شبكة قدس الإخبارية

نتنياهو يخطط لإقصاء معارضيه في الجيش والأمن: هندسة قيادة من "السحيجة"

photo_2024-08-02_21-53-38

فلسطين المحتلة - خاص شبكة قُدس: إلى جانب الحرب على قطاع غزة ومع قوى المقاومة في المنطقة، يخوض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو معارك داخل الجسم السياسي والعسكري والأمني المسؤول عنه، بهدف إعادة هندسة القيادات والضباط في المستويات العليا لصالح برنامجه، وتعيين محسوبين عليه.

أثارت معارضة قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال لبعض مفاصل إدارة نتنياهو للحرب على قطاع غزة، وفي مواجهة القوى الحليفة للمقاومة الفلسطينية، في المنطقة، نزعات نتنياهو نحو تعيين موالين له في المواقع المهمة في الاستخبارات والجيش بشكل متسارع.

قادة "الشاباك" و"الموساد" وجيش الاحتلال وبقية المستويات الأمنية والعسكرية قدمت خلال الفترة الماضية توصيات للمستوى السياسي، بقيادة نتنياهو، للتوجه نحو عقد صفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، مع التنازل عن الملفات والقضايا التي تعرقل الاتفاق، كما في قضية وقف الحرب والانسحاب من محور "نتساريم" و"فيلادلفيا".

رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قال في عدة خطابات إنه "لن يوافق على وقف الحرب في قطاع غزة"، أو يسحب الجيش منه، كما تشترط المقاومة الفلسطينية لإتمام الصفقة، في الوقت الذي تحذر فيه مستويات عسكرية وأمنية من أن استمرار الحرب يؤثر سلباً على مستوى استراتيجي على دولة الاحتلال خاصة مع استنزاف الجيش وخسارته لقوات ومعدات، خلال القتال المستمر، وفي ظل احتمالات توسع القتال على مستوى الجبهة الشمالية والإقليمية، وتراجع الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير، وخسارة المعركة الدعائية والإعلامية على المستوى الدولي، والأهم هو احتمالات خسارة مزيد من الأسرى، مع استمرار القصف والحصار.

نتنياهو المولع بمسؤولين وضباط حوله "سحيجة"، كما يقال في اللغة الشعبية، عن الذين يكثرون التصفيق للقائد وتنعدم لديهم لغة النقد، وجد في التقديرات التي قدمها قادة الجيش والاستخبارات، من منطلق "مهني" كما يقولون، فرصة للتقدم نحو محاولة إقالة وزير الجيش، يوآف غالانت أولاً، ثم رئيس الأركان هرتسي هليفي، ومسؤول جهاز المخابرات "الشاباك" رونين بار.

نتنياهو ابن والده… الانطلاق من صورة "الضحية"

في بداية التسعينات وصف السياسي الإسرائيلي ماكسيم ليفي نتنياهو بأنه "الديكتاتور"، ومنذ ذلك الوقت ما زالت الوقائع تؤكد دقة هذا التوصيف، بعد أن انشغل في إقصاء كل من يخالف طريقته في إدارة الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، وجنوحه الكبير نحو ترتيب قادة أجهزة في موقع الولاء له.

واستعان على هذا السلوك منذ بداية الحرب بخطاب "التخويف" للمستوطنين من أن عرقلة مخططاته لتدمير الفلسطينيين وحركة حماس، سيعرض مستقبل "إسرائيل" للدمار، وخلال الأسبوع الماضي تبجح في مؤتمر صحفي في رسائل لمعارضيه، أنه "لو وافق على مطالب وقف الحرب والتوجه للصفقة لما كان اغتال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر أو وجه ضربة لميناء الحديدة في اليمن"، رغم أن قيادات سابقة في الجيش والأمن في دولة الاحتلال تؤكد أن هذه العمليات التكتيكية لن تغير في صورة الحرب، ولن تحقق "النصر الكامل" الذي يزعم أنه يسعى إليه، وربما تدخل "إسرائيل" في دوامة حرب إقليمية غير معروفة النتائج.

