بعد أكثر من 38 عاماً في العمل الدعوي الاجتماعي مع التيار الإسلامي ثم مواكبة مرحلة التأسيس والانطلاق نحو الفعل العسكري، استشهد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشيخ صالح العاروري، في عملية اغتيال نفذتها استخبارات الاحتلال، استهدفته مع قادة في كتائب القسام وكوادر الحركة.
منذ سنوات احتل العاروري مع رفاق آخرين له في قيادة حماس السياسية والعسكرية هدفاً متقدماً لاستخبارات الاحتلال، نظراً لنشاطه الذي لم يتوقف منذ إبعاده خارج فلسطين المحتلة عن محاولة إعادة بناء الجهاز العسكري للحركة، في الضفة المحتلة، ثم في الفترات الماضية زيادة قوة العلاقات مع أطراف "محور المقاومة"، وتفعيل وضع يسمح لحماس بتنفيذ هجمات من داخل الأراضي اللبنانية، وساحات أخرى في العالم.
عملية اغتيال هذا النوع لا تتوقف تداعياتها عن التوالد، في ظل الحرب العدوانية التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعد الهجوم الاستراتيجي والنوعي الذي نفذته كتائب القسام، في مستوطنات "غلاف غزة".
أراد الاحتلال بداية من اغتيال الشيخ صالح العاروري توجيه ضربة لمشروع المقاومة، في الضفة المحتلة، بوصفه مسؤول حركة حماس فيها وهو الذي يملك علاقات واسعة مع كوادرها، وانشغل لسنوات على بناء الخلايا فيها، وتوجيه طبقات مجتمعها على الثورة ضد الاحتلال.
وفي المقام الثاني تأتي عملية الاغتيال التي طالت أيضاُ قائدين في كتائب القسام، في لبنان، عزام الأقرع وسمير فندي بعد سلسلة عمليات نفذتها الحركة من لبنان، عقب انطلاق عملية "طوفان الأقصى".
وفي أحد أبعادها الاستراتيجية - الخطيرة، ربما تمثل بداية في سلسلة عمليات اغتيالات قد تستهدف قيادات وكوادر حماس وأجهزتها العسكرية والأمنية، في الخارج، وهو ما أعلنه قادة الأجهزة الاستخباراتية في دولة الاحتلال صراحة.
رغم الخسارة الكبيرة التي تمثلها عملية اغتيال الشيخ صالح العاروري ورفاقه، على حركة حماس، من جهة القيمة التاريخية التي اكتسبوها والأبعاد الفردية القيادية التي يحملوها، والأدوار التي قاموا بها في مسيرتها، إلا أن دولة الاحتلال تدرك من تجربتها التاريخية أن عمليات الاغتيال قد تعرقل مشروعا ما لحركات المقاومة، لكنها لا تمنحها الثقة بالقدرة على تدمير هذه التنظيمات.
تمثل الأبعاد الأيدلوجية والسياسية الفكرية المستندة إلى التاريخ والدين والثقافة، في خلطة متراكبة، حصناً تلجأ إليه حركات المقاومة لحماية مشروعها من الانهيار جراء الضربات والاغتيالات التي تتعرض لها من أعدائها. وفي تاريخ حركة حماس تعرضت الحركة لاغتيالات طالت الصف القيادي الأول والثاني وحتى الجيل الجديد فيها، إلا أنها استطاعت النهوض في مختلف المحطات، وبناء مشروع بقي يتقدم خاصة على المستوى العسكري، في قطاع غزة.
ومن هذه الأبعاد ثم البعد المؤسساتي الذي تحاول حماس تمتينه في عملها السياسي والعسكري والتنظيمي، في مواجهة دولة الاحتلال، يمنحها قدرة على ترميم الأضرار التي تنتج عن عمليات الاغتيال، ومحاولة توليد جيل قيادي جديد.
الاغتيال الذي وقع في الضاحية الجنوبية التي تمثل مركزاً هاماً لحزب الله، في لبنان، يمثل حدثاً خطيراً في المواجهة التي بدأت منذ 3 شهور، وتحدياً أمنياً وعسكرياً وسياسياً، كما أكد الأمين العام للحزب حسن نصر الله، في خطابه يوم أمس.
هذا التحدي يفرض على حزب الله الرد لأسباب مختلفة بينها طبيعة الاغتيال، والتعهد السابق من قبل الأمين العام حسن نصر الله بالرد على أي اغتيال يطال شخصية فلسطينية أو عربية من المقاومة، في لبنان، ثم التهديد الأمني الخطير والخرق الواضح للخطوط الحمراء من جانب أجهزة استخبارات الاحتلال.
أمام الحزب مجموعة من الخيارات في الرد وكل منها يحمل فرصاً ومخاطر، أولها تنفيذ عملية مباشرة ضد أهداف الاحتلال في فلسطين، تساوي الخرق الخطير الذي مثلته عملية الاغتيال، وهذا قد يفتح الباب أمام توسع الحرب، أو تنفيذ عملية أمنية ضد أهداف إسرائيلية في العالم، وهو خيار يحمل معه مخاطر طول الوقت وتشجع الإسرائيلي على ارتكاب مزيد من الاغتيالات، وفي الوقت ذاته يمنح الحزب فرصة التقاط الأنفاس واختيار أهداف في العالم.
أما على مستوى حركة حماس، فإن الشيخ بما هو قيادي تاريخي ومؤسس فيها، فإنها تمثل ولاية الدم، ولكنها في أوج حرب قاسية مع الاحتلال، وقد تمثل عملياتها خلال التصدي لعدوان الاحتلال جانباً من الرد على الاغتيال.
تمثل هذه الحرب صراعاً مفتوحاً على الخيارات يملك كل طرف فيه فرصاً استراتيجية ومخاطر كبيرة، في الوقت ذاته، وجاءت عملية الاغتيال لتزيد من تعقيداتها.