شبكة قدس الإخبارية

جباليا: من مهد الانتفاضة الأولى إلى خط المواجهة في حرب الإبادة

جباليا: من مهد الانتفاضة الأولى إلى خط المواجهة في حرب الإبادة
هيئة التحرير

جباليا - قدس الإخبارية: يصادف اليوم الذكرى السابعة والثلاثين لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى "انتفاضة الحجارة"، التي اشتعلت شرارتها الأولى في مخيم جباليا شمال قطاع غزة يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 1987، لتصبح رمزًا للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.

المخيم الذي كان شاهدًا على بداية الحراك الشعبي ضد الاحتلال، يعيش اليوم واحدة من أشد الهجمات العسكرية في حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة منذ أكثر من عام.

جباليا: ذاكرة الانتفاضة الأولى

يقع مخيم جباليا شمال مدينة غزة، ويمتد على مساحة لا تزيد عن 1.5 كيلومتر مربع، لكن كثافته السكانية تعد من الأعلى في القطاع.

تأسس المخيم عام 1948 لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين الذين هجرهم الاحتلال من أراضيهم إبان النكبة، ومنذ ذلك الحين، تحول المخيم إلى رمز للمقاومة الفلسطينية.

في 1987، وتحديدًا بعد حادثة دهس أربعة عمال فلسطينيين على يد مستوطن إسرائيلي، انتفض سكان جباليا ضد الاحتلال، وأطلقت تلك الاحتجاجات شرارة "انتفاضة الحجارة"، واستمرت الانتفاضة لعدة سنوات، وشهدت مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين الذين كانوا يواجهون جيش الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة، مقابل إطلاق النار والاعتقالات الجماعية.

لاحقًا، وفي انتفاضة الأقصى عام 2000، لعب مخيم جباليا دورًا محوريًا في المقاومة المسلحة. كان المخيم مركزًا لتجمع المقاومة الفلسطينية التي نفذت عمليات نوعية ضد الاحتلال، ما جعل الاحتلال يضعه في قلب عملياته العسكرية خلال الاجتياحات المتكررة.

"أيام الغضب"

ومثل سائر مخيمات ومدن غزة، تعرضت جباليا ومخيمها لاجتياحات عديدة من قبل جيش الاحتلل بين عامي 2001 و2003. لكن المواجهة الأبرز وقعت قبل عشرين عامًا، وتحديدًا في نهاية سبتمبر ومطلع أكتوبر عام 2004، عندما أطلق جيش الاحتلال عملية عسكرية أطلق عليها اسم "أيام الندم"، بينما سمتها المقاومة الفلسطينية "أيام الغضب".

امتدت العملية لتشمل بلدات جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، واستمرت لمدة 17 يومًا، مخلفة وراءها أكثر من 160 شهيدًا فلسطينيًا ومئات الجرحى، إلى جانب خسائر بشرية ومادية كبيرة في صفوف جيش الاحتلال.

تجلّت في هذه المواجهة تطورات نوعية في العمل العسكري للمقاومة الفلسطينية، فقد استطاعت المقاومة الصمود في وجه جيش الاحتلال لمدة 17 يومًا متواصلة، وهي أطول مدة تسجلها عملية عسكرية من هذا النوع في تلك الفترة.

كما أظهرت المقاومة قدرات جديدة، حيث أعلنت عن استخدام أسلحة محلية الصنع لأول مرة، منها العبوة الناسفة "شواظ 3"، وقاذفي "الياسين" و"البتار" المضادين للدروع، مما ساهم في تعزيز قدرتها على التصدي للاجتياح.

وشهدت هذه المواجهة الظهور الأول للمتحدث العسكري باسم كتائب عز الدين القسام، "أبو عبيدة"، الذي عقد مؤتمرًا صحفيًا غير مسبوق خلال الاجتياح، شرح فيه طبيعة المواجهات وآليات التصدي لقوات الاحتلال. 

إلى جانب ذلك، تطور العمل الإعلامي للفصائل الفلسطينية بشكل لافت، حيث بدأت تظهر أفلام ومشاهد توثق بالصوت والصورة العمليات العسكرية التي استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي وآلياته. 

