غزة - خاص قدس الإخبارية: في شهر نيسان/أبريل 2022 خرج رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار بخطاب وعد فيه بتدشين ممر بحري يؤدي إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة وهو ما يعني إعادة ربطه بالعالم وتعزيز تجارته الخارجية.
ووفقًا لتصريحات السنوار في حينه فإن هذا الملف سيتم العمل بالتنسيق مع الحلفاء مع أسماه "محور القدس" دون أن يوضح آليات العمل والتفاصيل المتعلقة به والطريقة التي سيتم من خلالها تدشين الممر البحري الخاص بغزة.
وظل هذا الملف لمدة 5 أشهر دون حراك، قبل أن تدعو الفصائل الفلسطينية لفعالية بحرية بشكل مفاجئ تخللها تسيير طائرات مسيرة من طراز شهاب "الانتحارية" إلى جانب تهديدات فصائلية معلنة بحق الفلسطينيين في الغاز والممر البحري والاستعداد لحماية هذا الحق بالنار.
ويربط مراقبون بين تحرك الفصائل الفلسطينية أخيرًا وبين زيارة وفد حركة حماس إلى العاصمة الروسية "موسكو"، كون الملف كان حاضرًا ضمن الملفات التي طرحت على أجندة اللقاءات التي عقدت بين وفد الحركة المسؤولين الروس.
ورغم أن الفصائل لم تعلن الأدوات والوسائل التي ستستخدم للتحرك في هذا الملف خلال الفترة المقبلة، إلا أنها تلوح بكل الخيارات من أجل انتزاع مكاسب ملموسة للفلسطينيين فيه توقف حالة السرقة المتواصلة من قبل الاحتلال لحقول الغاز في البحر المتوسط.
ويبدو أن الفصائل قد تعتمد نهج "التخريب" و "المشاغلة" البحرية لحقول الغاز المسيطر عليها إسرائيليًا خلال الفترة المقبلة بالاعتماد على منظومة الطائرات المتوفرة لديها وبعض القدرات العسكرية الأخرى، سيما وأنها نجحت سابقًا في تعطيل عمل حقل تامار 12 يومًا في مايو/2021.
رؤية اقتصادية.. غاز غزة كنز مدفون
من جانبه، يقول الصحفي والباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر إن غاز غزة يعتبر أولى الحقول المكتشفة في منطقة شرق البحر المتوسط في الوقت الذي يحرم منه سكان غزة رغم أنه كفيل بحل أغلب مشاكلهم الاقتصادية.
ويوضح أبو قمر لـ "شبكة قدس" أن المسح الجيولوجي القديم يقدر الاحتياطات بأكثر من 1.3 تريليون قدم مكعب بحجم استثمارات تفوق 6 مليارات دولار مع الإشارة إلى أن التنقيب والاستثمارات ستظهر كميات أكبر فيما لو ذلك.
ويلفت إلى أن مبلغ 6 مليار دولار من شأنه أن يسد ديون الخزينة العامة الفلسطينية وأن ينهي أزمة الكهرباء في غزة، إلى جانب التبعات الاقتصادية غير المباشرة التي سيستفيد منها الفلسطينيين في قطاع غزة من استخراج الغاز تتمثل بأرقام ايجابية على صعيد البطالة والفقر والميزان التجاري وغيرها.
ويردف أبو قمر قائلاً: "الاتفاقية القديمة المتعلقة بحقول غزة مجحفة بحق الفلسطينيين ويشوبها الفساد وتمنح الجهات المنقبة أرباحا أكثر مما يستحقون ولذلك يجب إعادة النظر فيها، إلى جانب غياب الشفافية في قضية غاز غزة".
التوقيت والأسباب.. لماذا فتح الملف الآن؟!
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف أن الظروف والأوضاع المحيطة بفلسطين كلها دعت إلى فتح الملف والقيام بهذا الحراك قبل قيام الاحتلال باستثمار الغاز بشكلٍ أو بآخر في ظل انتشار الحقول في البحر المتوسط.
ويقول الصواف لـ "شبكة قدس" إن من حق الفلسطينيين الدفاع عن حقوقهم ومقدراتهم ومخزونه الاستراتيجي من الغاز، وأن يتم إيصال رسالة واضحة للاحتلال بأن هذه الحقوق خط أحمر وأن المقاومة ستكون له بالمرصاد إذا لم يستجب الاحتلال.
ويردف قائلاً: "الرسائل التي وجهت خلال الفعالية الشعبية التي تحاكي استهداف منصة غاز هو قد يكون سيناريو متوقع لما قد يحصل على أرض الواقع فيما لو تم إهمال الحقوق الفلسطينية، إلى جانب أن الممر المائي بات مطلوبًا".
ويعلق الصواف على حديث المقاومة عن حماية الممر البحري، مشيرا إلى أنها لا تتحدث من فراغ وبالتالي فإن الاحتلال يجب أن يدرك هذه المسألة، فالمقاومة وغزة قادرة على إيذاء الاحتلال فيما لو تم تعطيل الممر المائي أو محاولة عرقلة المشروع.
