فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: تمثل فكرة الهروب/ الخروج من المستوطنات عقدة في التفكير الإسرائيلي بدأ منذ معارك النكبة مع المقاومة الفلسطينية والجيوش العربية، وصولاً إلى المرحلة الحالية من تاريخ المواجهة، وهو ما تكثف في المستوطنات المقامة على أراضي قضاء غزة أو ما تعرف إسرائيليا باسم مستوطنات "غلاف غزة".
عقب الجريمة التي ارتكبها جيش الاحتلال، يوم أمس، باغتيال ثلاثة من قادة سرايا القدس مع أطفال ونساء من عائلاتهم بعد قصفهم داخل منازلهم بادرت مجموعات من المستوطنين إلى الهروب من المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، خوفاً من الرد المرتقب من جانب فصائل المقاومة.
دفع المستوطنين إلى قبول فكرة الهجرة أو الهروب إلى مناطق أخرى تراكم مع سنوات انتفاضة الأقصى التي بدأت فيها المقاومة الفلسطينية تطوير سلاح الصواريخ، واستهدفت فيه بداية المستوطنات القريبة من غزة مثل "سديروت" وغيرها، ثم وسعت مدى القصف في المواجهات المتعاقبة وصولاً إلى وسط فلسطين المحتلة.
طوال سنوات من المواجهة بين قوى المقاومة وجيش الاحتلال تحولت حياة المستوطنين في المستوطنات المحيطة بقطاع غزة إلى "جحيم" منذور بصافرات الإنذار، وهو ما دفعهم إلى الاحتجاج في عشرات المرات على ضعف تعامل الجيش مع المقاومة وعدم توفير الحماية لهم.
ويسعى الاحتلال من خلال مشاريع اقتصادية وزراعية وطرح إغراءات للمستوطنين لإبقاء المستوطنات المحيطة بقطاع غزة "حية"، في ظل الضغوطات التي تتعرض لها في كل مواجهة، إلا أن المواجهات المتعاقبة تثبت نظرية أن هذه المنطقة قد تصبح فارغة في أي حرب مقبلة.
رغم تطوير جيش الاحتلال لأدوات هدفها التصدي للمقذوفات الصاروخية "القبة الحديدية" وغيرها، إلا أن فكرة البقاء في حالة طوارئ دفعت مستوطني "غلاف غزة" إلى التفكير في الهجرة في مرات مختلفة، أبرزها خلال حرب 2014 إذ أجبر القصف المركز الذي نفذته المقاومة تجاه هذه المستوطنات على إخلاء عدة "كيبوتسات".
في الأيام الأخيرة من حرب 2014 ركزت المقاومة في عملياتها العسكرية على قصف المستوطنات المحيطة بقطاع غزة بمئات قذائف الهاون والصواريخ قريبة المدى وهو ما أوقع فيها خسائر فادحة.
الاستهداف المركز والمستمر للمستوطنين في المناطق المحتلة المحيطة بقطاع غزة دفعهم دائماً إلى "الشكوى"، من تفريق دولة الاحتلال بينهم وبين مستوطني مناطق ما تسمى "المركز"، وعبَر قادة المستوطنين عن غضبهم من اندفاع جيش الاحتلال للرد على قصف وسط فلسطين المحتلة بينما يعجز عن توفير الحماية لهم.
هذا الواقع الذي تعيشه المستوطنات في محيط قطاع غزة دفع محللين وصحفيين إسرائيليين إلى مطالبة حكومة الاحتلال، بوضع خطة لإجلاء المستوطنين في أية حرب مقبلة مع المقاومة، على غرار الخطة البريطانية في الحرب العالمية الثانية لإجلاء السكان بعد القصف الجوي الألماني.
في حرب 1948، أجبرت المقاومة الفلسطينية العصابات الصهيونية على إخلاء عدة كتل استيطانية بينها "غوش عتصيون" التي أقيمت على الطريق بين بيت لحم والخليل، وأعاد الاحتلال إقامتها بعد احتلال عام 1967.
خلال حرب النكبة دمرت قوات المقاومة الفلسطينية مستوطنة "غوش عتصيون" وأجبرت المستوطنين على إخلائها وأسرت عشرات منهم.
قضية القبول بإخلاء موقع أو مستوطنة بقيت تتفاعل جدالاً في دولة الاحتلال خاصة أن هذه المواقع تمثل في بعض النقاط الجغرافية، مثل غور الأردن وغيرها، نقاطاً دفاعية متقدمة في مواجهة أي قوة قد تتقدم نحو فلسطين المحتلة.
بعد تدمير مستوطنة "غوش عتصيون"، عام 1948، أقام الاحتلال مستوطنة على أراضي قرية "السوافير الشرقية" قضاء غزة اسمها "عين تسوريم" وهو ذات اسم مستوطنة أخرى أقيمت قرب في تجمع "غوش عتصيون" قبل تدميره، وهو ما يحكي كثيراً عن تاريخ الاستيطان في بلادنا، الذي يعيش على قلق طالما بقي فلسطيني يقاوم.