القدس المحتلة - قُدس الإخبارية: في مثل هذه الساعات من عام 1969، كان المسجد الأقصى على موعد مع حلقة جديدة في سلسلة الحرب الصهيونية عليه، في سياق مخططات تدميره والسيطرة عليه وإقامة "الهيكل" المزعوم مكانه.
عند الساعة السادسة وعشرين دقيقة من صباح 21 آب/ أغسطس 1969، أقدم المستوطن مايكل دينيس على إشعال حريق في المنطقة الشرقية، بالمسجد الأقصى، وأدت النيران التي امتدت إلى مناطق واسعة في المسجد إلى إحراق واجهاته وسقفه وسجاده وزخارفه.
وأدى الحريق إلى تدمير ثلاثة أروقة ممتدة من الجنوب إلى الشمال، وسقط جزء من سقف المسجد على الأرض، بالإضافة لمسجد عمر المكون سقفه من طين وجسور وخشبية، كما تضرر عمودين مع القوس الحجري الكبير تحت قبة المسجد، ومحراب زكريا، ومقام الأربعين المجاور له.
والتهمت النيران التي أشعلها المستوطن منبر المسجد التاريخي الذي أحضره صلاح الدين الأيوبي، من مدينة حلب، بعد تحرير المسجد من الاحتلال الصليبي، عام 1187، وقد أعده نور الدين زنكي سابقاً استعداداً ليوم التحرير، وقد بلغت المساحة المحروقة في المسجد أكثر من 1500 متر مربع أي أكثر من ثلث مساحته.
جريمة دينيس بإحراق المسجد الأقصى المبارك أكملتها قوات الاحتلال بقطع المياه عن المناطق المحيطة به وتأخير إرسال مركبات الإطفاء التابعة للبلدية.
وهبت الفلسطينيون من القدس المحتلة ومختلف المناطق الفلسطينية نحو المسجد، في محاولة لإطفاء الحريق، رغم الطوق الذي فرضته قوات الاحتلال على المنطقة، واستمر الحريق حتى الساعة الثانية عشر ظهراً، وكاد أن يلتهم قبة المسجد، لولا جهود الأهالي المضنية لإطفاء الحريق.
يعتبر مايكل دينيس من أتباع التيار "المسيحي الصهيوني" من أصحاب "النزعات المشيحانية المسيحانية" التي تؤمن بعودة المسيح، وأن شرط ذلك هو "عودة بني إسرائيل إلى أرض فلسطين" وبناء "الهيكل الثالث" المزعوم.
تقول مصادر تاريخية نقلاً عن مصادر عبرية، إن دينيس حاول سابقاً إشعال النار في المصلى القبلي ولكنه فشل، وعاد لاحقاً ودخل من باب الأسباط إلى باب الغوانمة، ثم توجه إلى المصلى القبلي، وأخرج وشاحاً أغرقه بالبنزين وأشعل النار فيه، بعد أن فرشه على عتبات درجات منبر صلاح الدين.
الاحتلال أطلق سراح دينيس لاحقاً بعد مزاعم بأنه يعاني من "مرض نفسي" رغم أن الشهادات تؤكد أنه لم تظهر عليه أي من أعراض الجنون.
وبعد عقود من جريمة دينيس ما زال التيار الصهيوني المسيحاني يقف خلف دولة الاحتلال وجرائمها المستمرة بحق الفلسطينيين والعرب، والمثال الأبرز عليه قادة كبار في الإدارة الأمريكية السابقة، في زمن دونالد ترامب.
وفي هذه السنوات، كثفت الجماعات الاستيطانية مساعيها لتنفيذ مخططاتها في السيطرة على المسجد الأقصى، تمهيداً لهدمه وإقامة "الهيكل المزعوم" مكانه، وبدعم من حكومة الاحتلال بدأت بإقامة طقوس تلمودية فيه وتسعى لتحقيق "التقسيم الزماني والمكاني" له.
الخطر على المسجد الأقصى تضاعف مؤخراً بعد صعود رموز من "التيار الصهيوني الديني"، الداعمين لجماعات "الهيكل"، الذي يرون ضرورة هدم المسجد، في ظل إجماع بين التيارات الصهيونية سواء العلمانية أو الدينية، على هدف السيطرة على المسجد، ولكن بوسائل وأيدلوجيات مختلفة.
في الأسابيع الماضية، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن مخطط للجماعات الاستيطانية لإحراق خمس بقرات حمراء، لتحقيق ما يسمى بــ"التطهر"، وهو أحد الشروط التي تتضمنها فتوى حاخامية يؤمن بها جزء كبير من المستوطنين "الحريديم"، لإزالة هذا المانع وتحقيق اقتحامات كبيرة للمسجد، في ظل إعلان عضو "كنيست" عن حزب الليكود عن خطة لتقسيم المسجد وحصر المسلمين في المصلى القبلي.
بعد إحراق المسجد الأقصى المبارك، عام 1969، قررت خلية للمقاومة الفلسطينية في قرى بيت لحم، بينها دار صلاح والعبيدية، الرد على الجريمة. نجح المناضل محمد أبو ذهبية مع أفراد خليته من المنطقة، بينهم يونس العصا واسماعيل جدوع العصا وأحمد حسين العصا، من تهريب صواريخ من الأردن، عن طريق قارب مطاطي أبحر في البحر الميت.
نقلت الخلية الصواريخ على الدواب إلى بيت فجار ثم إلى صور باهر، جنوب القدس المحتلة، ومن هناك أطلقوها تجاه مبنى "الكنيست"، وبعد العملية فرضت قوات الاحتلال حصاراً مشدداً على قرى دار صلاح والعبيدية والشواورة وغيرها، أشرف عليه وزير جيش الاحتلال السابق موشيه دايان بنفسه.
واليوم ما زال الخطر داهماً على الأقصى والحاجة لاستعادة الشارع حيويته التي برهن عليها في هبات مختلفة، في السنوات الماضية، من انتفاضة القدس عام 2015 إلى هبة البوابات الإلكترونية وباب الرحمة وباب العامود والشيخ جراح، ومعركة "سيف القدس" و"وحدة الساحات" و"ثأر الأحرار"، والحراك الثوري الحالي في الضفة، ما زالت ضرورية في ظل أن المواجهة مع الجماعات الاستيطانية معقدة في كل التفاصيل، وبحاجة لجهود جماعية على مستوى فلسطيني وعربي وإسلامية.