نتنياهو نجل المؤرخ الصهيوني الكبير، بن تسيون، تربى على أفكاره، والده أحد أبناء الحركة التنقيحية في الصهيونية التي أسسها جابوتنسكي، ومنه حمل جانب الشعور بأنه "ضحية" للنخب التي سيطرت على دولة الاحتلال، بعد أن منع والده من العمل في الجامعة العبرية وأقصي عن الوسط الأكاديمي، في وقت سيطرة حزب العمل على المستوى السياسي والمؤسسات المختلفة الإسرائيلية، بسبب مناهضته للتيار "اليساري الصهيوني".

دخل نتنياهو إلى الحياة السياسية في دولة الاحتلال من باب شعور "الضحية" هذا وعمل داخل حزب "الليكود" ومختلف المؤسسات، على إقصاء هذه النخب، والسيطرة على مفاصل صنع القرار، واستطاع في وقت قصير التقدم في الحزب الذي كان يضم قادة على مستوى رفيع في التاريخ الإسرائيلي على مستوى السياسة والجيش وغيرها، مثل أرئيل شارون وموشيه أرنس وبيغن وشامير وغيرهم.

صعود نتنياهو في الحكم يمكن رصده من مسار الصدام مع النخبة القديمة، والعمل على تغييرها، وهذا يمكن سحبه على صدامه مع المؤسسة العسكرية الحالية التي تحمل قراءة أمنية - عسكرية - استراتيجية رسختها مع العقود الطويلة من إدارة الحرب على الفلسطينيين، في الوقت الذي أحدثت معركة "طوفان الأقصى" هزة ضخمة في الوعي الإسرائيلي، وقدمت الجنرالات وقادة الأمن في صورة شديدة الضعف بعد فشلهم في منع هجوم حماس على مستوطنات ومواقع "غلاف غزة".

حياة نتنياهو العسكرية في جيش الاحتلال كانت داخل وحدة خاصة، وهو ما انعكس على شخصيته التي تفضل "العمليات الخاصة" على الحروب الكبيرة، ومن هنا روج لنفسه في الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبر نفسه خبيراً كبيراً فيها ولديه قدرات على الالتفاف على قيادتها لصالح تحقيق البرنامج الذي يؤمن به، أنه خبير في "الإرهاب والإعلام"، ومن هنا أيضاً يبرز ضعفه في إدارة الحروب الكبيرة أمام بقية السياسيين الذين مروا على تاريخ دولة الاحتلال مثل شارون وغيره.

سارة… المتحكم بأمره

حضور سارة زوجة نتنياهو الطاغي في دولة الاحتلال يتجاوز "الشائعات" أو "التخيلات" التي عادة ما تنتشر في الأوساط الإعلامية والشعبية، حول مثل هذه القضايا في بعض الدول. الوقائع تؤكد أن سارة تملك سطوة في تسيير قرارات نتنياهو خاصة لجهة اختيار القيادات والمسؤولين بما تراه مناسباً لاستمرار سيطرة زوجها ومستقبله في دولة الاحتلال.

في 2021، كشف برنامج "همكور" الإسرائيلي للتحقيقات الاستقصائية عن تفاصيل تدخلات سارة في التعيينات التي ينفذها نتنياهو. البرنامج نقل عن ناطق سابق باسم رئيس حكومة الاحتلال تأكيده أن زوجة نتنياهو تتدخل في "التعيينات الأعمق" التي لا تمر "دون ضوء أخضر منها".

في السنوات الماضية كشف أيضاً عن تدخل سارة لصالح تعيين يوسي كوهين في قيادة جهاز "الموساد"، وخلال الحرب الحالية قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن زوجة نتنياهو منعته من تعيين شخصيات سياسية وعسكرية في منصب المسؤول عن متابعة ملف المستوطنين المهجرين من المستوطنات الشمالية خشية أن لا يكون لديهم ولاء له.

الجنرال غاي تسور الذي كان مرشحاً لمنصب السكرتير العسكري لنتنياهو كشف في لقاء، في 2012، أن سارة عرقلت تعيينه، وقال: "في المقابلة مع رئيس الحكومة سألني سؤالاً واحداً فقط بينما تحدثت مع سارة 5 دقائق وجهت لي أسئلة حول موقفي السياسي وأفكاري".