ولا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي أن تذهب المقاومة نحو تعطيل حركة الملاحة الخاصة بالاحتلال في البحر الأبيض المتوسط فيما لو منع الاحتلال الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم، والملف الفلسطيني فيما يتعلق بالغاز منفصل عما يجري في لبنان.
ويستكمل قائلاً: "الاحتلال يحاول بشكل عام استغلال منصات الغاز الموجودة في فلسطين ولبنان بمساعدة أمريكية وإقليمية من أجل عدم إعطاء الآخرين حقوقهم، وبالتالي على الجميع أن يعي الحقوق الفلسطينية في هذا الملف".
ويطلق الفلسطينيون وصف "الكنز الأسود" على غازهم المدفون أسفل البحر الأبيض المتوسط الذي لطالما حرمهم الاحتلال من استخراجه بالرغم من أنه على مقربة بسيطة من شواطئ القطاع الذي نصت اتفاقية أوسلو على حرية الملاحة فيه حتى 20 ميل بحري.
ففي العام 1999 تمكنت السلطة الفلسطينية من اكتشاف الغاز بوساطة شركات أجنبية، حيث تم اكتشاف نحو 30 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، تدر أرباحاً بحسب الخبراء تقدر بنحو ملياري دولار، إلا أن هذا المشروع سرعان ما توقف في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
ومع سيطرة الاحتلال على المياه الإقليمية الفلسطينية، حرم الفلسطينيين من المشروع، فيما سعى الاحتلال لعقد اتفاقيات مع دول مطلة على المتوسط، مثل اليونان وقبرص، إذ شكل الاتفاق الذي وقع في العاصمة اليونانية أثينا بين كل من اليونان وقبرص والاحتلال لمد خط أنابيب شرق المتوسط "إيست ميد" لتزويد أوروبا بالغاز، حلقة جديدة في مسلسل السرقة "الإسرائيلية" المتواصلة للثروات الفلسطينية.
ولا يبعد الحقل مسافة 36 كيلومترا من شاطئ غزة، إذ شرعت شركة "بريتش غاز" البريطانية ببنائه في العام 2000، بموجب عقد حصري منحته السلطة الفلسطينية في عام 1999 لها ولاتحاد المقاولين "CCC" للتنقيب عن الغاز في بحر غزة لمدة 15 عامًا.
وحينها بدأت الشركتان عمليات البحث والتنقيب عن "الكنز الأسود" في بحر غزة، حتى تم اكتشاف حقلين للغاز، الأول حقل غزة البري الذي يقع كليا ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة المدينة، وقدر المخزون به بنحو 30 مليار متر مكعب، أما الثاني فهو "حقل غزة الحدودي" ويقع على المنطقة الحدودية بين غزة والاحتلال، ويقدر مخزونه بـ3 مليارات متر مكعب.
وبلغت تكلفة المشروع حوالي 2 مليار دولار أميركي، على مدار 15 عامًا حيث أعطى لصندوق الاستثمار الفلسطيني 10 في المائة من المشروع، فيما حصلت "بريتش غاز" البريطانية على 60 في المائة، واتحاد المقاولين الفلسطينيين 30 في المائة.
وفي العام 2014 تبين وجود حقل جديد للغاز في بحر غزة يبعد مسافة 200 إلى 300 متر من شاطئ القطاع، وبقي هذا الحقل دون أي عمل بالرغم من محاولة محلية حاولت الحكومة في غزة القيام بها دون أن تتمكن من استخراج الغاز أو الاستفادة من الحقل.
وفي يناير 2019 عقد الاجتماع الوزاري الأول لدول شرق المتوسط حيث ضم كل من مصر والاحتلال واليونان وقبرص والأردن وإيطاليا، فيما لم تحضر السلطة الفلسطينية هذا الاجتماع، قبل أن يشهد عام 2020 انضمام السلطة لهذه المنظمة، حيث اتهمت حينها بالموافقة على سرقة حقوق الشعب الفلسطيني وتسهيل نهب الاحتلال للغاز.
غزة ولبنان.. ما المختلف؟!
من جانبه، يقول المختص في الشأن العبري سعيد بشارات إن ثمة فوارق واضحة في التعامل بين ملف الغاز الخاص بغزة والملف الخاص بالحقول بين لبنان وفلسطين المحتلة عام 1948 الخاضعة لسيطرة الاحتلال، نتيجة لتداخل عدة عوامل.
ومن بين العوامل والأسباب التي ذكرها بشارات في حديثه لـ "شبكة قدس" وجود أطراف دولية تشرف على هذا الملف ووسطاء إلى جانب أن لبنان دولة تمتلك مطارات وممرات بحرية، بخلاف الحال في حالة قطاع غزة المحاصر.
لكن المختص في الشأن العبري، يعتبر أن فتح هذا الملف وإحداث حالة من الحراك هو أمر مهم ومطلوب منذ سنوات، في ظل سرقة الاحتلال الإسرائيلي للحقوق الفلسطينية وغياب أي حراك فاعل للمؤسسات الرسمية في هذا الملف وتحديدًا السلطة.
ويرى بشارات أنه من المبكر الحديث عن طريقة وآلية تعامل الاحتلال الإسرائيلي مع مطالب الفلسطينية الفلسطينية وخطواتها، كون التحركات في غزة ما تزال في بدايتها وغير معلومة الشكل والآليات.