شبكة قدس الإخبارية

المقاومة في جنين... عن "مركز الثقل" الذي لا تصيبه العمليات العسكرية

F0KtP5CX0AAEEs5

جنين - قُدس الإخبارية: شن جيش الاحتلال عملية عسكرية، مركزها في جنين ومخيمها، منذ يوم أمس، بعد أسابيع من الحديث الإسرائيلي على وسائل الإعلام وفي التسريبات وفي تصريحات القادة في مختلف المستويات السياسية والعسكرية والأمنية، حول ضرورة تنفيذ نشاط عسكري مكثف يحيد مجموعات المقاومة عن الاستمرار في التوسع والعمل في الميدان.

حاول إعلام الاحتلال منذ بدايات العملية على "عدم المبالغة"، في تصوير الأهداف المأمول تحقيقها من جانب الأذرع الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، واعتبرت أن هذا النمط من الغارات طويلة الأمد قد يتكرر في المستقبل، لتحقيق استنزاف إضافي في صفوف مجموعات المقاومة.

ركز الاحتلال منذ بدايات الحراك الثوري الحالي، في الضفة المحتلة، الذي اندلع بداية من شمالها "جنين ونابلس" تحديداً، على نمط عمليات يقوم على غارات سريعة للقوات الخاصة لاغتيال أو اعتقال المطلوبين، والدخول في اشتباكات محدودة، في منطقة جغرافية معينة، قبل الانسحاب بعد تحقيق الأهداف، في سبيل تحقيق أقصى استنزاف في صفوف المقاومة، مع استخدام أدوات الضغط الاجتماعي/ الاقتصادي والسياسي، على المجتمع الذي يخرج منه المقاومون.

العملية الواسعة التي تجري حالياً، في جنين ومخيمها، تقوم أساساً على استخدام القوات الخاصة بمختلف وحداتها "ماغلان، إيغوز، اليمام، دودوفان" وغيرها، على نطاق واسع، وفي مساحة جغرافية كبيرة، وباستخدام مئات الجنود من القوات البرية الذين يتوفر لهم آليات عسكرية من مختلف الأشكال، وغطاء جوي من سلاح الطيران الذي دخل في المواجهة، خلال الأسابيع الماضية، لأول مرة منذ انتفاضة الأقصى.

الهدف من عملية الاحتلال، في جنين والمخيم، تحقيق إصابات بين قادة وكوادر مجموعات المقاومة، وتدمير بنيتها التحتية العسكرية والتصنيعية، خاصة فيما يتعلق بالعبوات الناسفة التي كان لها أثر مهم، في الميدان، مؤخراً بعد الإصابات التي حققتها بين آليات الاحتلال، خلال الشهر الماضي.

تحاول الجيوش في الظروف التقليدية في عملياتها العسكرية، ضرب "مركز ثقل" العدو، أي المواقع أو التشكيلات أو نقط الارتكاز التي يمثل الهجوم عليه شلاً لقدرة المقاومة في هذا العدو، وفي حالة المجموعات التي تعمل ضمن نمط "حرب العصابات"، فإن مركز الثقل لا يبدو في غالب الحالات واضحاً أمام الجيوش.

يمثل مخيم جنين والمدينة في هذه المرحلة، كما في مراحل سابقة خاصة خلال انتفاضة الأقصى، موقعاً جغرافياً مميزاً لبناء خلايا للمقاومة فيه وانتشارها على شكل مجموعات كبيرة مسلحة تظهر للعلن، وهو ما يدفع جيش الاحتلال لمحاصرته وتنفيذ عمليات عسكرية فيه، إلا أن الطابع العقائدي والتكوين الفكري لهذه المجموعات القائم على إدامة المقاومة، في عقول المجتمع المحلي، يجعل "مركز الثقل" غير واضح المعالم، وهذا يعني أن العمليات العسكرية وإن كانت قد تحقق إصابات في الجسم التنظيمي والعسكري، إلا أنها لا تمنع تكرار النموذج في المستقبل.

هذا يؤكده أن المخيم ومدينة جنين عادتا إلى بؤرة المقاومة المسلحة، خلال سنوات، رغم قساوة الضربات العسكرية والأمنية التي تعرضتا لها، منذ بدايات انتفاضة الأقصى، والمخططات التي أخذت طابعاً اجتماعياً - اقتصادياً - سياسياً لتحييد المجتمع الفلسطيني، في الضفة المحتلة، عن فكرة المقاومة.

وهنا يصبح "مركز الثقل" في عملية النضال المستمرة، في المخيم ومدينة جنين، بالإضافة لمناطق أخرى في الضفة وغزة، ليس فقط التنظيم العسكري - السياسي بل في الجمهور الذي يخرج المقاومين، في كل مرحلة، ويجعل من الصعب تدمير التنظيمات، رغم كل الضخ الأمني والعسكري باتجاه تفتيت إمكانية إعادة انعاش العمل المقاوم، في الضفة المحتلة.

