التوقيت الذي اختاره الجناح العسكري لحركة حماس «القسام»، لنشر فيديو قصير يظهر فيه الأسير الإسرائيلي أبراهام منغستو، حمل رسائل عديدة، وحرّك مياها آسنة يمرّ بها المجتمع الإسرائيلي بعد تشكيل حكومة توصف على أنها تنطوي على خطر كبير على الدولة.
فيما كان رئيس الأركان السابق أفيف كوخافي، يودّع منصبه، لصالح الجديد هرتسي هاليفي، جاء نشر الفيديو محذّراً الجديد، من أن يواجه الفشل الذي حصده سلفه، الذي لم ينجح في معالجة ملف تبادل الأسرى رغم مرور أكثر من ثمانية أعوام على وقوع منغستو وآخر إسرائيلي عربي في يد «القسام»، أضيفا إلى جثتين لضابط وجندي إسرائيليين.
منغستو ظهر معافى، وبصحة جيدة، بخلاف ما دأبت عليه الحكومات الإسرائيلية التي اعتبرته وشريكه العربي، مريضين نفسيين، ما أثار زوبعة من ردود الفعل الإسرائيلية الرسمية والمجتمعية، التي تزيد الطين بلّة بالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو ، التي تواجه معارضة واسعة، ومتصاعدة وتهماً بالتقصير.
تداعيات نشر الفيديو تجاوزت ما اعتبرته وسائل الإعلام الإسرائيلية التي ارتأت أنه حرّك مياه صفقة تبادل جديدة، إلى التلاعب بالأوضاع الداخلية المضطربة ليشكل عاملاً إضافياً في تعميق التناقضات الداخلية.
في محاولة لتسكين أوجاع العائلة، وعائلات الجنود الذين في قبضة «القسام»، كلفت الحكومة الإسرائيلية فريقاً اختصاصياً، لزيارة العائلة والوقوف إلى جانبها وتقديم المساعدة، كما وجّه رئيس بلدية عسقلان تومر جلام، إدارة الرعاية الاجتماعية بأن تكون على اتصال دائم مع الأم اغرانيش وأن تراقب وضعها عن كثب.
مكتب نتنياهو الذي وعد بأن إسرائيل تستثمر كل مواردها وجهودها لإعادة أبنائها الأسرى والمفقودين في غزة ، لا يستطيع مواصلة الكذب، والتهرب من المسؤولية، أو تقديم مبرّرات مقنعة لأسباب عدم معالجة هذا الملف.
الأطرف، من بين ردود الفعل، ما صرّح به مستشار نتنياهو الأسبق، أورين هيلمان، الذي تساءل عن موقف الأمم المتحدة والعالم إزاء حقوق الإنسان.
ربما لم يسمع هيلمان، تصريحات سفير إسرائيل الدائم في الأمم المتحدة جلعاد أردان، الذي قال مؤخراً إن الفلسطينيين يستغلون أجهزة الأمم المتحدة المشوّهة، لمحاولة إيذاء إسرائيل، وربما لا يتابع هيلمان، الاستهتار الشديد الذي تتعرض له الأمم المتحدة ومؤسساتها، من قبل إسرائيل، والتي ترتكب على الدوام المزيد من جرائم الحرب، والمزيد من الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان الفلسطيني، فضلاً عن رفضها لكل قرارات الأمم المتحدة.
تعكس نظرة هيلمان رؤية عامة وسياسة ثابتة لدولة الاحتلال وتنطوي على بعد عنصري، يرفض المساواة في الحقوق بين اليهودي، وبين أي مواطن آخر من جنسية أخرى.
لكن هذا البعد العنصري يمتد ليفسّر أسباب عدم اهتمام حكومتي نتنياهو ويائير لابيد، بمعالجة هذا الملف، لكون المعنيين يهودياً أثيوبياً أسود، والآخر عربياً فلسطينياً.
يعترف مقدم البرنامج في «القناة 14» الإسرائيلية شاي غولون بسبب هذا الإهمال، فيقول: «لنكن صريحين مع أنفسنا، المجتمع الإسرائيلي عنصري، فلو كان أبراهام منغستو اسمه مناحيم أو افرى غولدنبرغ لأصبح ابننا كلنا، ولذلك فإن تجاهل مصيره دليل على هذه العنصرية».
الأهم من ردود الفعل، ما صرح به رئيس المعارضة لابيد، الذي يحاول وضع العراقيل أمام حكومة نتنياهو في معالجة هذا الملف لاحقاً، ويظهر وكأنه أكثر حرصاً من الحكومة القائمة إزاء أمن إسرائيل.
يقول لابيد إن حكومته بذلت جهداً في موضوع «صفقة الأسرى»، لكنها اصطدمت بمعضلة أنه يجب عدم تعريض أمن إسرائيل للخطر بإطلاق سراح أسرى خطيرين أيديهم ملطّخة بدماء الإسرائيليين.
ولا ينهي مطالعته من دون أن يذكّر نتنياهو، بأن الجميع تأذّى من «صفقة شاليت»، لكنه لا يريد أن يتذكّر بأن حكومته كما حكومة نتنياهو، قد لاحقوا الأسرى الذين تم تحريرهم في «صفقة شاليت»، بالقتل، أو إعادة الاعتقال والملاحقة، ما تأخذه «كتائب القسام» بعين الاعتبار في حال التوصل إلى صفقة تبادل جديدة.
من بين التفاعلات التي حصلت على الجانبين، ثمة من يبالغ في ردود الفعل المحتملة من قبل إسرائيل، حيث تنهض تخوّفات من احتمال قيام حكومة نتنياهو بشنّ عدوان قريب على قطاع غزة، أو أن نشر الفيديو، من شأنه أن يحرّك الوضع نحو مفاوضات جديدة وصفقة قريبة يحقق من خلالها الطرف الفلسطيني إنجازاً كبيراً لا يقلّ عن الإنجاز الذي تحقق في «صفقة شاليت».
يمكن لهذه الحكومة «المستقرة»، أن تدفع الثمن لو أنها أرادت ذلك، ولكنني أعتقد أن تركيبة الحكومة، وطبيعتها العنصرية الفاشية لن تسمحا بإبرام صفقة، وفق المواصفات والشروط الفلسطينية، ما سيبقي الملف مفتوحاً، لأن نتنياهو ليس بحاجةٍ إلى إنجاز يستثير المعارضة في الشارع وفي داخل الحكومة، خصوصاً أن الأمر له أبعاد عنصرية.
نتنياهو لن يشن حرباً جديدة على غزة بسبب هذا الموضوع، فلو كان لدى إسرائيل معلومات عن أماكن وجود أسراها وجثثها لكان بالإمكان أن تقوم بعملية عسكرية خاصة لاستعادتهم من دون صفقة تبادل، لكنها لا تملك مثل هذا الخيار، أما عن إمكانية شنّ عدوان عسكري على غزة، فإن نتنياهو سيتردّد، لأنه صاحب نظرية «الهدوء مقابل التسهيلات» وهي سارية المفعول ومريحة لإسرائيل التي تركز على الضفة و القدس .
في حالة واحدة يمكن أن تتحرك إسرائيل نحو عدوان كبير وواسع على غزة، وهو محاولة تبريد الساحة الإسرائيلية الداخلية المضطربة، بالهروب إلى استدعاء خطر، في العادة يتوحّد الإسرائيليون في مواجهته.
هكذا يمكن الاستنتاج أنه لا عدوان قريباً على غزة، ولا صفقة تبادل قريبة، أيضاً.