يعتبر موقع التواصل الاجتماعي الشهير " تيك توك" أحدث مواقع التواصل الاجتماعي -الكبيرة- من حيث النشأة، وأسرعها انتشاراً اليوم، خاصة بين فئة الشباب، لعدة أسباب لعل أهمها هو سهولة إنشاء محتواه، حيث لا يتطلب إلا وجود هاتف ذكي، تلتقط من خلاله مقطع مصوّر، ثم يقوم التطبيق بعرض ميزات على المستخدم لرفع جودة المقطع المصوّر الذي التقطه، عبر إضافة مؤثرات صوتية وبصرية تساعد في تحسين هذا المقطع ليظهر بصورة أفضل ويكون قابلاً للانتشار الواسع والتداول الكبير؛ إضافة لميزة تقنية ينفرد بها الموقع عن كل مواقع التواصل الاجتماعي "حسب عدد من المختصين" فالخوارزميات التي يعمل بموجبها التطبيق تركز على إظهار المحتوى للناس المهتمين به دون اشتراط الصداقة أو المتابعة على نفس الحساب ودون اعتبار للمكان الجغرافي الموجود به المستخدم أو المتلقي، وهذا يتيح انتشار رهيب لمقاطعه بسرعة كبيرة.
ويعتبر التطبيق من أكثر التطبيقات التي تجذب جيل الشباب حيث أن دراسة حديثة أكدت أن أكثر متابعي التطبيق هم الأجيال بين " 13 سنوات إلى ٢٥ سنة "، وهناك نسبة كبيرة من الجيل الأصغر، رغم عدم مشروعية هذا الأمر على الأقل بشكلٍ رسمي، وهذا يؤكد على نجاح التطبيق في جذب هذه الشريحة العمرية المهمة في المجتمعات، التي تعتبر مرحلة غرس الوعي والتأثير وتحديد توجه الأجيال والشباب.
إن استغلال كل وسائل الإعلام المتاحة وخاصة الإعلام الاجتماعي هو ضرورة في واقعنا الفلسطيني المقاوم، كساحة ضرورية ومهمة لمواجهة رواية الاحتلال "الإسرائيلي" التي يعتمد فيها التضليل والخداع لكسب معركة الرأي العام وتضليل الشعوب في هذه المساحة المهمة والمؤثرة، ويعتمد في ذلك على ما يملك من ماكنة إعلامية كبيرة.
لقد نجح الشباب الفلسطيني باستثمار هذه المساحة البسيطة والمؤثرة المتوفرة لديه، لإيصال رسالته في اتجاهين مهمين بتقديري وقد كان ذلك على النحو التالي:
الأول.. استخدم الشباب الفلسطيني التطبيق في توجيه الجمهور داخلياً وخاصة الشباب للقضايا الوطنية المهمة، من حيث إبراز أهمية دور المقاومة وجدواها لاستعادة حقوقنا وردع الاحتلال، وضرورة التمسك بثوابت القضية الفلسطينية والتعريف بها خاصة لجيل الشباب واعادة ترتيب أولوياته، وصولاً لتعريف الشباب بالمقاومين ومآثرهم وبطولاتهم فأصبحوا مصدر إلهام للشباب عبر ترميزهم في وعي الشباب الفلسطيني ثم كل حر يهتم بقضية فلسطين.
الثانية.. مخاطبة العالم بالرواية الفلسطينية لإيصال صوت الفلسطيني بكل الأشكال الإعلامية والفنية، عبر هذه المساحة المتاحة، وإظهار حقه بالمقاومة والدفاع عن نفسه ووطنه، وتكذيب رواية الاحتلال لكسب معركتي الرأي العام والوعي أمام ما يبذله الاحتلال في هذا الاتجاه وقد ظهر هذا جليا في الإسناد الإعلامي الكبير الذي حظيت به المقاومة في معركة سيف القدس في مايو ٢٠٢١ الأمر الذي انعكس على رواية الاحتلال بالسلب في وجه الرواية الفلسطينية.
وهذا يدفعنا كفلسطينيين للضرورة الاهتمام بهذه المواقع واستثمارها رسميا وشعبيا بما يخدم قضيتنا، ورفد الشباب الوطني المؤثر عبرها بكل وسائل الدعم والإسناد لإيصال صوته لأوسع مدى في وجه رواية الاحتلال.
لقد بات الاحتلال اليوم يدق ناقوس الخطر من تأثير هذه المواقع في استنهاض الحالة الثورية الفلسطينية، خاصة في الداخل المحتل والقدس والضفة، ويشكو من قدرتها على تكذيب روايته وإظهار الرواية الفلسطينية كراوية صادقة.
والامثلة كبيرة لا تحصر التي تم توثيقها على سبيل المثال في معركة سيف القدس وحالات التصدي للاحتلال في القدس ونابلس وجنين وباقي مدن الضفة.
ولعل أحدث هذه الأمثلة هو استهداف الشهيد محمد سباعنة بتاريخ ٦ ايلول خلال تنفيذ الاحتلال هدم منزل الشهيد رعد حازم في جنين، حيث تم استهدافه برصاص قناص اثناء قيامه بنقل الأحداث ببث مباشر عبر حسابه على موقع " تيك توك" حيث كان يشاهد هذا البث المباشر ما يزيد عن ١٥.٠٠٠ مشاهد في ذات اللحظة، وهو رقم كبير بالنسبة لحساب شخصي، لا حساب اخباري أو وكالة إعلامية مشهورة، وهذا بتقديري هام جدا في فضح رواية العدو وتعزيز حضور الرواية الفلسطينية.
لذلك يجتهد الإعلام العبري وأجهزة الأمن التابعة للاحتلال للتحذير من هذه المساحات الإعلامية المهمة، التي باتت إحدى وسائل الشباب الفلسطيني في نشر كل ما يعزز من حضور الرواية الفلسطينية كساحة مهمة وضرورية لمواجهة الاحتلال لا تقل أهميتها عن أهمية المقاتل الذي يتصدى في ميدان المواجهة.