شبكة قدس الإخبارية

كلمات الأسرى: معركة الروح في التحرر من السجن

prisoners day
أحمد العاروري

فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: في صراع الإنسان الفلسطيني لمنع العدو من كسره في حرب غير متكافئة، تزداد قساوة في السجون، استعان الأسير بالقلم معبراً لأفكاره وأحلامه ومعركته الأساسية التي هي الحرية، ولأن الحرية هي قرار يقع أولاً في قلب الإنسان ثم يترجمه أفعالاً وأقوالاً وتضحيات ونماذج عابرة للماديات، فإن الكتابة هي أحد تجليات عبور الإنسان من ذاته المحاصرة بضنك القيد إلى فضاء العالم الواسع الذي يزيده المخيال حلاوة في قلب وعقل من يتوق للحرية.

طوال سنوات نضال الحركة الأسيرة الفلسطينية، أصدر الأسرى عشرات الروايات والدراسات والكتب في مختلف المجالات، إضافة للرسائل التي كتبوها من دماء قلوبهم وبدموع عيونهم، كما يقولون، ورغم الحرب اليومية التي تشنها إدارة سجون الاحتلال ضدهم لمنعهم من التعلم والإبداع والكتابة، إلا أنهم شقوا من وسط الظلمة طريقاً من نور عبر أدوات مختلفة تمكنوا خلالها من تهريب كتاباتهم وإخفائها عن عيون السجانين.

في يوم الأسير اخترنا لكم بعض المقاطع من رسائل وروايات لأسرى هي نماذج عن مداد واسع مما كتبوه طوال عقود من النضال الفلسطيني:

"أحلام بالحرية"

في كتابها الذي يحمل العنوان أعلاه، كتبت الأسيرة المحرر عائشة عودة التي ذاقت تجربة الأسر من عام 1969 حتى عام 1979:

"أليست الحرية قرارا؟ قرار الالتصاق بالوطن والدخول في صميمه؟ قرار مواجهة العدو حد الالتحام وخوض المجهول رغم الصعاب؟ وإلا، كيف للفأس أن تؤثر في النبت دون اقتحام الأرض ونبشها؟ وكيف للبذرة أن تنمو دون وجودها في التربة، تفتت الحصى وتشقق الأرض؟" (ص.25). وفي مقطع آخر: "إن لم أحترق أنا، وتحترق أنت، فمن أين يأتي النور؟".

 "لست بريئة من مقاومتهم ولا أرغب في تلك البراءة التي تحولني إلى إنسان لا موقف له من الاحتلال، وإنما يسأل عن سلامة رأسه. الاعتراف بفعل المقاومة يحررني من الخوف".

وفي مذكراتها التي حملت اسم "ثمنا للشمس": "كانت المقاومة بعد هزيمة 67 قد أنبتت لنا أجنحة، وخلقت فينا إرادة كفيلة بأن تحرك الجبال. حينها قلنا: سوف نهزمهم، وإن بقاءهم فوق أرضنا لن يدوم اكثر من بضع سنوات. هكذا كانت الاستهانة بالأحكام التي سيصدرونها حتى لو كانت مؤبدات".

"الزمن الموازي"

الأسير وليد دقة الذي يصارع الآن بعد أكثر من 37 سنة متواصلة من الاعتقال مرض السرطان كتب قبل سنوات في رسالة عن إحساس الأسير بالزمن:

"أنا أكتب لكم من الزمن الموازي، وفي الزمن الموازي حيث ثبات المكان، لا نستخدم نفس وحدات زمنكم العادية كالدقائق.. والساعات، إلاّ حين يلتقي خطا زماننا وزمانكم عند شبك الزيارة فنضطر أن نتعامل مع هذه الصيغ الزمانية. فهي على كل حال، الشيء الوحيد الذي لم يتغير في زمانكم وما زلنا نذكر كيف نستخدمها".

