شبكة قدس الإخبارية

صراع الأدمغة بين المقاومة والاحتلال... التجنيد والتجنيد المضاد

piixR
هيئة التحرير

غزة - خاص قدس الإخبارية: في 27 سبتمبر 2021 كشفت المقاومة الفلسطينية عن اسم وصورة رئيس جهاز أمن الاحتلال العام المعروف اختصارًا باسم "الشاباك"، استباقاً للإعلان الرسمي عنه من قبل الاحتلال الإسرائيلي بصورة علنية.

وشكل تسريب المقاومة الفلسطينية لهوية "رونين بار" رئيس الشاباك الجديد في حينه للاحتلال إحراجًا للمؤسسة الأمنية في صراع العقول الدائر مع المقاومة الفلسطينية، لا سيما مع فارق الإمكانيات التقنية والتكنولوجية بين الاحتلال والمقاومة.

مشهد الإفصاح عن هوية رئيس الشاباك من قبل المقاومة جاء بعد سلسلة من النجاحات التي حققتها المقاومة الفلسطينية فيما يتعلق بملف "صراع العقول" الدائر بين الأذرع الاستخباراتية والأمنية لقوى المقاومة ووحدات الاحتلال الأمنية والتجسسية.

وليس ببعيد عن هذا المشهد، فقد كشف المقاومة سابقاً عن عمليتي "سراب" و "بيت العنكبوت" التي نفذتها كل من كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس وسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في الفترة ما بين 2018 إلى 2019.

وكان لافتًا في هذه العمليتين استخدام المقاومة الفلسطينية، أسلوب العميل المزدوج في تمرير معلومات مغلوطة على الاحتلال الإسرائيلي خلال سعيه لاستهداف منظومة الصواريخ متوسطة المدى وبعيدة المدى على مدار تلك الفترة.

ونجحت المقاومة بالرغم من الإمكانيات البسيطة والمسح الجوي والأمني الكامل من قبل الاحتلال في خطتها ووجهت ضربة ناجحة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، فيما استخدمت الصواريخ التي سعى الاحتلال لتفخيخها في قصف المدن المحتلة.

اليوم، يعود الاحتلال للحديث عبر صحيفة يديعوت أحرونوت عن قيام أجهزة أمن المقاومة، في حركة حماس، بمحاولة اختراق جهاز "الشاباك" عبر أسير تم اعتقاله خلال مروره للعمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948 خلال الفترة الماضية.

ويعد الشهيد عبد المنعم أبو حميد أول عميل مزدوج بالنسبة لكتائب القسام حيث بدأ التخطيط للعملية حين اقتحمت قوات الاحتلال منزله في السادس عشر من شهر كانون الاول عام 1993، وحينها اعتقل الاحتلال عبد المنعم وأحاله إلى التحقيق.

وأشرف على جلسات التحقيق ضابط "رفيع" في المخابرات يدعى نوعيم كوهين، وهو منسق نشاطات "الشاباك" في رام الله في الضفة الغربية، وكان يلقّب "بوحش الاسقاط" لكثرة تجنيده للعملاء، إلا أن كتائب القسّام أسقطته في كمينها المحكم حيث نجح عبد المنعم بإيهامه بأنه مستعد للتعاون مع "الشاباك"، فأُطلق سراحه بذريعة أنه "لم تتوفر أدلة كافية لإدانته"، وعاد عبد المنعم الى الكتائب لتنسيق الخطوات القادمة وليكون أول عميل مزدوج في تاريخ "القسّام".

وضع القسام خطة الاغتيال التي كانت تضمن أن يتصل الشهيد بالضابط ليخبره عن معلومات حول تواجد مجموعة من كتائب القسام في منطقة محدّدة، وأنه عليه الاجتماع به لوضع مخطط استهدافهم. وبالفعل التقى الاثنان وطلب الشهيد عبد المنعم من كوهين مبلغا كبيرا من المال جراء معلوماته القيمة - اشترى به لاحقا المسدس الذي قتل به الضابط - فأعطاه كوهين المبلغ، واتفقا على موعد لاحق في منطقة بيتونيا في رام الله.