قادة سابقون في الأجهزة الأمنية والعسكرية، في دولة الاحتلال، يرون أن "النجاح التكتيكي" في العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش والمخابرات "الشاباك"، في الضفة المحتلة، لا يعني تحقيق نجاح "استراتيجي" طويل المدى، بمعنى أن إلحاق ضربات بالمقاومين وبنيتهم التحتية العسكرية، لا يعني أن عودة خلايا أخرى للعمل العسكري لن يتحقق في المستقبل، لأن مركز الثقل هو في نفوس الناس الذين يعيشون تحت الاحتلال، ويرون المستوطنات تطوق قراهم، وتشكل تهديداً وجودياً عليهم.

العمليات العسكرية الواسعة التي ينفذها جيش الاحتلال، في جنين والمخيم، في حال تكررت مسبقاً قد تتحول على المستوى الأبعد إلى مواجهة أوسع يدخل معها فئات أخرى من الشعب الفلسطيني، في مناطق أخرى، في المواجهة، وهو ما قد لا يخدم دولة الاحتلال على المستوى الواسع، ويضعف من المفهوم الأمني - السياسي الذي تطمح لإعادة ترسيخه في المنطقة، وهو منح قواتها حرية الحركة في عمق الضفة، مع الحفاظ على البنيان الإداري - التنظيمي للسلطة الفلسطينية، لتحمل الأعباء البشرية والمالية في إدارة التجمعات الفلسطينية، في الضفة، عنها.

دخل جيش الاحتلال هذه المرحلة من العمل المضاد للحراك الثوري، في الضفة، تحت شعار عدم السماح بسلب "حرية الحركة" في الميدان، من قواته، التي اعتادت تنفيذ اقتحامات يومية في عمق البلدات والمدن الفلسطينية، منذ اجتياح "السور الواقي"، عام 2002، لمنع تشكيل وضع عسكري أو نضالي يعيد توفير البناء التنظيمي الذي يسمح بتنفيذ هجمات، في عمق الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، ويهدد استقرار وحياة مجتمع المستوطنين، كما حصل في انتفاضة الأقصى.

الضفة المحتلة التي تشكل عمقاً استراتيجاً وأمنياً لدولة الاحتلال، هي أيضاً الآن ساحة لأوسع نشاط استيطاني تزايد، في السنوات الأخيرة، في ظل حسم حكومات الاحتلال المتعاقبة لمسألة عدم السماح بإقامة دولة فلسطينية، على حدود 1967 كاملة، والاكتفاء بتوفير مقومات اقتصادية للتجمعات الفلسطينية، تحيدها عن اختيار حمل السلاح في وجه الاستيطان والاحتلال.

وفي ظل غياب "مشروع سياسي/ إسرائيلي" لما يسمى "الحل السلمي"، وتبني قطاعات واسعة من المجتمع الفلسطيني، خاصة بين الشباب، لفكرة المقاومة خاصة في الشق المسلح منها، فإن العمليات العسكرية ربما لن تسهم إلا في زيادة الأجواء التي تشجع باتجاه انفجار ربما بشكل مختلف، عن الانتفاضات السابقة، في الشارع الفلسطيني.

دولة الاحتلال التي تبنيت في تركيبة عقيدتها العسكرية، فكرة "الحسم"، أي تدمير قدرة المقاومة لدى أعدائها في فترة قياسية، وجدت نفسها منذ سنوات الثمانينات، في لبنان وفلسطين، في مواجهة حراكات شعبية ذات طابع مسلح في جزء منها، تديم استنزاف قواتها، في معارك ومواجهات يومية، وإن كانت هذه الانتفاضات لم يجر استثمارها من جانب الفلسطينيين سياسياً بالشكل اللازم، في سبيل تحقيق الهدف الأعلى، إلا أنها كان لها آثار بعيدة المدى على طبيعة جيش الاحتلال، الذي فقد جانباً أساسياً من قدرته على العمل البري، وعلى مجتمع المستوطنين الذي عاش سنوات عصبية، باتت معها فكرة انهيار كيانهم قابلة للتحقق.

مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وبينها مخيم جنين، بما لها من وقائع سياسية واجتماعية وتاريخية، وذاكرة جماعية تتناقل التصميم على تحقيق العودة للقرى والبلدات التي هجرت منها آلاف العائلات، وتاريخ مقاومة الاحتلال والمجازر التي ارتكبها بحقهم، تجعل منها مكاناً دائم انتاج مقاومات تفكك نتائج العمليات العدوانية الإسرائيلية.

 

#فلسطين #الاحتلال #الضفة #جنين #المقاومة #مخيم جنين