شبكة قدس الإخبارية

أين طلبة الجامعات مما يجري اليوم؟

438165091_806933474799281_615919220480108195_n
نور الدين نجم

بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على "طوفان الأقصى"، لا تزال المعركة تُكشّف عن جوانب أكل منها الواقع والظروف المُمَنهَجة، التي عمدت منذ سنوات على تكبيل وتغييب دَور الطلبة عن ساحة الفعل والتفاعل في الضفة الغربية.

وإنّنا إذا تحدّثنا عن الغياب، فلا نشير إلى نقصٍ عدديّ، بل إلى تراجعٍ في الاشتعال الروحي مع أهم القضايا، وكي لا يؤخَذ على كلامنا أي إيحاءات تثبيطية، فإنّ مقالنا هذا إنما هُو محاولة لقرع جدران الخزّان وتحريك المياه الراكدة فيه لعلّ مُحتَرق يُحدِث أمراً.

لطالما شكل الطلبة فتيل اشتعال الجبهات، وكانوا عماد المقاومة والمواجهة، فكرةً وفعلاً. ويُمكن أيضاً أن نرى كيف أنّ حركات المقاومة الفلسطينية اليوم، إنما هي وليدة الجامعات والتجمعات الطلابية في الأمس.

إن تراجع تفاعل الطلبة مع المشهد، يعكس أزمة تتولد من تأثيرات أرخت بظلالها على الطلبة من خارج أسوار الحرم الجامعي، تعزله عن الواقع وتحاول السيطرة على ممارساته، بـ "اختلاق" تحدّيات يومية وقضايا أكاديمية، تُنقَل من حيّز الهامش إلى المركز.

ساهمت عدة عوامل في "تغييب الطالب" عن دوره تجاه مجتمعه، وهي عوامل بطبيعة الحال ليست وليدة اللحظة، تشكّلت على مرّ السنوات من خلال عدّة أمور، منها ما أشار إليه الباحث في العلوم الاجتماعية بلال سلامة خلال مقابلة أُجريت معه ضمن "بودكاست جديد" الذي نُشر عبر "شبكة قدس الإخبارية" قبل "الطوفان" بشهرين، ومنها ما يمكن وصفه عن استنتاج وملاحظة كاتب المقال المُعاشة، نُجملها بالتالي:

- نمط التعليم: الذي تعمّد زرع القيم الفردية على حساب القيم الجماعية، حيث غُرس في وعي الطالب عبر المناهج التعليمية منذ نشأته أنّ النجاحات والمصالح الشخصية هي المعيار الأسمى والغاية الأكبر، متجاهلين بذلك الدور الأهم تجاه القضايا المصيرية التي تشمل المجتمع ككل.

- العمل على تقليص النظام التعليمي بشكل كبير، مقللًا من أهمية تفاصيل الأحداث التاريخية التي تشكل الوعي، فأصبحت المناهج الفلسطينية تختزل الأحداث التاريخية في نقاط مختصرة متجاهِلةً بذلك التفاصيل الدقيقة لتلك الأحداث التي تعزز آلية التفكير، بالتالي يفقد الطالب القدرة على رؤية الصورة التاريخية الكاملة وتَضعُف ثقافته وقدرته على فهم الواقع وتحليله وإدراك تعقيداته.

- تواطؤ المؤسسات في جزئية "التوظيف"، فأصبح الطالب يواجه تحدياً كبيراً بناءً على مواقفه، فالمؤسسات قد تهدده بعدم التوظيف إذا اكتشفت أنه كان ناشطاً في المجال الثوري أثناء دراسته.

- أصبح الطالب يخشى الانخراط في أي عمل ثوري، خوفاً من أن يؤثر ذلك على مستقبله المهني وفرصه في الحصول على وظيفة.

- الكسر بالقمع والملاحقة، ما يرسخ حالة خوف وصمت مرهوب بين الطلبة.

كان كل ما سبق، تأثيرات من خارج أسوار الحرم الجامعي، أما من داخلها، فهناك اختلاق لقضايا هامشية وأزمات أكاديمية من قِبَل شريحة معينة من الطلبة، فبدلًا من التركيز على الأحداث المصيرية الحالية، يُشغل الطالب بمسائل مثل طبيعة الدوام والامتحانات ومحاولات مُتعَمَّدة لتحويلها إلى نظام إلكتروني، ما ترك في كثير من الأحيان انطباعاً بأن الهدف هو تجنّب لالتقاء الطلبة في ظل الظروف الراهنة. وإن هذه العوامل لم تُقلص فقط من تأثير الطالب، بل حوّلته من صانع للأحداث إلى متلقٍ لها.

وفي هذه الظروف التي تشكل لحظة مفصلية في التاريخ الفلسطيني، تتجلى لدى الساحة الفلسطينية حاجة ملحة لعودة الطالب الفلسطيني الذي يمتلك أدوات وطاقات لا تمتلكها شرائح أُخرى.

وعلى الرغم من كل محاولات التغييب بحق الطلبة الفلسطينيين، إلا أن هناك حتماً من حمل شعلة التغيير في السابق ويحملها اليوم، ويؤمن بأنّ دوره لا يزال حاضراً، ليكون الطلبة القول الفصل، كما كان دَيدَنهُم.