019، بعد سبعة أشهر من خطوة عباس، استلمت السلطة أموال المقاصة منقوصة 140 مليون دولار، ولم تبرر للشارع الفلسطيني ولا للموظفين الذين تضرروا لشهور سبب الاستلام. خضعت السلطة خضوعًا لم تستطع تبريره، وهو ما شجع الاحتلال في ديسمبر 2020 على تطبيق قرار عسكري إسرائيلي استُصدِر في العام ذاته بمعاقبة البنوك الفلسطينية التي تصرف رواتب الأسرى.
ومرة أخرى، لم يقرر عباس المواجهة، بل الخضوع والبحث عن آليات وأدوات للتكيف مع القرارات الإسرائيلية؛ العسكرية والسياسية. شكلت السلطة بتاريخ 7 مايو 2020 لجنة برئاسة محافظ سلطة النقد حينها عزام الشوا، ووزير شؤون الأسرى السابق قدري أبو بكر، وجمعية البنوك، وممثل عن وزارة المالية، لدراسة تبعات القرار العسكري على البنوك. وكان الاقتراح هو إنشاء بنك غير مرتبط بالنظام المصرفي الإسرائيلي، وهو ما جرى بالفعل، لكن "بنك الاستثمار" الذي أعلن عن تشكيله في 2021، تحولت مهمته فجأة للاستحواذ على أموال صناديق التنمية.
لم يعمل البنك المذكور لصالح الأسرى، وخضعت السلطة مرة أخرى لقرار قائد الضفة الغربية في جيش الاحتلال هذه المرة. في مارس 2021، قررت الحكومة الفلسطينية صرف رواتب الأسرى عبر مكاتب البريد الفلسطيني إثر إغلاق البنوك العاملة في الضفة الغربية لحسابات الأسرى والأسرى المحررين وكذلك حسابات أهالي الشهداء والجرحى بسبب القرار العسكري الإسرائيلي الذي يحظر على البنوك التعامل مع تلك الرواتب.
في 9 يوليو 2021، كشفت مصادر مطلعة لـ"شبكة قدس" أن ملف الأسرى والمحررين كان المحور الأهم في الاجتماع الذي عقده وفد من الكونغرس الأمريكي مع مسؤولين من السلطة الفلسطينية على رأسهم محمود عباس. وأوضحت المصادر أن أعضاء الكونغرس العشرة الذين زاروا المقاطعة شددوا في حديثهم لقيادة السلطة على أن عودة العلاقات مع الولايات المتحدة، بما في ذلك فتح القنصلية وعودة المساعدات كما كانت سابقًا، لا يمكن أن تتم دون إغلاق ملف رواتب الأسرى أو تسويته بطريقة تلقى موافقة أمريكية.
حسين الشيخ قال في الاجتماع المذكور (يوليو 2021) للوفد الأمريكي، وفقًا لما كشفت مصادر "قدس"، إن السلطة شكلت أصلاً لجنة لإعادة النظر في القانون الناظم لصرف رواتب الأسرى، وأنها مدركة للتخوفات الأمريكية في هذا السياق. وقد علق الوفد على ذلك بأن الولايات المتحدة يجب أن تكون مطلعة على مسودة القانون الجديد قبل إقراره. واقترح بعض الحاضرين للاجتماع من بينهم رئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج أن يقدم الأمريكيون مقترحات مسبقة بخصوص القانون الذي سينظم طريقة صرف الرواتب وقيمتها قبل البدء بإعداد مسودته.
حينها، في يوليو 2021، قالت مصادر مطلعة لـ"شبكة قدس" إن الأمور تتجه نحو إعداد السلطة مسودة قانون بهذا الشأن، على أن تعرض على طاقم قانوني من السفارة الأمريكية في القدس ووزارة الخارجية الأمريكية لإبداء الملاحظات عليه، وذلك قبل إقراره وبدء العمل فيه.
ذات المصادر تؤكد اليوم أن السلطة أطلعت السفارة الأمريكية في القدس على مسودة القانون الذي أعلن عنه عباس مساء اليوم. تتفق هذه المعلومات التي نشرتها شبكة قدس مع ما أكده موقع "أكسيوس" الأمريكي اليوم بأن السلطة أبلغت الإدارة الأمريكية مسبقًا بمسودة القانون.
ونقل موقع "والا" العبري عن مسؤول فلسطيني بالسلطة حول قرار عباس إلغاء مخصصات عائلات الأسرى والشهداء والجرحى أن الخطوة كانت جاهزة للانطلاق في نهاية ولاية بايدن، لكن السلطة الفلسطينية قررت انتظار تولي ترامب منصبه لتسليم الإنجاز للإدارة الجديدة.
وتابعت أن إدارة بايدن والسلطة الفلسطينية أبلغتا "إسرائيل" قبل عدة أشهر بالتغيير المخطط له، وأن مستشار وزير الخارجية الأمريكي آنذاك توني بلينكن، هادي عمار، ومستشار بايدن، بريت ماكجورك، مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي ومسؤولين كبار آخرين في وكالة الأمن القومي، والوزير رون ديرمر، ومسؤولين كبار في جهاز الشاباك اطلعوا على المسألة.
وبحسب الموقع، أيد الخطة رئيس المجلس الأمن القومي تساحي هنغبي وأعضاء مجلس الأمن القومي، وكذلك رئيس الشاباك رونين بار ورجاله، لكن الوزير ديرمر أبدى تحفظاته عليها وقال إنه لا يعتقد أنها ستؤدي إلى تغيير حقيقي.