شبكة قدس الإخبارية

انتشار عمليات المقاومة بالضفة وتأثيرها على تمركز وانتشار جيش الاحتلال

bkIEd
رامي أبو زبيدة

تدلل الأرقام والإحصاءات على ارتفاع قياسي في عمليات المقاومة، في أشكالها المتعدّدة، ولا سيّما عمليات إطلاق النار على قوات العدو، فخلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي شهدت الضفة المحتلة 833 عملا مقاوما؛ تنوعت بين إلقاء الحجارة والطعن أو محاولة الطعن والدعس بالسيارات وإطلاق النار وزرع أو إلقاء العبوات الناسفة.

نحن أمام مقاومة تواصل انتشارها بما مكنهم الله فيه من عدد وسلاح مستخدمين أسلوب حرب العصابات التي تضرب الاحتلال وتسعى للنكاية المستمرة فيه من أجل إضعافه في الوقت الذي تسعى لتقوية نفسها من خلال توحيد جهد أفرادها المنتشرين هنا وهناك.

الغاية التي تحققها عمليات المقاومة في العدو أن تزرع الرعب في قلوب جنوده ومستوطنيه وتفقده السيطرة على الأرض، فأي مجموعات عسكرية تكون عادة في مراحل تأسيسها الأولى قليلة العدد خفيفة التسليح ضعيفة الارتباط والتنظيم وهذه الصفات كلها تمنعها من المنازلة القوية في معارك حاسمة، فدخول مجموعات المقاومة في صدامات مباشرة مع جيش العدو المنظم القوي قد يعرضها لخسائر كبيرة هي في غنى عنها في هذه المرحلة.

لنجاح المقاومة بالضفة الغربية يتطلب منها الاعتماد على الانتشار والاختفاء وعلى اللسع في أماكن متفرقة حتى توصِل الاحتلال إلى حالةٍ من الإجهاد والنزيف على امتداد جغرافية الضفة.

فرضت عمليات المقاومة الأخيرة على الاحتلال أن يعيد انتشار قواته الأمنية وحجمها من جيش الاحتلال في الضفة الغربية وحتى شرطة الاحتلال وحرس الحدود في القدس، وهو أكبر انتشار منذ سنوات طويلة، حوالي 25 كتيبة للجيش الإسرائيلي تنتشر في منطقة الضفة الغربية، معزّزة أيضاً بـ "وحدة جدعون" التابعة للشرطة ووحدة "كيدون" التي تنسق مع الموساد. وفي الحالات الضرورية يستقدم الجيش وحدة "سييرت متكال" وهناك الفرقة 98 (فرقة مشاة احتياطية) التي تلعب دوراً في حالات الطوارئ. وقد أدخل الاحتلال المسيرات كسلاح جديد في الضفة الغربية التي شاركت في العمليات العدوانية الأخيرة خاصة نابلس.

وفقًا لتحليل سابق أجراه مركز الفكر الإسرائيلي مولاد عام 2017، ينشر جيش الاحتلال الإسرائيلي من 50% إلى 75% من قواته النشطة في الضفة الغربية، بينما يتعامل ثلثها فقط مع الدول العربية وإيران وحزب الله وغزة والتهديدات الخارجية الأخرى، 80% من القوات المنتشرة بالضفة للحفاظ على أمن المستوطنات، بينما 20% تعالج التهديدات الأمنية المتعلقة بالمقاومة.

وإذا علمنا أن مساحة الضفة الغربية تشكل ما يقارب 21% من مساحة فلسطين التاريخية (من النهر إلى البحر)، أي حوالي 5860 كلم2، يستغل الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر نسبة 76 بالمئة من مجمل المساحة المصنفة (ج) التي تمثل 30 بالمئة من إجمالي مساحة الضفة الغربية المحتلة، وتبلغ المساحات المصادرة لأغراض عسكرية حوالي 18 بالمئة من مساحة الضفة، ويبلغ عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية بنهاية عام 2020 في الضفة الغربية، 471 موقعا، بينها 151 مستعمرة و26 بؤرة مأهولة، وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) هناك 522 حاجزًا تعرقل حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ إضافة إلى 495 حاجزًا طيارًا في المتوسط شهريًا.

من المعلومات السابقة فإن الحل الأمثل لإضعاف وحدات وقوات الاحتلال بالضفة الغربية، هو أن تقوم المقاومة بإيقاع العدو في "مصيدة التمركز والانتشار"، حيث تستطيع المقاومة بمجموعات صغيرة العدد مهاجمة المواقع والحواجز والبؤر الاستيطانية، تهاجم هنا وهنا وهنا فتكون عملياتها منتشرة، فالعدو يشعر أن مراكزه الصغيرة ضعيفة وفيها أعداد بسيطة، فيقوم بإفراغ المراكز الكبيرة من القوات وتوزيعها بشكل واسع على امتداد جغرافية الضفة؛ لأنه يشعر أنه لا يسيطر.

فينشر قواته في كل مكان، فإذا نشر قواته في كل الضفة من أجل السيطرة ستجد أن عدد القوة في المكان الواحد بسيط، فإذا كان عنده مئة ألف شخص نشرهم على ألف موقع فعنده مئة شخص في الموقع، بينما لو نشر مئة ألف شخص في مئة موقع يكون عنده ألف شخص في الموقع.

