شبكة قدس الإخبارية

اغتيال تامر الكيلاني.. كيف يمكن قراءة عدم الاعتراف الإسرائيلي بالمسؤولية عن العملية؟

312595859_1080174809338847_2429482788034637645_n

فلسطين المحتلة - شبكة قُدس: اغتال الاحتلال الإسرائيلي، المطارد القيادي في عرين الأسود تامر الكيلاني، بتفجير عن بعد، لكن المستوى الرسمي لدى الاحتلال لم يعلن مسؤوليته عن العملية، وهو ما أثار جدلا ونقاشا واسعين حول الأسباب التي تدفع الاحتلال لعدم نسب الفعل لنفسه، رغم أنه بحاجة لمثل هذا الإعلان خاصة بعد تزايد عمليات عرين الأسود في الآونة الأخيرة، وتحول المجموعة لرمز مشترك لدى الفلسطينيين والمستوطنين.

يشير مركز الحارس للبحوث إلى أن الأسابيع الماضية نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية تقارير عدة عن عرين الأسود، اهتمت بالمجموعة كتشكيل عسكري تمكن من تنفيذ عدة عمليات في فترة زمنية قياسية، توجت بمقتل جندي من جيش الاحتلال في 11 أكتوبر الجاري، وكظاهرة قادرة على حشد الجماهير وتوجيهها والتأثير فيها، ولم تخلو التقارير من تخوفات من امتداد الظاهرة إلى مدن وبلدات أخرى في الضفة الغربية.

لا بد من التوضيح أن الاحتلال لا يعلن عن مسؤوليته عن عمليات الاغتيال التي قد تسبب انتقاما مباشرا أو سريعا تحديدا إذا ما كان لا ينوي البدء في عدوان واسع، وبالتالي يبقي مخرجا للعدو بعدم القيام برد سريع أو يعفيه حتى من مسؤولية الرد، وأيضا العمليات التي قد تسبب أزمة سياسية أو دبلوماسية خاصة إذا كانت في دولة أخرى، وكذلك العمليات التي قد تترتب عليها ردة فعل شعبية واسعة، بالإضافة إلى العمليات التي يستخدم فيها أساليب جديدة أو خروجا عن السياسة الدراجة في تلك الساحة.

بناء على ما سبق، يمكن الافتراض أن الإعلان المباشر من الاحتلال يترتب عليه رد فعل عسكري سريع، وأيضا ردة فعل شعبية واسعة، وكذلك فهو يمثل خروجا عن سياسة الاغتيالات المعتادة في الضفة الغربية منذ نهاية الانتفاضة الثانية، وقد تكون الأدوات المستخدمة جديدة، بمعنى لم تستخدم منذ فترة طويلة في هذه الساحة. بناء على ذلك يرى مركز الحارس للبحوث أن أسبابا تقليدية عدة توفرت دفعت باتجاه عدم الإعلان المباشر.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة، ما هي الظروف المحيطة بالاغتيال؟ ولماذا بهذا الشكل؟.. يوضح مركز الحارس للبحوث في هذا السياق أن مقتل الجندي في جيش الاحتلال قرب نابلس في 11 أكتوبر الجاري أدى إلى زيادة الانتقادات الداخلية بين التيارات السياسية لدى الاحتلال، في فترة يبدو الخطاب فيها محكوما بجو الانتخابات التي من المقرر إجراؤها مطلع الشهر القادم، وعدم الرد الإسرائيلي على العملية كان بمثابة ثغرة بالنسبة للأحزاب الحاكمة لدى الاحتلال، ولذلك كان الرد فعلا ضروريا في السياق الداخلي.

وتأتي عملية الاغتيال في ظل الخطاب الذي تقوده السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بمجموعة عرين الأسود، ومحاولتها إقناع المجموعة بتسليم السلاح، تحت شعار أن الاحتلال قرر القضاء عليها بكل الطرق، وأن السلطة تقود جهدا للحفاظ على هؤلاء المقاتلين من الاغتيال، وتأتي هذه العملية في سياق تعزيز خطاب السلطة الموجه للمقاتلين المنضوين في إطار مجموعة عرين الأسود، وبهدف التأكيد على المحاذير التي تطلقها السلطة في الرسائل التي توجهها لمقاتلي العرين، في ضوء فشلها نسبيا في احتواء المجموعة. يفترض الاحتلال أن مثل هذه العملية قد تؤتي ثمارها في جهود السلطة التي تقودها ضد العرين.

ويشير مركز الحارس للبحوث إلى أن هذه العملية جاءت في فترة سياسية حساسة لدى الاحتلال، وقبل الانتخابات الإسرائيلية، فإلى جانب كونها ضرورة في مواجهة الانتقادات الداخلية، تمثل العملية هروبا من خيار العدوان الواسع قبل الانتخابات، والذي قد تكون له ارتدادات شعبية واسعة وكذلك عسكرية من طرف المقاومة الفلسطينية، وهذا من شأنه أن يؤثر على حظوظ الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي الحالي لدى الاحتلال، وبالتالي فإن العملية لا تعبر عن روح المبادرة كما يحاول الإعلام الإسرائيلي تسويقها، وإنما الهروب من العدوان الواسع كخيار مطروح بقوة في الخطاب الداخلي الإسرائيلي.

ويوضح مركز الحارس أن الاحتلال الإسرائيلي استغل الحادث العرضي الذي وقع قبل أيام في البلدة القديمة بنابلس، والذي أدى لإصابة عدد من مقاتلي العرين خلال تجهيزهم لعبوة ناسفة، فقام بتنفيذ عملية الاغتيال من خلال انفجار موجه عن بعد، مفترضا أن النقاش الفلسطيني سيرتكز بالأساس على الحدث الذي وقع قبل أيام. لكنه في الوقت ذاته سرب معلومات عن الدور المقاوم للشهيد الكيلاني للإعلام الإسرائيلي ليؤكد على أنه كان هدفا مهما له، وهو ما يعني أنه المسؤول عن العملية، وهذا خطاب موجه للداخل الإسرائيلي، خاصة وأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تبنت مصطلح “اغتيال” في الصباح، على عكس تغطيتها في ساعات الليل، حتى وإن نسبت التفاصيل في الحالتين للفلسطينيين.

ويلفت مركز الحارس إلى أن الإعلام الإسرائيلي حاول تصوير عملية الاغتيال على أنها تحول “شجاع” لدى الاحتلال في التعامل مع مجموعات المقاومة بالضفة الغربية، لكن القراءة المستندة لما سبق من المعطيات تؤكد أن العملية هروب من خيارات أخرى، وكانت مكيفة بالشكل الذي يخفف من ردة فعل الفلسطينيين في مقابل تعزيز خطاب القوة داخليا لدى أحزاب الاحتلال المشاركة في الحكومة، وما يعزز هذا الافتراض تصريح وزير جيش الاحتلال بعد عملية الاغتيال بأن “لا حاجة لعملية واسعة في الضفة الغربية”، وعدم الإعلان الإسرائيلي هو اعتراف ضمني بقوة المحاذير التي يتعامل على أساسها الاحتلال في مواجهة مجموعات المقاومة في الضفة الغربية.