"لماذا لا أرى الأبيض؟"

الأسير راتب حريبات الذي عاش سنوات لخدمة الأسرى المرضى في "عيادة سجن الرملة" وعاين بنفسه جرائم إدارة سجون الاحتلال بحقهم، كتب في كتاب أسماه "لماذا لا أرى الأبيض؟":

".... فماذا عن الطبيب؟ كان باعتقادي أن الطبيب الذي يعالج الأسرى المرضى هو طبيب يلبس زي الطبيب على الأقل! لكن الحقيقة أن البدلة التي يرتديها طبيب القسم هي رداء ضابط مصلحة السجون، وهو يرتدي لباس الشرطي وليس لباس الطبيب أو الممرض أي اللباس الأبيض أو الأخضر… تساءلت لماذا لا أرى الأبيض أَلأنه رمز النقاء والبراءة والتسامح وتقبّل الإنسان كما هو؟ أم لأن القلوب البيضاء لا يمكن أن تتمثّل في من هم جنود وضباط همّهم الأول قتل أو تدمير أو تعذيب المناضلين وازدرائهم؟ حتى في هذا المسمى المستشفى لا أرى فيه الأبيض وهذا لربما مرتبط بنور الصباح الذي لا تراه مشرقاً ساطعاً هنا أو في كل المعتقلات أبداً.

طبيب في النهار ومشارك في قمع الأسرى ذاتهم في الليل".

"رسائل إلى قمر"

الأسير حسام شاهين من القدس المحتلة، يقضي حكماً بالسجن لمدة 27 عاماً، كتب سلسلة رسائل إلى "قمر" طفلة صديقه:

“إلـى من علمتني كل الحروف الأبجدية من غير أن تكتب حرفاً واحداً، إلى أمي الحبيبة آمنة. وإلى من علمتني فلسفة النطق بالحروف، قبل أن تنطق حرفاً واحداً، إلى ابنتي الحبيبة، ابنة أخويّ عماد وشرين، قمر عماد الزهيري. وإلى من جعلت من قلبها نافذة أمل أُطلّ منها على الحياة، إلى شقيقتي الحبيبة نسيم… عندما يُغمضُ النهار عينيه، تنكمش الحياة نحو زوايا الدفء والمحبة، أو خلف ستائر الوحدة والدموع".

"أحاول قدر الإمكان أن أعيش في المساحة الأقرب إلى ما أؤمن به، وفي خضم انشغالي في مسيرة الحياة، التي تقذف بي أحياناً ظروفي الموضوعية إلى المكان الذي لا أحبه ولا أريده، المهم أنني أرفض الاستسلام لخيارات الحياة، وأبذل كل ما أستطيع من قوة ومن جهد لمغادرة الطرف الذي دفعتني إليه قسوة الحياة".

"بوابة السماء"

في روايته التي كتبها عن الاستشهادية فاطمة النجار، يقول الأسير جمال الهور المعتقل منذ عام 1997 وهو يحفر في قلبه عن النساء اللواتي تعلم منهن وشاركهن تجربة النضال:

"أنا كرجل أدين للمرأة بكل شيء جميل في هذا الوجود… فعندما أكتب عن المرأة، فأنا أكتب عن أمي التي استشهدت على عتبات العفاف، وهي تؤدي رسالتها في الحياة كبطلة أسطورية في عقدها الثالث، حيث استشهدت في أعقد عملية إنقاذ "لعشر نفوس" أغرقهم اليتم في أتون الفقر والحرمان، ثم سبحت بهم بمجدافي الطهر والعفة في خضم الحياة المتلاطم… حتى رست على شاطئ السلامة قبل أن تسلم الراية

إنها أمي…

عندما أكتب عن المرأة، فأنا أكتب عن زوجتي التي استشهد شبابها على عتبات الصبر والعفاف، وعلى مدار عقدين من السنين تتطلع بعين - يقدح شعاعها "نور الأمل" - إلى بوابة الحرية المؤصدة بقيود الأسر وسلاسل السجان".

"الزمرة"

الأسير عمار الزبن، المحكوم بالسجن المؤبد 27 مرة، كتب في رواية عن تجربة حقيقة من تجارب المقاومة في غزة أسماها "الزمرة":

"أنا سعيد، بل في أشد السعادة وأنا أنهي السطر الأخير للرواية، في الوقت الذي يفترض بي كإنسان يدخل عامه الحادي والعشرين في الأسر، أن يكون وضعه غير ذلك، لكن عندما تنزف حكايات المقاومة وأدبها، تشعر بنشوة النصر على القيد".

