غزة - تقارير قدس الإخبارية: يمسك صنارة تشبه المفك تساعده في إحداث ثقب في الحذاء التالف ليسهل تمرير حبل سميك ويعقد "غرزة" متينة، فيكرر المحاولة وهو يحيك الأجزاء المقطوعة من الأحذية ليعيد إليها الحياة مرة أخرى فتصبح صالحة للاستخدام رغم أن أصحابها كانوا يلقونها في سلة المهملات قبل العدوان الإسرائيلي على القطاع.
ما أن انتهى صدام أبو مصطفى الذي يعمل بحياكة الأحذية اليدوية من إصلاح الحذاء السابق المقطوع من طرفه، حتى أخرج حذاء آخرا من صندوق مليء بالأحذية التالفة التي أحضرها المواطنون لإصلاحها في ظل عدم توفر أحذية جديدة مع إغلاق المعابر في القطاع، مما اضطرهم لإصلاح الأحذية بعضهم زار محال الخياطة اليدوية عدة مرات لمعالجة نفس الحذاء.
مع بدء العدوان الإسرائيلي وتوقف ماكنات الخياطة الآلية عن العمل بدأت عجلة الحياة تدب في مهنة خياطة الأحذية اليدوية التي يطلق على صاحبها اسم "السكافي" وانتشر المئات الذين يمتهنون الحياكة اليدوية، وهي مهنة قديمة بدأت منذ نشأة الإنسان.
إقبال كبير
وبعدما كانت هذه المهنة معرضة للانقراض قبل العدوان بسبب قلة الإقبال عليها مع اتجاه الناس لحياكة الأحذية بالماكنات الآلية، أصبحت الأكثر رواجا وطلبا خلال العدوان وعادت إليها الحياة من أوسع أبواب الرزق، فلا يحصل العاملين في هذه المهنة على أي قسط من الراحة خلال يومه في ظل استقبال أحذية بشكل متواصل.
بعد أن انتهى أبو مصطفى من معالجة مشكلة الحذاء الأول الذي أحضره صاحبه وكان بوضع لا يمكن السير به، كانت مشكلة الحذاء الثاني أكثر صعوبة بسبب انفصال أجزاء الحذاء عن بعضها، استغرق عدة دقائق من العمل المتواصل حتى استطاع إعادة الالتئام للحذاء وأصبح جاهزا للاستخدام.
لم يصدق الخمسيني "أبو محمد" أنه استلم حذاءه التالف والذي كان مقطوعا لعدة أجزاء، وأصبح صالحا للاستخدام، إذ أعاقت هذه المشكلة على بساطتها حياته فأصبح غير قادر على الخروج للسوق قبل أن يستلم حذائه.
يقول أبو محمد لـ "شبكة قدس" وقدر رسمت ملامحه ابتسامة وهو يستلم حذائه: "لا تتخيل كم نعاني من مشكلة منع إدخال الأحذية الجديدة، فعن نفسي قمت بإعادة حياكة الحذاء طوال 100 يوم مرتين، رغم أنني كنت قبل ذلك عندما ينقطع أرميه في القمامة، لكن الظروف أجبرتني على إصلاحه بسبب عدم توفر أي بديل".
أحمد شاب عشريني كان ينتظر دوره في استلام حذائه، لا يخفي أنه يحافظ على الحذاء "مثل محافظة الإنسان على طفله" فلا يقوم بأفعال أو حركات سير يمكن أن تؤدي لقطع الحذاء، ويسير بشكل حذر خوفا من انقطاعه.
أزمة متفاقمة
ومع قصف الاحتلال الإسرائيلي لمعارض الأحذية ولمصانعها في غزة إضافة لإغلاق المعابر تفاقمت أزمة الأحذية وباتت من المنتجات غير المتوفرة في أي من الأسواق.
ورغم أن أبو مصطفى يعمل في مهنة الحياكة اليدوية للأحذية منذ 18 عاما، إلا أنَّ الإقبال عليه زاد بعد الحرب، الفارق بين المرحلتين أن الأحذية التي ترده في الحرب أكثر تهالكا مما يتطلب منه جهدا كبيرا في إصلاح الثقوب ولئم الأجزاء المقطوعة.
ونزح أبو مصطفى لمركز إيواء تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في محافظة رفح وهذا المركز يضم نحو 15 ألف نازح ويعيش في محيط المركز الذي يسمى "مستودعات الإيواء" عشرات آلاف النازحين في الخيام، مما يزيد الضغط والإقبال عليه وعلى غيره من العاملين في هذا المجال في تلك المنطقة.
"يشبه عملنا أنك تعيد شيئا من المستحيل إلى الواقع، لأن الأحذية التي تصلنا متهالكة وتالفة وهي بالأصل يجب رميها، لكننا نراعي ظروف الناس وحاجتهم الماسة إليها، فنبذل كل جهدنا ونضاعف العمل في حياكتها لكي تصبح صالحة للاستخدام مرة أخرى" يتحدث أبو مصطفى لـ "شبكة قدس الإخبارية" وهو يواصل حياكة الحذاء الثالثة لحظة إجراء مقابلتنا معه.
وعن الفرق بين الحياكة الآلية واليدوية، يدافع صاحب المهنة عن صنعته بابتسامة سبقت الإجابة: "بالطبع "الغرزة" اليدوية أمكن من تلك التي تحيكها الماكنات، وتكون العقدة اليدوية أمكن ومنفصلة عن الأخرى بحيث لو تقطعت واحدة لا تؤثر في متانة وتماسك الحذاء بخلاف الطريقة الآلية التي يؤدي انقطاع إحدى العقد لانفلات كل الخيط".
ويعاني أبو مصطفى من ارتفاع أسعار المواد الخام اللازمة للخياطة، بسبب ما وصفه بـ "احتكار التجار" لتلك المستلزمات والأدوات، مما اضطر بالعديد من العاملين في الخياطة اليدوية لإيقاف العمل.
وورث أبو مصطفى مهنته من أقاربه وكان متخصصا في حياكة أسرجة الخيول والجمال، ومع منع الاحتلال لإدخال الجلود للقطاع اتجه لحياكة الأحذية في المهنة الشهيرة المعروفة باسم "السكافي"، وهذه مهنة كانت تعاني من الانقراض قبل العدوان بسبب إقبال الناس على الماكنات الآلية لإصلاح الأحذية لكنه ظل وفيا إليها ولم يتركها، لتصبح لها رواج كبير ومصدر رزق أساسي له ولغيره من العاملين بنفس المجال لترد الجميل إليه وتوفر له مصدر الدخل في الحرب في ظل قلة فرص العمل مع تعطل ونزوح معظم المواطنين في القطاع.
ونظرا للجهد والوقت الكبير الذي يستغرقه العمل في كل حذاء، فإنه بالكاد يستطيع إصلاح نحو عشرة أحذية يوميا، ويحصل على أجرة "زهيدة" على كل زوجي حذاء لا تتجاوز 5 شواقل، وهو سعر يعتبره يناسب أوضاع الناس ولا يختلف عن سعر حياكة الأحذية قبل العدوان، في وقت يشهد قطاع غزة ارتفاعا كبيرا في أسعار المنتجات بسبب إغلاق المعابر منذ ثلاثة أشهر.