وفي 13 -2 -1994، كان الشهيد عبد المنعم إلى جانب كوهين في المقعد الخلفي للسيارة التي يقودها في الأمام نائبي الضابط الإسرائيلي. وعند ركن السيارة في النقطة المحددة سابقاً نزل عبد المنعم منها ومشى خطوات مبتعداً، وأخرج مسدسه وفتح النار على الاسرائيليين الثلاث بشكل مباغت، ثم انبطح أرضاً ليترك المقاومين الآخرين من القسّام لاطلاق النار بدورهم وفق خطة كمين الكتائب المدبّرة سابقاً، ما أدى الى تحقيق الهدف بقتل كوهين، وانسحاب المقاومين.

أما الواقعة الثانية فكانت عملية اغتيال ضابط في الوحدة 504 التابعة لاستخبارات جيش الاحتلال، والذي يعتبر أكبر مجند للعملاء، يدعى "يهودا أدري"، حيث تم تصفيته من قبل الشهيد حسن سعيد أحمد أبو شعيرة من مخيم العزة في بيت لحم.

"أدري" حاول تجنيد الشهيد أبو شعيرة في نوفمبر 2000 واجتمع معه 9 مرات، وقال "أدري" في تقاريره إن الشهيد أبو شعيرة كان من الواضح أنه يخفي معلومات كبيرة ولا يريد إعطاءها لهم مما أثار الشكوك لدى "ادري" وأخضعه لجهاز فحص الكذب.

وفي التفاصيل، فإنّ أبو شعيرة كان على موعد مع ضابط الاستخبارات ” ايهودا ادري"، فذهب مشيًا على الأقدام إلى الشارع الرئيسي المسمى بشارع الانفاق وكان بحوزته مسدس، حيث كانت تنتظره سيارة "فان" صفراء اللون على جانب الطريق، وما أن وصل السيارة حتى أطلق الرصاص على الضابط والسائق الذي كان بجانبه. فقُتل الضابط وأصيب الآخر بجروح خطرة.

نماذج وأساليب

إن المتتبع لتطور العمل الأمني المقاوم يجد أن الفترة التي أعقبت انتفاضة الأقصى شهدت تطورًا لافتاً في عمل قوى المقاومة فبعد أن كان الأمر في السابق يتم في تنفيذ عمليات اغتيال لبعض ضباط الشاباك أو التخلص من مراقبتهم، تحول الأمر إلى وجود بنية أمنية تحتية للمقاومة.

ومنذ عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، أصبح الحديث عن حرب العقول يتزايد في الأوساط الفلسطينية المحلية، مرورًا بعملية تسليمه وما رافقها من عملية أمنية، إضافة إلى عمليات الأسر التي جرت لاحقًا في حرب عام 2014.

غير أن عملية حد السيف التي شهدت فشلاً استخباراتياً إسرائيلياً هو الأكبر عام 2018 شكلت نقلة نوعية بالنسبة للمقاومة الفلسطينية مع نجاحها في إحباط مهمة القوة والولوج إلى شبكتها الخاصة والسيطرة على كامل التفاصيل المتعلقة بوحدة "سيرت متكال" وغيرها من المعلومات المتعلقة بها.

وعززت هذه العملية ثقة الفلسطينيين بأنفسهم وقدرتهم على اختراق العقل الأمني الإسرائيلي وتوجيه ضربات نوعية قادرة من خلالها على تنفيذ هجمات عسكرية لاحقاً تؤلم الاحتلال الإسرائيلي أو تنجح من خلالها في حماية بعض الشخصيات من الاغتيال.

وجاءت معركة سيف القدس عام 2021 لتكشف عن وحدة "السايبر" التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية وما تمتلكه من قدرتها في توجيه ضربات نوعية للجبهة الداخلية الإسرائيلية عبر إرباك عمل القبة الحديدية أو التحكم في التيار الكهربائي.

ولم يتوقف الأمر بالنسبة للمقاومة عند هذا الحد إذ أفصح الاحتلال في عدة مناسبات عما يعرف بـ "حسناوات حماس" أو "التطبيقات الذكية" وهو أسلوب اعتمدته المقاومة من أجل التجسس على الجنود وجمع المعلومات بأنماط وأدوات جديدة لم تكن معتادة.

