شبكة قدس الإخبارية

عن خيارات الاحتلال الصعبة.. هل من مواجهة أوسع مع حزب الله؟

000_34TV48J
ساري عرابي

المعرفة بالكيان الإسرائيلي تفيد بأنّه لا يمكن له أن يسمح بتحويل وضعه الاستراتيجي إلى وضع هشّ، أو بأن يفقد الردع الكامل بما يغري القوى المعادية له في الإمعان في كشفه استراتيجيّا، أو بخلق وعي جديد عامّ بأنّ هزيمته ممكنة، ولكنّ الحاصل الآن، ولا سيما في التحدّي القائم في شماليّ فلسطين المحتلة في المواجهة مع حزب الله، لا يبدو وكأنّه يجري وفق هذه المعرفة.

يمكن القول إنّ هناك اتجاهين في الكيان الإسرائيلي لمعالجة المعضلة التي وجد نفسه فيها، وبعدما دخلت حربه العدوانية على غزّة في مرحلة تتسم بقدر من الجمود، بحيث بات لحوحا البحث في التحدي الشمالي والإجابة السريعة عليه، وبالتحديد فيما يتعلق بعودة النازحين الإسرائيليين إلى مستوطناتهم في شماليّ فلسطين المحتلة.

التوجه الأوّل هو الذي يلاحظ الارتباط العضوي بين الجبهتين الشمالية والجنوبية، وهو ارتباط أكّده الأمين العام لحزب الله منذ خطابه الأوّل المتعلّق بالحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة. إدراك الإسرائيلي لذلك متأخّر جدّا، ولكنّ هذا التأخر ناجم عن جملة عوامل يمكن فهمها: اندفاعة بدايات الحرب المحمولة على غريزة الثأر وإرادة الانتقام وحشد المجتمع الإسرائيلي على ذلك، ورهانات إمكان تصفية حماس أو فرض الاستسلام عليها سريعا، لكن مع طول الحرب التي بلغت شهرها التاسع صار حضور التحدي الشماليّ أكثر إلحاحا.
يرى أصحاب هذه التوجه أفضلية عقد صفقة مع حركة حماس تنتهي بموجبها الحرب في غزّة، وبعضهم يذهب إلى أنّ هذه الصفقة ضرورية حتى لو لم يكن لدى حماس أيّ أسير إسرائيليّ، بمعنى أنّ الصفقة مع حماس لا بدّ منها لوقف الحرب في الشمال والسماح بعودة النازحين الإسرائيليين إلى مستوطناتهم الشمالية في إطار دبلوماسي.

أصحاب هذا التوجه لا يعنون الامتناع الأبدي عن تصفية الحساب مع أعداء "إسرائيل" في الجنوب والشمال، ولكنّهم يرون ضرورة التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق ومراجعة التجربة برمّتها؛ كي يتمكن الاحتلال لاحقا من معالجة هذا التحدّي الذي فرض عليه وضعا هشّا غير مسبوق، بالرغم من قوّته الهائلة، فهو يقصف لأوّل مرّة من أكثر من مكان في الإقليم، وتُفرض عليه مناطق عازلة داخله بقوّة النّار، ويُدفع عشرات الآلاف من مستوطنيه نحو النزوح، ويفشل جيشه في حسم حربه سريعا؛ مما يضع مجتمعه في حالة مفتوحة من القلق والإنهاك، وذلك بالإضافة إلى الخسائر الحاصلة في الرأي العامّ العالمي.
هذا تفكير بعقل بارد يحاول التخلّص من تشويش الوضع الراهن على التفكير الاستراتيجي، ويتوخى الخروج من المراوحة من المكان بقدر أقلّ من الخسائر، في انتظار الترتيب الذي يسمح للاحتلال تاليا باستكمال تصفية التحدّي في غزّة، ومعالجة التحديات الإقليمية وعلى رأسها حزب الله. فقط في حال لو عُقدت هذه الصفقة وعاد النازحون لمستوطناتهم في الشمال في إطار دبلوماسي، ولم يتمكن الاحتلال خلال السنوات القادمة من تصفية حساباته مع أعدائه، يمكننا القول حينها إنّ "إسرائيل" دخلت مرحلة الضمور، ومن ثمّ يُفترض بحسب المعرفة بالشخصية الإسرائيلية أن تكون الحرب الأوسع في هذه الحالة على حزب الله مؤجّلة لا ملغاة
حتى اللحظة تبدو الرسائل المتبادلة بين الطرفين حزب الله والكيان الإسرائيلي محاولة لتجنب مواجهة أوسع، فالحزب يؤكد في رسائله المتتالية، والتي منها تصويره للمواقع الحساسة الإسرائيلية ومعرفته الدقيقة بها وقدرته على ضربها؛ على أنّه قادر على إيذاء "إسرائيل" بما قد يكون قريبا من الأذى الذي قد توقعه في لبنان، وهي رسائل لها وقع داخل الكيان الإسرائيلي.

إزاء هذين التوجهين، يبقى توجه المراوحة في المكان، أي الاحتفاظ بالوتيرة القائمة في الشمال، مع الانتقال لما يسميه الاحتلال المرحلة (ج) في غزة، وهي مرحلة ينتقل فيها الاحتلال إلى إنهاء الحملة البرية مع تركيز القصف على أهداف حيوية في القطاع، بحيث يخلّص نفسه من الاستنزاف، وينتقل هو لاستنزاف حماس، بالاغتيال المتنامي لكوادرها بما من شأن أن يوسّع من مساحة الفراغ التي يمكن ملؤها حينئذ بإدارة محلية تقبل أن تكون موالية للاحتلال.

نتنياهو بما عُرِف عنه من تردد، ومهارة في استثمار الوقت، لعله يطمح إلى مدّ الوضع الراهن إلى حين الدخول في عطلة الكنيست الطويلة التي تنتهي تقريبا مع دخول الانتخابات الأمريكية أجواءها الجدّية، وفي الأثناء قد تتحقق له فرصة يعدّها إنجازا ضخما كاغتيال قيادي كبير في حماس من وزن السنوار أو الضيف.

فهم هذه الاحتمالات يعين على فهم السجال القائم داخل الكيان، وإذا كان الكيان يجد صعوبة في حسم خياراته، فلا ينبغي التوقع من غيره أن يتنبأ بنحو حاسم أيّ تلك الخيارات سيفرض نفسه قريبا، لكن من الممكن الاستفادة بأنّه لا ينبغي الاستبعاد الجازم لإمكانية توسّع المواجهة مع الحزب.

#حزب الله #الضفة الغربية #الجبهة الشمالية #الاحتلال الاسرائيلي