جباليا في مرمى الإبادة

 شكل مخيم جباليا ملاذًا للنازحين خلال الاعتداءات الإسرائيلية السابقة على غزة، خلال عدوان 2008-2009، و2012، و2014، و2021، لجأ سكان البلدات الحدودية المحيطة إلى المخيم بحثًا عن الأمان النسبي، لكن في الحرب الحالية، لم يعد المخيم ملاذًا آمنًا؛ بل بات مركزًا للقصف والدمار.

فمنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع بدء الاحتلال لحرب الإبادة على قطاع غزة، تعرض مخيم جباليا لضربات عسكرية غير مسبوقة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 ومايو/أيار 2024، اجتاح جيش الاحتلال المخيم مرتين ضمن خطة تهدف إلى تهجير سكان شمال قطاع غزة. واليوم، ومع اجتياح المخيم للمرة الثالثة في عملية بدأت في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2024، أصبح جباليا منطقة منكوبة، ومعلمًا من معالم صور الإبادة في أبشع صورها.

وفق أرقام وزارة الصحة الفلسطينية، خلّفت عمليات الاحتلال في محافظة شمال غزة أكثر من 3000 شهيد خلال شهرين، إلى جانب مئات الجرحى وآلاف المعتقلين. كما أدى القصف العنيف إلى تدمير أحياء سكنية بأكملها وتهجير عدد من سكانها نحو مدينة غزة، وسط أوضاع إنسانية متفاقمة.

وتركز خطة الاحتلال في جباليا على تنفيذ سياسة الأرض المحروقة، عبر القصف الجوي المكثف والتدمير المنهجي للمنازل والبنية التحتية. استخدمت قوات الاحتلال روبوتات مفخخة وبراميل متفجرة لتفجير الأحياء السكنية، كما استهدفت المنشآت الصحية والإغاثية، ما أدى إلى شلل كامل في المنظومتين الصحية والخدمية.

وترافق ذلك مع حصار شامل فرضه الاحتلال على المخيم، حيث أغلقت الطرق المؤدية إليه بالركام الناتج عن تدمير الأبنية، واستهدفت النازحين في تلك الطرق بالقذائف.

كما ألقى جيش الاحتلال منشورات تحذر السكان من البقاء في المخيم وتدعوهم إلى النزوح نحو مدينة غزة، لكن دون منحهم الوقت الكافي أو الممرات الآمنة للخروج، كما قتلهم حين حاولوا النزوح. 

المخيم الذي لطالما احتضن النازحين ومدّهم بمقومات الصمود، يواجه اليوم محاولات الاحتلال لتفريغه من سكانه وتحويله إلى منطقة عازلة، ورغم الظروف الكارثية، يصر سكان المخيم على البقاء في أرضهم، مؤكدين أن جباليا كانت وستظل أحد أعمدة المقاومة الفلسطينية.

مقاومة مستمرة

وأكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن حركة حماس لم تستسلم في جباليا حتى الآن، ونجحت بشكل مستمر في تعقّب قوات جيش الاحتلال في جباليا.

وأشارت إلى أن أكثر من 30 ضابطًا وجنديًا إسرائيليًا قتلوا خلال المواجهات في جباليا خلال هذه العملية الأخيرة التي استهدفت منطقة الشمال.مشيرة إلى أن متوسط عدد القتلى يبلغ مقاتلاً واحداً كل يومين، بما في ذلك قائد اللواء 401.

وتواصل المقاومة الفلسطينية وفق إعلانات الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، بتنفيذ سلسلة عمليات في جباليا ضد قوات الاحتلال المتوغلة رغم الحصار المطبق.

ووفق إعلانات القسام، فإنها نفذت أكثر من 33 عملية (معلن عنها)، خلال الشهر الماضي في جباليا وحدها، وفي الشهر الذي سبقه "أكتوبر 2024"، نفذت أكثر من 70 عملية ضد قوات الاحتلال المتوغلة.

وفي السياق، اعتبر خبراء عسكريون، أن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية في مخيم جباليا يعدّ إعجازا عملياتيا وعبقرية لافتة، حيث نجحت في مواجهة جيش الاحتلال رغم فارق الإمكانات العسكرية بما يمثل انتصارا تكتيكيا استثنائيا.

ورأوا أن المقاومة تمكنت من تحويل أدوات القتل الإسرائيلية  إلى وسائل مقاومة، والذي يعد دليلًا على عبقرية المقاومة التي تنفذ عملياتها بوسائل بدائية للغاية وفي ظل نقص شديد في الموارد.