عمل تراكمي.. أدوات ووسائل

في السياق، يقول الباحث والمختص في الشأن الأمني إسلام شهوان إن المقاومة الفلسطينية تعمل منذ سنوات في مجال مراكمة العمل الأمني عبر أدوات عدة، حيث سبق وأن نجحت في اختراق شبكة الاتصالات الخاصة بالاحتلال الإسرائيلي.

وبحسب حديث شهوان لـ "شبكة قدس" فإن المقاومة تريد الحصول على معلومات درجة تصنيفها إما "خطيرة" أو "سرية للغاية" أو ذات حساسية عالية، وبالتالي فهي تسعى لتسجيل نقاط في مرمى الاحتلال عبر العمل الأمني والاستخباري.

ويرى الباحث والمختص في الشأن الأمني أن ملف تجنيد العملاء المزدوجين بالنسبة للمقاومة هو "سلاح" ذو حدين، غير أن الشواهد أثبتت نجاح المقاومة عبر هذه التجربة في جلب الكثير من المعلومات في مقابل تمرير معلومات مضللة على ضباط الأمن الإسرائيليين.

ويستكمل: "المقاومة تريد من خلال ما يجري الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات وأن تطلع على خطط الاحتلال والمعلومات المتعلقة بعمليات الاغتيال، لا سيما وأنها سبق وأن حصلت على كنز متعلق بقائمة أسماء نشطاء معدين للاغتيال في الضفة أو قطاع غزة وكان لذلك الأثر الكبير في حماية هذه الشخصيات".

ويشير شهوان إلى أن المقاومة تريد إيصال رسائل للاحتلال أن في جعبتها من الأدوات والوسائل الاستخباراتية ما يجعلها تكون ندًا له في الحصول على المعلومات وفيما يخص "حرب العقول"، وبالتالي فإن الإفصاح عن "وحدة السايبر" و "جيش القدس الإلكتروني" بمثابة شواهد على العمل الاستخباري المقاوم.

ويشدد الباحث في الشأن الأمني على أن هناك نقلة نوعية من قبل المقاومة الفلسطينية فيما يخص حرب الأدمغة واختراق الحواسيب والهواتف الذكية الخاصة بجنود جيش الاحتلال، إضافة لعمليات الاختراق التي تم تنفيذها لأجهزة الاحتلال والشاباك ومنظومة الاتصال الخاصة بالكتائب العاملة على حدود غزة.

تفسير وقراءة.. لماذا أفصح الاحتلال

من جانبه، يقول المختص في المجال الأمني أيمن الرفاتي إن هناك تشكيكا في الرواية الإسرائيلية حاليًا فيما يخص تجنيد المقاومة الفلسطينية لأحد العمال، كونها تندرج ضمن مجموعة من التسريبات التي عمل الاحتلال على نشرها في الفترة الأخيرة.

ويوضح الرفاتي لـ "شبكة قدس" أن الاحتلال الإسرائيلي بتكراره للتسريبات المتعلقة بهذا الملف في الفترة الأخيرة يريد أن يردع المقاومة عن محاولة اللجوء لمثل هذا الأسلوب، في الوقت الذي يواجه هو مشكلة حقيقية فيما يخص تجنيد العملاء.

ويضيف: "حرب العقول بين المقاومة والاحتلال لم تتوقف خلال العقود الماضية، إذ أن المقاومة تستخدم كافة الأدوات والوسائل من أجل الوصول إلى المعلومات أو حتى تسجيل نجاحات تؤدي إلى إرباك الخطط الأمنية للمنظومة الإسرائيلية.

وبحسب الرفاتي فإن قدرة المقاومة الفلسطينية التي نجحت في تحصين الحاضنة الشعبية أثر على عمل جهاز أمن الاحتلال الشاباك داخل القطاع، بالتزامن مع استمرار الصراع الأمني بشكل متواصل بين أذرع المقاومة والأذرع الأمنية الإسرائيلية.

ويشير إلى أن وجود أمنية لدى المقاومة يمنحها قوة وتحصين دائم وللمجتمع الفلسطيني ويشكل إحباط للاحتلال الذي يسعى لاختراق الشعب الفلسطيني ومقاومته، لا سيما وأن المقاومة نجحت تاريخياً في توجيه ضربات نوعية للمنظومة الأمنية الإسرائيلية.

#المقاومة #صراع_العقول