نعي في مسيرة الشهادة المستمرة

وعودة إلى النضال الفلسطيني المستمر، هذا مقتطف من مقال كتبه المناضل والمثقف الوطني الفلسطيني أكرم زعيتر في نعي الشهيد إسماعيل الكيلاني الذي ارتقى في سجون الاحتلال البريطاني، بعد اعتقاله خلال مشاركته في ثورة البراق، ننقله من مقال للباحث بلال شلش:

"تقف آخر لمحة من لمحات عينيه في السجن. ضحية جديدة على مذبح الوطنيّة المقدس لحقت بمن سبقها من الضحايا في كتيبة المجد والشرف. ويل للظلم ويل للاستبداد والعسف، من نقمة أرواح الشهداء القديسين.. توحي إلى جنود الأمة البواسل بسرّ الجهاد للخلاص، وتنفث في روع الأحفاد حب التضحية والفداء".

"الصمت أبلغ"

في عامه 42 بالأسر، رفض الأسير نائل البرغوثي أن يوجه رسالة واكتفى بالقول: "الصمت أبلغ".

"من عيون أضناها السهر"

الأسير عمر القاسم الذي استشهد في سجون الاحتلال قبل أن يحقق أمنية طويلة بالحرية، أرسل خلال فترة اعتقاله عدة رسائل لعائلته وثقها المتحف الفلسطيني، بينها رسالة لشقيقه مصطفى كتب فيها:

"أخي الحبيب مصطفى… من قلب يملؤه الأمل وصدر يجيش بالعاطفة وعيون أضناها السهر أبعث إليك هذه الرسالة فكن أميناً عليها".

وفي رسالة من سجن عسقلان، عام 1969، وثقها المتحف أيضاً  كتب إلى عائلته عن الذكريات التي لا تفارق عقل الأسير: "يا لها من أيام سعيدة ولكنها لم تطول إنها تمر أمامي مر السحاب وكأنها شريط سينمائي".

 "عصفورنا بيحلم على ضو القمر"

الأسيرة المحررة ميس أبو غوش، من مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة، شقيقة الشهيد حسين أبو غوش التي أمضت عدة شهور قاسية في التحقيق وسجون الاحتلال كانت قد كتبت في رسالة لعائلتها:

"عصفورنا بيحلم على ضو القمر.. بس القمر لملم حنين وشوق"

عندما يكون الطقس جميلا، في ساعات الفجر الأولى، تأتي عصافير من قمة جبل الكرمل إلى ساحة السجن وتلهو في الممرات بين غرف الأسيرات، أجهل نوعها واسمها ولكن صوتها يبشّر بفجر حرية قادم.. أحيانا أقترب من باب الغرفة وأمرر لها الخبز عبر الشبك.. أحسدها على حريتها".

"كل ما نريده… الحرية"

الأسيرة شروق دويات كتبت في رسالة لإذاعة "صوت الأسرى" في يوم الأسير:

"صرخ خفافيش الظلام ليلًا والجميع نيام، تقتحم بيوتهم حاراتهم وفي الوقت ذاته يوجد آلاف العيون اليقظة المتفتحة لكل عدوان، أحكام تصدر منهم فهم حراس فلسطين الأم المأسورة المحاطة بالخفافيش فيهب حراسها وحارساتها لنجدة أمهم الحنون ويمشون على خطاها بتضحيتها وتواجدها في الأسر بأيدي الظلام رافضة انتهاك حرمتها واجتثاث أراضيها، أشجارها، طيورها، أبنائها، بناتها التي تعج المعتقلات بهن فالمعتقلات باردة مظلمة لا روح فيها، فاقدة للحياة ولكنها مليئة بشموع الأمل والتحدي والإصرار المنبعث من معشر الأسرى والأسيرات.

كل ما نريده في يوم الأسير الفلسطيني أن نتحرر ونعود إلى قرانا ومدننا وبيوتنا ومخيماتنا وحاراتنا وعائلاتنا لتستند الأم علينا من جديد وتكون بداية طريق شاق وبتحد أكبر وبعنادة ثائرة متجددة فتحرر الأم وشبانها وشاباتها مرتبطان غير منفصلان فرابطهما متينة وتقويها الرياح الشديدة".

"ليس حلماً"

في تقديمه لرواية الأسير سامر المحروم التي حملت عنوان "ليس حلماً"، كتب الروائي إبراهيم نصر الله:

"كتابة السجين عن حريته أمرٌ ضروري، فكل كتابة تغدو في لحظة تشكلها انعتاقاً من السجن وقسوة السجان، وكل كتابة هي أيضاً محاولة لتهريب الذات عبر القضبان، ليكون هناك جزء حي من السجين خارج الزنزانة، هو كتابه، الذي سيلتقي قراء وقارئات، ويجلس في واجهة مكتبة، ليخرج في يد من سيختاره ليقضي معه ساعات وساعات.

