في خطاب متلفز مباشر مع "إيباك" في 2023/1/9، قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إنّه يعمل على "توسيع دائرة السلام"، وإنّه "متفائل لأن القادة العرب غيّروا وجهات نظرهم تجاه إسرائيل ويرون الآن أننا شركاء وليسوا أعداء".
وفي أول اجتماع لحكومة الاحتلال في 2023/1/2، بعد أدائها اليمين أمام "الكنيست"، تحدث نتنياهو عن أهداف حكومته، وقال: "نحن متحدون في توسيع دائرة السلام، التي أنا متأكد من أنها توحد أيضًا كل مواطن إسرائيلي. كما أننا عازمون على تعميق اتفاقيات السلام القائمة مع ست دول عربية وإضافة اختراقات تاريخية لها مع دول عربية أخرى في المنطقة".
وفي سياق مشابه، صرّح وزير الخارجية في حكومة الاحتلال إيلي كوهين بالقول إنّ "توسيع اتفاقات لضمّ دول أخرى ليس مسألة إذا، بل مسألة متى".
هذا الكلام يشي بالمساعي الإسرائيلية المزمعة لإعادة إحياء مسار التطبيع الذي بدأه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2020 عندما أعلن عن تطبيع العلاقات بين دولة الاحتلال وأربع دول عربية هي الإمارات، والبحرين، والمغرب والسودان. ومنذ ذلك العام، لم تنضمّ دول عربية جديدة إلى قائمة الدول المطبعة فيما عمل الاحتلال على تعزيز العلاقات مع الدول التي طبّعت معه، عبر اتفاقات وأنشطة تطبيعية في مختلف المجالات.
وفي سياق تعزيز مسار التطبيع، عقدت في أبو ظبي اجتماعات تحضيرية لمنتدى النقب التطبيعي يومي 9 و2023/1/10، وشارك في الاجتماعات وزراء خارجية كلّ من الإمارات والبحرين والمغرب ومصر ودولة الاحتلال، إضافة إلى وفد أمريكي، على أن يعقد المؤتمر في المغرب في آذار/مارس 2023. ووفق موقع "واينت" الإلكتروني، فإن الولايات المتحدة تدرس إمكانية دعوة دولة إفريقية مسلمة لا تقيم علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال إلى اجتماع وزراء الخارجية في المغرب.
ومن الممكن القول إنّ نتنياهو يحاول البناء على المكاسب التي حققتها دولة الاحتلال من اتفاقات التطبيع التي عقدت عام 2020 لناحية تعزيز العلاقات الأمنية والاستخبارية والاقتصادية وغيرها مع الدول المطبّعة، إذ باتت طرفًا في عشرات الاتفاقات مع الإمارات والبحرين والمغرب، وهو ما يساعدها على أن تكون جزءًا من نسيج العلاقات في المنطقة، وطرفًا أساسيًا فيها، في الوقت الذي تتصاعد فيه جرائمها بحقّ الفلسطينيين والأرض والمقدّسات.
وإنّ انضمام دول أخرى إلى قائمة الدول المطبّعة سيعطي دولة الاحتلال هامشًا أكبر لتوسيع عدوانها على الفلسطينيين، ولتنفيذ مخططات الضم والاستيطان والتهويد. وقد قتلت قوات الاحتلال 14 فلسطينيًا في حوالي أسبوعين منذ بداية عام 2023 ولا يبدو أنّ جرائمها ستتوقف في المدى المنظور.
يمكن القول إنّ مسار التطبيع ومحاولات ضمّ دول أخرى إلى معسكر الدول المطبّعة قد يتعزّز في المرحلة القادمة، لكن المؤكد هو أنّ هذا المسار الذي بدأ رسميًا مع مصر ثمّ منظمة التحرير الفلسطينية والأردن، ثمّ تلته علاقات غير رسمية بين بعض الدول العربية ودولة الاحتلال ليتوّج بانضمام أربع دول عربية إليه عام 2020، لم يجعل دولة الاحتلال مقبولة شعبيًا، حتى في الدول التي طبعت علاقاتها مع دولة الاحتلال، ناهيك عن أنّه لم يُنهِ العمل المقاوم.
فعلى سبيل المثال، أظهر استطلاع المؤشر العربي 2022 الذي نفذه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ونشر نتائجه في 2023/1/3، أن 95% من الأردنيين لا يدعمون التطبيع مع الاحتلال، فيما يدعمه 5% بما يحقق المصالح المشتركة.
وفي إطار التعرف إلى آراء المستجيبين في القضية الفلسطينية، خاصة في هذه المرحلة التي يتحدث فيها خبراء وسياسيون كثيرًا حول فك الارتباط العربي بالقضية الفلسطينية، أشارت النتائج بوضوح إلى أن المجتمعات العربية ما زالت تعدّ القضية الفلسطينية قضية العرب جميعًا، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم؛ إذ عبّر ما نسبته 76% عن أنّ "القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعًا، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم".
وبيّن الاستطلاع أنّ أغلبية المستجيبين في الأردن، وفلسطين، ولبنان، ومصر، والسودان، والجزائر ترى أن دولة الاحتلال هي الدولة الأكثر تهديدًا لبلدانهم.
كذلك، لم يوقف مسار التطبيع مسيرةَ العمل المقاوم في فلسطين، بل إنّ العمل المقاوم اكتسب مزيدًا من الزخم، وقد أظهرت معطيات إسرائيلية تصاعد عمليات المقاومة عام 2022، إذ وفق أرقام "الشاباك" وقعت 285 عملية إطلاق نار في الضفة الغربية، أسفرت عن مقتل 31 مستوطنًا وجنديًا، مقابل 61 عملية عام 2021، أسفرت عن مقتل 4 مستوطنين وجنود، و31 عملية عام 2020 أوقعت 3 قتلى، و19 عملية عام 2019 أوقعت 5 قتلى.
ويستمر العمل المقاوم منذ بداية عام 2023، حيث سُجّل ما يزيد على 400 عمل منذ بداية عام 2023، ما بين إطلاق نار، وعبوات ناسفة، وطعن، وإلقاء حجارة وزجاجات حارقة، ومواجهات مع الاحتلال ومستوطنيه، وغيرها؛ وهي أعمال مرجّحة للاستمرار بل والتصاعد، حتى وإن استمرّ التطبيع، في ظلّ ما تشهده الأراضي المحتلّة من هجمة إسرائيلية وتصعيد في العدوان.