شبكة قدس الإخبارية

هل نحن أمام نموذج جديد من الانتفاضة؟

371788667_147294908426889_2461637237641053677_n

الضفة المحتلة - قُدس الإخبارية: تقول القراءة التاريخية للانتفاضات الشعبية والحراكات الثورية، في فلسطين المحتلة، منذ بدايات الاستعمار الذي مهد للحركة الصهيونية الاستيلاء على البلاد، إن السمات العامة لكل مرحلة من القتال ضد الاحتلال قد لا تتكرر بتفاصيلها الكبيرة والصغيرة، في مراحل أخرى.

يمكن الدلالة على هذه القاعدة بالنظر إلى الانتفاضة الأولى التي كان الحراك فيها بداية بالاعتماد على الحركة الشعبية، بمختلف وسائلها من الإضراب إلى رشق الدوريات العسكرية بالحجارة والزجاجات الحارقة، وصولاً إلى تطوير أدوات عسكرية اكتسبت زخماً أكبر في الانتفاضة الثانية، بينما وإن كانت انتفاضة الأقصى اعتمدت في بنيتها التنظيمية الصلبة على الكوادر الذين خاضوا سابقاً تجارب نضالية وعسكرية، في الانتفاضة الأولى، إلا أن سماتها العامة كانت مختلفة بصورة أكبر، إذ اعتمدت على الحراك العسكري الذي تنفذه خلايا المقاومة ومن خلفها المجتمع الأوسع.

الحركة المقاومة الحالية، في الضفة المحتلة، التي اندلعت امتداداً لمراحل سابقة بدأت مع المحاولات لإعادة تنظيم خلايا وبنية تحتية عسكرية تجدد النشاط ضد قوة الاحتلال والمستوطنين، ثم مع هبة الشهيد محمد أبو خضير، عام 2014، والفعاليات الشعبية التي سبقتها ثم "هبة القدس" التي اندلعت على إثر الاعتداءات على المرابطين والمرابطات، في المسجد الأقصى، واجهت أجهزة الأمن والاستخبارات في دولة الاحتلال مواجهة من "نوع جديد" نوعاً ما، قوامها المجهود الفردي للفلسطيني الذي قرر تنفيذ فعل عسكري من أي نوع "دهس، طعن، عملية إطلاق نار… الخ".

مع دخول فكرة "الفدائي المنفرد" أو المجموعات التي تتشكل دون مرجعية تنظيمية عليا، إلا أن التنظيمات واصلت مجهودتها على إحياء تنظيماتها العسكرية، في الضفة المحتلة والقدس، وبهذا تميَزت هذه المرحلة من مقاومة الشعب الفلسطيني بميزة العمل الفردي والمجهودات التنظيمية ووجود المقاومة في قطاع غزة، ومحاولة الفصائل تحريك جبهات أخرى في الخارج، ودعم النشاط المقاوم في الضفة لوجستياً ومادياً ومعنوياً، وإن كان الثقل الأكبر في الداخل.

الشهور الأخيرة، شهدت صموداً لمجموعات المقاومة في شمال الضفة خاصة في جنين في وجه عمليات عسكرية شنتها قوات الاحتلال عليها، ومحاولات أمنية وسياسية لانهاء وجودها، وعمليات فردية نوعية وأخرى نفذتها خلايا تابعة لتنظيمات المقاومة، وواجه الاحتلال عمليات نوعية في فترة زمنية متقاربة، وهو ما يجعله أمام تحد أمني - تكتيكي متجدد، وهو كيف يواجه هذه الأنماط المختلفة من العمل المقاوم، التي قد يكون لكل واحد منها فرصة من انتعاش الآخر، أو تداخلاً فيه وساحة خلفية للتعلم والتدرب والتمويل والهجوم والاختفاء.

تعتمد الأجهزة العسكرية والأمنية في دولة الاحتلال، في المرحلة الحالية، على سياسة الاعتقالات الواسعة لإحباط توجهات كوادر وأسرى محررين ونشطاء قد تتوفر لديها معلومات حولهم أو أنها تفترض لديهم استعداداً للانخراط في العمل التنظيمي أو تنفيذ عمليات عسكرية مباشرة، ووثقت مؤسسات الأسرى اعتقال أكثر من 200 فلسطيني خلال أيام قليلة، وأكثر من 5000 منذ بداية العام الحالي، وهي النسبة الأكبر في الاعتقالات منذ سنوات.

وصممت دولة الاحتلال أسلوباً في مواجهة مجموعات المقاومة يقوم على استخدام القوات الخاصة في محاصرة المطاردين، ثم الدفع بقواتها إلى المنطقة، واغتيال الهدف أو اعتقاله، في سياق "حرب استنزاف يومية"، بالاستعانة بأدوات الرقابة والتجسس التي تملكها، بالإضافة لتجنيد قوات إضافية نحو مناطق التماس في الضفة ومحيط المستوطنات وعلى مداخل المدن والقرى.

هذه الإجراءات الميدانية لم تمنع المقاومة من تنفيذ العمليات النوعية، التي أدت لمقتل ما يقارب 37 جندياً ومستوطناً، وهو العدد الأعلى منذ سنوات، ويجعل من الإجراءات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في الميدان محل اختبار من قبل مجتمع المستوطنين، الذي يعتبر "الأمن" ركيزة أساسية في مشروع الاستيطاني القائم على الاقتصاد ومحاولة خلق "رفاهية"، وإن كانت مجموعات المستوطنين في الضفة المحتلة تحاول صناعة نموذج مغاير قائم على تأسيس ميلشيات تكون ذراعاً ضاربة ضد الوجود الفلسطيني.

التحدي الآخر أمام الاحتلال في هذه الموجة من العمليات هو دخول أدوات أخرى فيها، مثل العبوات الناسفة، التي تشكل تهديداً ميدانياً كبيراً لحركة قوات الاحتلال في المدن والبلدات في الضفة المحتلة، كما حصل في عملية تفجير ناقلات عسكرية في جنين، قبل شهور، وفي نابلس، يوم أمس.

هذه الأدوات والأنماط المختلفة من العمل المقاوم، تجعل الاحتلال أمام تحد لم يعهده في سنوات ما بعد انتفاضة الأقصى، وقد يشكل تمهيداً لموجة أوسع قد تضم كل هذه الأشكال من العمل المقاوم، أو أن تستمر هذه الحالة من العمليات التي تهدد استقرار المشروع الاستيطاني، في الضفة المحتلة.

قد لا تصعد الأحداث الحالية إلى مرتبة الانتفاضات الكبرى السابقة، في تاريخ الشعب الفلسطيني، خاصة منذ عام 1987، لكنها قد تقول أو تمنح الباحثين والمستشرفين للمستقبل عن طبيعة الحراك الثوري القادم، في الضفة والقدس، والذي قد يمتد إلى الداخل، وربما بمشاركة غزة أو جبهات خارجية، في ظل "التحدي الاستراتيجي" الذي تفرضه الحكومات الجديدة في دولة الاحتلال، وما تحمله من أفكاره حول السيطرة التامة على الضفة المحتلة، وتفعيل مشاريع تهجير وطرد الفلسطينيين منها.

 

#فلسطين #الاحتلال #الضفة #المقاومة #انتفاضة الأقصى #الانتفاضة الأولى