الكتاب الذي يكتبه السجين، بهذا المعنى، مفتاح سري للتحرر، وجناح لا يمكن للعدو القبض عليه، ولذا ليس غريباً أن يوجه سامر الشكر في نصه، بصورة واضحة، للخيال والفكر لتحليقهما في سماء الوطن، بعيداً، بالطبع، عن عتمه ضيق الزنزانة وقسوتها، فالخيال والفكر هما ضد الركود الذي يصفه سامر بأنه أخطر من السجان".

"الأقانيم الثلاثة"

في روايته التي صاغ فيها بعضاً من تجربته في نص أدبي، يقول الأكاديمي والمناضل الفلسطيني وسام رفيدي الذي ذاق تجربة السجون لسنوات:

"تحمل يا كنعان تحمل، ألم يكن عليك أن تتعرف على بيتك وحياتك، تعرف إذن وتحمل، حزبك وتجربتك يصنعان منك ثورياً فهل يتسنى ذلك دون تضحيات؟ إذن للثورية متطلباتها فقم بها… تحمل إذن".

"خسوف بدر الدين"

الأسير الأديب باسم خندقجي، المحكوم بالمؤبد، أصدر خلال فترة اعتقاله عدة روايات بينها رواية "خسوف بدر الدين"، قال في الإهداء:

"إلى أبي يا حاج صالح، يا أبا باسم، كيف رحلت قبل أن أرحل إليك؟!".

"إلى متى سأحمل الرقم 1124052؟"

الأسير المحرر صلاح الحموري الذي أبعده الاحتلال قبل شهور من فلسطين إلى فرنسا، كتب في رسالة خلال فترة اعتقاله:

"إلى متى سوف نبقى أرقاماً؟ أنا اليوم، ومنذ 21 عاماً وأنا أحمل الرقم 1124052، وهو رقم الأسير الذي يعرّف شخصيتي أمام ما يسمى بِـ "إدارة السجون". هذا الرقم بات يرافقني منذ اعتقالي وأنا طفل، أي منذ عام 2001.

أصبح هذا الرقم بمثابة باركود لنا، نحن مجموعة الأسرى الذي تم اعتقالنا أكثر من مرة. نحن نشعر أمام هذا الرقم أننا لا نتجاوز كوننا بضاعة للسجون، هذه البضاعة البشرية القابلة للاستهلاك في كل مركز تحقيق، وكل سجن، في وقت السلم ووقت الحرب، قبل الحرب الباردة، وبعد حرب الاستنزاف، خلال أوسلو وبعد الانتفاضة. يبقى الثابت الوحيد في هذه المعادلة أن بضاعة السجون البشرية لا يوجد لها تاريخ انتهاء".

"سيدي عمر"

الشيخ محمد أبو طير صاحب العقود في النضال والمقاومة ومقارعة السجون، كتب في مذكراته التي حملت عنوان "سيدي عمر":

"مضت بي السنون وحق للأنفاس أن توقع على مراحل الابتلاء، وقد استجمعت قواها، ولملمت جراحاتها، وأتت عليَ الأيام بلياليها بما حملت من محن، وعزمت - إن شاء الله تعالى - أن أطوي هذه التجربة بما ملكت من على صفحات نفسي، التي أدماها القيد، إلى من يعشق حرية قومه، وخلاص أرضه، وتحرير أوطانه بأبنائها".

"رجل عاش لقتال إسرائيل"

الشهيد الأسير الجريح المطارد ناصر أبو حميد، الذي ارتقى قبل شهور شهيداً بعد عقود من النضال والاعتقال، كتب في رسالة قبل استشهاده مريضاً بالسرطان والسجن: 

"أنا بودع شعب بطل عظيم حتى التحق بقافلة شهداء فلسطين، وجزء كبير منهم هم رفاق دربي وأنا سعيد بلقائهم… أنا مؤمن بقضاء الله وقدره، ومؤمن بالطريق الذي اخترته، وأن عزائه الأكبر وهو يتابع الوقفات الجماهيرية من أبناء شعبه المقاوم ضد الاحتلال الظالم… أنا ذاهب إلى نهاية الطريق، ولكن مُطمئن وواثق بأنني أولا فلسطيني وأنا أفتخر، تاركًا خلفي شعب عظيم لن ينسى قضيتي وقضية الأسرى، وأنحني إجلالاً وإكبارًا لكل أبناء شعبنا الفلسطينيّ الصابر، وتعجز الكلمات عن كم هذا المشهد فيه مواساة وأنا "مش زعلان" من نهاية الطريق لأنه في نهاية الطريق أنا بودع شعب بطل عظيم، حتى التحق بقافلة شهداء فلسطين، وجزء كبير منهم هم رفاق دربي وأنا سعيد بلقائهم.

"ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي"

الأسير القائد مروان البرغوثي كتب عن تجربته في التحقيق القاسي ثم زنازين العزل الانفرادي، بعد اعتقاله خلال اجتياح الضفة المحتلة عام 2002، وجاء في مذكراته التي حملت اسم "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي":

"في هذه الزنزانة الضيقة والمعتمة حيث الوحدة القاتلة تشعر بعظمة العقل والروح لأن كل القوة التي تملكها دولة الاحتلال بما في ذلك السلاح النووي لم تنجح في حبس عقلي وروحي وإرادتي وإيماني وإن تمكنت من حبس جسدي، وهنا تكتشف بشكل حسي عظمة الخيال وقيمته فهو عصي على الحبس والاعتقال".

"الأسير 1578"

في روايته "الأسير 1578"، كتب الأسير هيثم جابر الذي كابد أوجاع الأسر سنوات طويلة بلغة شاعرية:

"لك حرية الاختيار بين أزهار البنفسج وبين طول انتظار، ربما حان الوقت كي تتحرري من فضاءاتي المتعبة، وأزقة قيدي المرهقة، ربما حان الوقت كي تحلقي بعيدا في الفضاء الرحب. ولك الخيار أن تحط أشرعتك في أي مرفأ تختارين، ولك أن تحلقي شرقا وغربا، يسارا ويمينا، وترتشفي الورود الشاخصة أبصارها نحو أجنحة الغمام، يستطيع عطرك أن يقطف شذى ما يختار من أزهار".

"إلى ساجدة"

الشيخ جمال أبو الهيجاء كتب إلى ابنته ساجدة رسالة بمناسبة زفافها وهو الذي انتظر كل المناسبات أن يكون معها:

 “كبرت يا ساجدة، كبرت يا ابنتي بأسرع مما أظن.. قالوا لي أنهت الثانوية العامة بتفوق، فقلت أدركها في تخرج الجامعة، ومرت السنوات، وكان التخرج، ثم كان الماجستير بعدها، ولا لقاء، والحمد لله أولا وآخرا.. لكن اليوم مختلف. اليوم يا ساجدة له طعم آخر. ومع ذلك فما زال الأمل مزروعا في قلوبنا وحسن الظن بالله لم يغادرها أبدا. وقد حان الآن يا ساجدة أن أجيبك على سؤال عينيك الحائرتين، وأنت تزورونني صغيرة وراء القضبان، فكانت تسألني عيناك: لم يا أبي كل هذا الفراق، وكل هذا الغياب؟ الآن أقول لك: هذا من أجلك يا ابنتي، ومن أجل كل الصبايا والشباب.. نرضى الأسر اليوم، كي نورثكم غدا وطنا حرا بلا أسر ولا قيود. ونرتضي الخوف والحرمان اليوم، كي تعيشوا غدا بأمان، حيث لا احتلال ولا عدوان. هذا من أجلك يا ابنتي”.

وأردف “فعندما ستحكين لأطفالك غدا قبل النوم حكاية التحرير ستقولين لهم: ارفعوا رؤوسكم في السحاب، فإن الوطن الحر العزيز الذي تنعمون بظلاله، دفع أجدادكم وأخوالكم أعمارهم في سبيل الله ليطردوا المحتل عن ثراه. وغدا عندما تذهبين بهم إلى المسجد الأقصى ستقولين لهم تحت قبة صخرته: بالأمس كان المحتلون يهاجمون المصلين العزل هنا، فثار عليهم أجدادكم وأخوالكم وأعمامكم حتى طردوهم منه، وخلصوه من رجسهم، فهو اليوم حر عزيز طاهر، فصلّوا الآن فيه بأمان”.

"أنا لست يوسف"

في قصيدة من داخل السجون، نشرها عبر مجلة "الدراسات الفلسطينية"، كتب الأسير كميل أبو حنيش:

أنا لست يوسف، لكنني مثله

قد رأيت الكواكب تسجد للشامخين

الذين يقولون: لا... للخنوع

....