فالاحتلال عندما ينتشر يفقد القوة في كل مركز لوحده، ويكون أمامه أحد خيارين إما يجمع القوات في مراكز قليلة حتى تكون قوية، فيفقد السيطرة، أو ينشرها في كامل الضفة فيفقد القوة، فإذا جمع القوات في مراكز أساسية تصبح المسافة بين كل مركز وكل مركز آخر مسافة طويلة ليست فيها قوات للعدو. فهو إذا انتشر يفقد القوة وإذا تمركز حتى يكسب القوة يفقد السيطرة.

المطلوب دعم كل جهد مقاوم بالضفة الغربية حتى تستطيع أن تلعب على إيقاع العدو في هذه المشكلة؛ أنه إما يفقد القوة لصالح السيطرة أو يفقد السيطرة لصالح القوة، فعندما يقوم الاحتلال بإنزال القوات من مراكزه وقواعده الأساسية حتى يسيطر على البلد، فهنا المقاومة تستفيد نقطتين:

• النقطة الأولى: أن العدو حتى يسيطر يتحرك كثيراً، والتحرك يضعفه وهي نقطة ضعف القوات العسكرية، فتقوم بعمليات الكمائن والإغارة.

• النقطة الثانية: أن المراكز الأساسية والقواعد التي فيها السلاح والذخيرة أصبحت الأعداد الفردية فيها قليلة، فتستطيع أن تهاجم مراكز فيها أعداد قليلة.

لذلك نجد العديد من التقارير الإسرائيلية تحذّر، من أن الجيش الإسرائيلي ليس مستعدًّا كما هو مطلوب لاستمرار القتال في الضفة الغربية. ووفق الموقع الإلكتروني للقطاع الديني /سيروج/، فقد تم نشر تقرير لمراقب الدولة العبرية، ماتنياهو إنجلمان، على خلفية التوترات الأمنية في الأسابيع الأخيرة واستمرار عملية "كاسر الأمواج".

وحذّر التقرير من أن "الجيش الإسرائيلي ليس مستعدًا بما فيه الكفاية من الناحية اللوجستية، من أجل استمرار القتال في الضفة الغربية"، مطالبًا بـ "فحص الحاجة إلى تحسين غلافه اللوجستي، للجنود النظاميين والاحتياطيين في الضفة الغربية".

ويُجمع المسؤولون الإسرائيليون على أنّ الضفة الغربية تشكل خطراً وتحدياً كبيراً أمام الاحتلال، في ظل تزايد العمليات الفلسطينية، والإرادة الشعبية لمناهضة الاحتلال، والدعوات المستمرة إليها.

اليوم المقاومة بالضفة تستمر بخصائص ووسائل مختلفة، فعمليات المقاومة الفردية غير المنظّمة أو شبه المنظمة وتشكيل الكتائب والوحدات في تطور متصاعد، هذا التطور يصحبه توجيه مكثف بالخبرات الأمنية والعسكرية من المقاومة الفلسطينية بغزة، هذا التوجيه مدروس بمتطلبات المرحلة ونواقصها فمن شأنه أن يرفع من كفاءة المقاوم الفرد، ومن حسّه الأمني ووعيه العسكري، وحسن اختياره للأهداف، وصولاً إلى التطور من الخلية الفرد إلى الخلية المكونة من عدة أفراد وهذا بدأ في العمليات الأخيرة.

ولك أن نتخيّل لو تشكلت في كل مدينة وقرية عدة خلايا صغيرة منفصلة بعيدة عن التسلسل الهرمي التنظيمي، حيث ستشكّل ضامناً لاستمرار المقاومة بفاعلية تضرب أهدافاً محددة ومجدية، ولن يشكل انكشاف أحدها أو بعضها انهياراً لبقية الخلايا والمجموعات.

لذلك يحتاج المقاوم هنا إلى تدريب والتركيز على أن يستخدم القوة الذهنية والقوة البدنية بشكلٍ مرتفع عشرة أضعاف الجندي النظامي، فالجندي النظامي يعتمد على التكنولوجيا، ويعتمد على الإمداد، ويعتمد على الخدمات اللوجستية الكثيرة جداً، فالجندي فيها متعود على التعليمات والأوامر العسكرية.  

التكتيك الأساسي الذي يجب أن يتبع في حالة المقاومة بالضفة الغربية هو استنزاف العدو من خلال العمليات المتنوعة والمنتشرة في نقاط مختلفة ممتدة وتعزيز دور المطاردين وحمايتهم، هذه الحالة ستعمل على تقويض القوة العسكرية للعدو عبرَ استنزافِ مقدراتها وإيقاعها في مصيدة التمركز والانتشار، من خلال جرهم إلى دائرةٍ مفرغة من المواجهات المتقطعة، فالقاعدة العسكرية تقول أرهق عدوك بالهجمات المتكررة إذا كانت قواته مستريحة، واعمل على تجزئته إذا كان موحداً، وهاجم عندما يكون عدوك أقل استعداداً، وبادر بالعمل في الوقت الذي لا يتوقعه منك عدوك.