فلسطين المحتلة - شبكة قُدس: كشف طبيب أمريكي متطوع، عاد مؤخرا من قطاع غزة، أن ما يحدث ليس حربا إسرائيلية ضد الفلسطينيين فحسب بل إبادة، بحسب مقال له نشر عبر موقع "بلوس أنجلوس تايمز".
وقال الطبيب الأمريكي عرفان جالاريا، الذي شارك كمتطوع مع مجموعة المساعدة الإنسانية "MedGlobal" لمدة عشرة أيام، إن غالبية المرضى الذين أجرى لهم عمليات جراحية كانوا نائمين في منازلهم عندما تعرضوا للقصف، واجهوا بعدها ساعات من الجراحة ورحلات متعددة إلى غرف العمليات أثناء الحداد على أطفالهم وعائلاتهم، وكانت أجسادهم مليئة بالشظايا التي كان لا بد من انتزاعها جراحيا من لحمهم، قطعة واحدة في كل مرة.
ويضيف، أنه في أحد الأيام قام الأهالي بنقل مجموعة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و8 سنوات إلى غرفة الطوارئ وكان جميعهم مصابون بطلقات قناص واحدة في الرأس، وكانت هذه العائلات عائدة إلى منازلها في خان يونس، على بعد حوالي 2.5 ميل من المستشفى، بعد انسحاب الدبابات الإسرائيلية، لكن انسحاب الدبابات الإسرائيلية لم يكن يعني أن القناصة انسحبوا كذلك، وفي النهاية لم ينج أي من هؤلاء الأطفال.
وعن تفاصيل رحلته إلى قطاع غزة، قال: في أواخر يناير الماضي، غادرت منزلي في فيرجينيا حيث أعمل جراح تجميل وترميم وانضممت إلى مجموعة من الأطباء والممرضين للسفر إلى مصر ثم للتطوع للعمل في قطاع غزة لمدة عشرة أيام، وفي الطريق من مصر إلى غزة؛ "تجاوزنا أميالا من شاحنات المساعدات الإنسانية المكدسة التي لا يسمح لها بدخول غزة".
وأضاف: عند دخولنا قطاع غزة في 29 يناير 2024؛ كانت آذاننا مخدرة بسبب الطنين المستمر بسبب طائرات المراقبة التي تحلق على مدار الساعة في سماء قطاع غزة، وكان هناك مليون إنسان نازح يعيشون على مقربة منا دون صرف صحي مناسب، وضاعت أعيننا في بحر من الخيام، حيث كنا نقف نستمع إلى أصوات القنابل ونرى الدخان يتصاعد.
وبحسب الطبيب الأمريكي؛ "بالقرب من مستشفى غزة الأوروبي؛ كانت هناك صفوف من الخيام تصطف على جانبي الشوارع وتسدها، حيث يمكث فيها وبالقرب منها عدد من الفلسطينيين على أمل أنها ملاذ آمن من القصف والاشتباكات، وكانوا مخطئين".
ويشير الطبيب الأمريكي، إلى تدفق الناس إلى المستشفى الذي وصف الوصول إليه بأنه "محفوف بالمخاطر"، قائلا: يعيشون في الممرات وممرات السلالم وحتى حجرات التخزين، وعلى كلا الجانبين في الممرات كانت هناك بطانيات معلقة من السقف لتغطية مناطق صغيرة لعائلات بأكملها، ويواجه المستشفى المصمم لاستيعاب حوالي 300 مريض الآن صعوبات في رعاية أكثر من 1000 مريض ومئات آخرين من النازحين.
وأكد، أن عددا محدودا جدا من الجراحين الغزيين كانوا متاحين، بسبب استشهادهم أو اعتقالهم في أماكن غير معروفة، ومحاصرة آخرين في مناطق أخرى، حيث لم يتبق سوى جراح تجميل محلي واحد وكان يغطي المستشفى على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ويعيش فيها، وهذه الرواية أصبحت شائعة لدى بقية الموظفين في المستشفى.
ويصف الطبيب الأمريكي، جراح التجميل الفلسطيني الوحيد في المستشفى الأوروبي، بأنه "محظوظ"، لأن زوجته وابنته ما زالتا على قيد الحياة، على الرغم من أن جميع العاملين في المستشفى تقريبًا كانوا في حالة حداد على فقدان أحبائهم.
يروي الطبيب تفاصيل وجوده في المستشفى الأوروبي لأيام عديدة: أجريت من 10 إلى 12 عملية جراحية يوميًا، وعملت من 14 إلى 16 ساعة في المرة الواحدة، وغالبًا ما كانت غرفة العمليات تهتز من جراء القصف المتواصل، الذي كان يحدث أحيانًا كل 30 ثانية، وكنا نجري العمليات في ظروف غير معقمة لم يكن من الممكن تصورها في الولايات المتحدة.
ويضيف: كانت قدرتنا على الوصول إلى المعدات الطبية الحيوية محدودة؛ كنا نقوم بعمليات بتر للأذرع والأرجل يوميًا، باستخدام منشار من حقبة الحرب الأهلية، وهي في الأساس قطعة من الأسلاك الشائكة، ونظام الرعاية الصحية منهار تماما.
وأكد، أنه كان من الممكن تجنب العديد من عمليات البتر إذا كانت هناك إمكانية الوصول إلى المعدات الطبية القياسية.
وعن آخر يوم عمل له داخل قطاع غزة، يروي الطبيب الأمريكي: كان السكان المحليون يعرفون أين نقيم كأجانب، ركض صبي صغير وأعطاني هدية صغيرة، كانت صخرة من الشاطئ، عليها نقش عربي: “من غزة، بالحب، رغم الألم”، وحتى آخر لحظة قبل الخروج من غزة كنا نسمع أصوات الطائرات بدون طيار والقصف والرشقات الصاروخية والاشتباكات لكن الأصوات كانت أعلى والانفجارات أقرب.
ويقول: هذا الأسبوع، أغارت قوات الاحتلال على مستشفى كبير آخر في غزة، وتخطط لهجوم بري في رفح، أشعر بالذنب بشكل لا يصدق لأنني تمكنت من المغادرة بينما يضطر الملايين إلى تحمل الكابوس في غزة، كأمريكي، أفكر في أموال الضرائب التي ندفعها مقابل الأسلحة التي من المحتمل أن تصيب مرضاي هناك، لقد طرد هؤلاء الأشخاص بالفعل من منازلهم، وليس لديهم مكان آخر يلجأون إليه.