أنا لست يوسف، لكنني مثله

سوف ألبث في السجن دهراً طويلاً

وأمضي أأول أحلام أصحابي المترعين

بحب الحياة: فمن يأكل السجن من قلبه

سوف يقضي شهيداً

 

"حديث النفس"

من سجنه، كتب الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي عدة قصائد بينها "حديث النفس":

اذا دهاك يطيب عيشك في الحزن تشري النعيم وتمتطي صهو الصعاب

ماذا عليك إذا غدوت بلا وطــن ونعمت رغـد العيش في ظل الشباب

يا هذه يهديك ربك فارجعــي

القدس تصرخ تستغيثك فاسمعي

والجنب مني بات يجفو مضجعي

فالموت خير من حياة الخنــع

ولذا فشــدي همتي وتشجعـي

ها أنت ترسف في القيود بلا ثمـن وغدا تموت وتنتهي تحت التــراب

وبنيك واعجبي ستتركهم لمــن والزوج تسلمـها فتنهشــها الذئاب

القيد يظهـر دعوتي يوما فع

وإذا قتلت ففي إلهـي مصرعي

والزوج والأبناء مذ كانوا معي

في حفظ ربي لا تثيري مدمعي

وعلى البلاء تصبري لا تجزعي

إني أخــاف عليك أن تنفى غدا ويصير بيتك خاويا يشكو الخراب

وتهيم بحثا عـن خليل مؤتمــن يبكي لحالك أو يشاطرك العـذاب

إن تصبري يا نفس حقا ترفعي

في جنة الرحمن خير المرتـع

إن الحياة وإن تطل يأت النعي

فإلى الزوال مآلها لا تطمعـي

إلا بنيــل شهادة فتشفعــي
إني أراك نذرت نفس للمحــن وزهدت في دنيا الثعالب والكـلاب

وعشقت رمسا يحتويك بلا كفن فرجوت ربي أن تكون على صواب

أنا لـن أبيت منكسا للألمــع

وعلى الزناد يظل دوما أصبعي

ولئن كرهت البذل نفسي تصفعي

من كل خوار ومحتال دعــي

وإذا بذلت الغال مجدا تصنعـي

 

"رسالة في رحلة حرية مؤقتة"

كتب الأسير محمود العارضة بعد أن أعاد الاحتلال اعتقاله بعد أن حرر نفسه مع رفاق له من سجن "جلبوع" رسالة أرسلها لأمه مع محاميه:

"بعد التحية والسلام حاولت المجيء لأعانقك يا أمي قبل أن تغادري الدنيا لكن الله قدر لنا غير ذلك... أنت في القلب والوجدان وأبشرك بأني أكلت التين من طول البلاد والصبر والرمان وأكلت المعروف والسماك والزعتر البري وأكلت الجوافة بعد حرمان 25 عاما وكان في جعبتي علبة العسل هدية لك... سلامي لأخواتي العزيزات باسمة ربى ختام وسائدة وكل الإخوان فأنا مشتاق لهم كثيرا.

تنسمت الحرية ورأينا أن الدنيا قد تغيرت، وصعدت جبال فلسطين لساعات طويلة ومررنا بالسهول الواسعة وعلمت أن سهل عرابة بلدي، قطعة صغيرة من سهول بيسان والناصرة.

سلام إلى كل الأهل والأصدقاء. سلامي إلى “افيهات” والتي لبست جرابينها وقطعت بها الجبال، سلام إلى عبد الله وهديل ويوسف وزوجة رداد والأهل جميعا سارة رهف وغادة ومحمد والجميع سلام خاصة إلى هدى وأنا مشتاق إليها كثيرا وسأبعث لها كل القصة والحكاية”.

"خمسة آلاف يوم في عالم البرزخ"

عن تجربته في زنازين العزل الانفرادي التي طالت لسنوات طويلة، كتب الأسير حسن سلامة كتابه "خمسة آلاف يوم في عالم البرزخ":

"أكتب لنفسي عن نفسي، عن حياتي، عن واقع عشت فيه، وعايشته، وما زلت حتى وأنا أكتب لكم أعيش فيه... فأنا الآن وأنا أكتب موجود في عزل أيلون، عنواني: سجن أيالون - العزل الانفرادي... كل شيء في حياتنا غير طبيعي: المكان، التعامل، القوانين والظروف والأكل وحتى ما تحدثنا عنه من الكون وجماله وما فيه من أشياء كالشمس".

#الأسرى