شبكة قدس الإخبارية

الاحتلال وقوانين المصاهرة الجديدة

ميساء أحمد

"الحق في اختيار شريك الحياة" سيعتقد المرء في مجتمعنا حال سماعه هذا الاقرار أنه من قبيل قضايا واهتمامات الجمعيات المموّلة أوروبيا وتلك التي "تناصر" المرأة المضطهدة في زوايا المجتمع الفلسطيني، وتشجيعها على التمرد على قرار ولي الأمر، أو "الزواج" دون رضى منه.

لكن هذا الحق يا سادة هو حق انساني مكفول للرجل والمرأة في آن، لم تتدافع أوروبا هذه المرة "من قبيل المصادفة" لأن تذود عنه وتفتح ملف ضد كل من يجرؤ على منع هذا الانسان من ممارسة هذا الحق، ضد "المؤسسة الاسرائيلية" أقصد وقوانينها التعسفية، قانون "منع لم الشمل" تحديدا.

في عام 2003 صادق الكنيست الاسرائيلي على قرار "منع لم الشمل" وهو متعلق بالعائلات الفلسطينية التي يحمل بها الزوج أو الزوجة أوراق هوية مختلفة، كأن يحمل أحدهما الزرقاء والآخر الخضراء، أي يعيش أحدهما في الداخل الفلسطيني والآخر في الضفة أو غزة. وتم رفض على اثرها عشرات آلاف الطلبات للسماح للزوج أو الزوجة الدخول الى "اسرائيل" حتى يعيش مع شريكته أو شريكتها. المضحك في الموضوع أن اصدار مثل هذا القرار قوبل بالمثول التام من قبل الفلسطينيين سوى العالقين، حتى أن قرية برطعة الشرقية والأخرى الغربية اللتين لا يفصل بينهما ولا حتى شارع، اللهم هو توزيع عشوائي للأوراق الرسمية، توقفت بها المصاهرة من كلا الطرفين فيما بينهما.

في مقابل ذلك فإنه تبادر إلى مسامعنا في الآونة الأخيرة بعض الأخبار "الغزّاوية" التي صاهر بها الغزيون الصين، تركيا والهند، الأمر الذي مفاده إحراج للعقد الفلسطينية من قبيل رفض أهل القدس مصاهرة أهل الداخل أو العكس، ومفاد آخر أن المنع الجبري للاحتلال لجمع العائلات والمصاهرة لبضع من السنين يجعل من يقعون تحت الاحتلال يصدقون فعلا أن كلا الطرفين جاؤوا الى هذا المكان من عالم مختلف كلية وكوكب آخر، دون التخلي عن صفات استعلائية من طرف تجاه الآخر مردّه الى منسوجات الخيال الخصب في مساره المتعصّب.

الحقائق الاجتماعية المترتبة في مجتمعاتنا بفعل الاحتلال صار لها معان أبعد من حجمها، إذ لم تعد المسألة قضية شخصية بناء على قرار المتزوجين المغتربين ونظرات الناس المشفقة تجاه الأم التي سمحت لنفسها بالتخلي عن ابنتها بدلا من تزويجها في حضنها كما أحسنت ذلك فعله بقية النساء "المنتصرات" في هذه المعركة الأبدية، بل صار لها تأثير حتى في خلق تراكيب اجتماعية- سياسية جديدة داخل المجتمع الفلسطيني، تقرر معها مواقفنا السياسية ونظرتنا تجاه الصراع "العربي- الاسرائيلي"، كل حسب موقعه، ومواقفنا الاجتماعية الطبقية.

ولن أحدد هنا ترتيب الطبقات ابتداء من أهل فلسطين المحتلة عام 48 إلى فلسطين المحتلة عام 67 الى الضفة الغربية، من الناصرة مرورا بالقدس انتهاء برام الله، لأنه أيضا وهنا كل جهة صارت تعتبر الأخرى وعلى عاتقها البحت أحط منها، وأقل تحضّرا وثقافة مما يترتب عن ذلك عدم جواز المصاهرة لأن هؤلاء الفلسطينيون الآخرين لا يليقون بنا.

وهكذا بدلا من أن يصنع الفلسطينيون من محنة الحكم العسكري أو الحصار منحة للانتفاح على العالم كما يحدث في غزة، نخلق محننا المبتدئة دون انتهاء للانكفاء على الذات داخل مجموعات صغيرة وتصغر في كل مرة ومرة وهي من تفصيل الاحتلال وقبولنا ارتداء الثوب والانصياع، بدلا من مقاومته كواحد من أشكال المقاومة والاعلان عن رفض الأفكار التي تزرعها الظروف التي يفترض بها أن تكون مؤقتة بين فئات المجتمع الفلسطيني المختلفة أو هكذا على الأقل يتوجب أن يعتقدوا بينهم وبين أنفسهم.