ويعزز من هذا اتهام وزير جيش الاحتلال السابق، موشيه يعلون، لسارة نتنياهو بأنها منعت تعيينه رئيساً لجهاز "الموساد" واختارت للمنصب بدلاً منه يوسي كوهين المقرب منها، وفي بداية العام الماضي أكد أفيغدور ليبرمان في شهادة أمام محكمة عقدت ضد محامي قال إن نتنياهو وسارة وقعا عقداً سرياً يتيح لها التدخل في التعيينات، على هذه الوقائع والشهادات.

سارة هي الأخرى تشترك مع زوجها في حملة "التخويف" لتحقيق مصالح العائلة، واتهمت الجيش بأنه يخطط لـ"الانقلاب" على نتنياهو، وأن التحريض عليها مع نجلهم يائير المتهم بأنه هرب من المعركة إلى الولايات المتحدة قد يصل إلى "القتل".

الهجوم على قادة الجيش… نتنياهو يتفق مع "الصهيونية الدينية"

تتزامن مساعي نتنياهو لتغيير قيادة الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية مع مخططات "الصهيونية الدينية"، بقيادة سموتريتش وبن غفير، للسيطرة على هذه المؤسسات وتغيير عقيدتها الاستراتيجية لصالح مشروعهم المنطلق من أيدلوجية الحرب الدائمة على الفلسطينيين والعرب وفرض السيطرة الكاملة على الضفة المحتلة وتدمير أي مشروع "قومي" فلسطيني، حتى لو كان على شكل دولة في مساحة صغيرة من أرض فلسطين.

نتنياهو اشترك في حملة مع قادة "الصهيونية الدينية" في الهجوم على قادة الجيش، بسبب فشلهم في منع أو التصدي لهجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وفي خلفية هذه الحملة الشرسة من الانتقادات مشاريع وبرامج للسيطرة على المؤسسة العسكرية.

لأكثر من مرة اصطدم نتنياهو مع قادة الجيش، وأطلق تصريحات التلميح ضدهم، كما في المؤتمر الصحفي عقب مجزرة المواصي التي ارتكبها الاحتلال خلال الشهر الماضي، وقال إن "الضغط العسكري غير كاف" ضد حماس.

في هجومهم على معسكر "سديه تيمان" ومقر الشرطة العسكرية التابعة لجيش الاحتلال، في بيت ليد، وجه نشطاء اليمين و"الصهيونية الدينية" هتافات معادية لرئيس الأركان هرتسي هليفي، وهو ما يشير إلى حجم التعبئة ضده مع بقية قادة المستوى الأمني والعسكري.

نماذج في "الديكتاتورية" الإسرائيلية

عرفت دولة الاحتلال قادة على النمط "الديكتاتوري" الذي يعمل على احتواء قادة الأجهزة في الأمن والسياسة والعسكر تحت جناحه، وإسكات أي صوت معارض لبرامجه، وهذا يمكن رصده في سيرة المؤسس ديفيد بن غوريون الذي عمل على إقصاء القوى الصهيونية الأخرى التي رأى أنها تهديد لمخططه الاستراتيجي على مستوى مستقبل وشكل الدولة وعلاقاتها مع المحيط المعادي وفي العالم.

وفي عملية بناء الجيش انشغل بن غوريون في إقصاء أو احتواء القادة والضباط، الذين إما كانوا من تيارات أخرى أو رأى فيهم أضعف من قيادة الجيش.

وهذا أيضاً حاضر في سيرة أرئيل شارون خاصة خلال توليه وزارة الحرب، في بداية الثمانينات، عندما جيَر قادة الاستخبارات والجيش في مشروعه الذي كان باكورته اجتياح لبنان، ورأى حينها أن تدمير المخيمات الفلسطينية ومنظمة التحرير في لبنان، يقوده نحو منع قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة، وبناء دولة لهم بديلة في الأردن، وفي الإطار الأوسع تحقيق السيطرة على المنطقة.

ربما ما يميز نتنياهو هو سعيه المحموم نحو هندسة قيادة موالية له بالمطلق، خاصة في وسط حرب قاسية، وظروف زعزعت من حضور دولة الاحتلال على المستوى العسكري والإقليمي، في ظل المخاوف الإسرائيلية المتزايدة من مستقبل قاتم، وحالة عدم اليقين.