رام الله - قُدس الإخبارية: اعتبر الائتلاف الفلسطيني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية "عدالة"، أن إعلان الحكومة خلال السنوات السابقة عن خطط للتقشف وتقليل النفقات المالية في ظل الأزمة التي تمر بها السلطة، "لم يتضمن خطة مفصلة ومجدولة زمنياً تحدد فيها القطاعات والأولويات التي يمكن أن يتم فيها التقشف أو الترشيد في الإنفاق، والآليات التي تضع قرارها هذا موضع التطبيق العملي، ومعالجة ما يمكن أن ينتج عن ذلك من إشكاليات وتحديات اقتصادية واجتماعية".
جاء هذا في ورقة تقدير موقف أصدرها الائتلاف حول إعلان وزارة المالية عن خطة للتقشف المالي.
وذكر أن وزارة المالية أعلنت في بداية هذا الشهر الحالي عن خطة إصلاح تشمل تحسين جباية الإيرادات وتخفض الإنفاق، وقال إنها حددت ثلاث مسارات لتحقيق هذا الهدف.
وقالت إن المسارات تتضمن خفض فاتورة الرواتب التي تعادل حاليا أكثر من 100% من الإيرادات، إلى 70% حتى نهاية العام، من خلال التقاعد الاختياري المبكر، ووقف صرف العلاوات غير المستحقة، كالعلاوة الإشرافية، وخفض فاتورة الرواتب إلى 50% خلال السنوات القادمة من خلال سياسة التقاعد الإلزامي لكل من ليس له عمل.
كما أعلنت الوزارة عن نيتها العمل على إصلاح منظومة القطاع الصحي، ومعالجة ملف صافي الإقراض.
وتحت بند "أين يجب أن يكون التقشف؟"، اعتبر الائتلاف أن على الحكومة الالتزام بشفافية كاملة في الموازنة العامة توضح بشكل توضح بشكل أوجه الإنفاق المختلفة، وذكرت من جملة القضايا: رواتب القطاع المدني والأجهزة الأمنية ومعرفة إن كان كل هذه الرواتب تصرف لمن هم على رأس عملهم أم لا، إضافة إلى بنود الإنفاق الأخرى على الأمن وتحديدا النفقات التشغيلية ومنها النثريات.
وأشارت إلى النفقات تضمنت مركز مسؤولية اسمه "النفقات العامة"، ورد تحت قطاع الحكم، قيمة الإنفاق فيه 64.3 مليون شاقل في العام 2021، دون أي تفاصيل لأوجه هذا الإنفاق، بالإضافة لمركز مسؤولية آخر اسمه "منظمة غير حكومية" قيمة الإنفاق عليه 27.6 مليون شاقل في العام ذاته، معظم الإنفاق فيه يذهب لبند النفقات التحويلية 21.4 مليون شاقل، و3 ملايين شاقل رواتب وأجور.
وكشف أن إجمالي النفقات لمركز المسؤولية "السفارات" بلغ نحو 190.4 مليون شاقل، وهو أقل بقليل من الإنفاق على "مكتب الرئيس" الذي بلغ 193.2 مليون شاقل في العام 2021.
وتعليقاً على إعلان المالية أنها تستهدف خفض فاتورة الرواتب من خلال سياسة "التقاعد الإلزامي والاختياري"، قال الائتلاف: يبدو هذا الطرح منطقياً في ظل الأزمة المالية واستحواذ الرواتب على الحصة الأكبر من الموازنة ومن الأزمة؛ إلا أن وزارة المالية لم تنشر أي خطة لكيفية تطبيقه، أو أي دراسة توضح كيفية الوصول إلى هذا الهدف. لذلك عند قراءة الواقع العملي لهذا الطرح يتبين أنه صعب المنال.
وأوضح: العلاقة التاريخية بين وزارة المالية وهيئة التقاعد توضح بشكل تام أن الوزارة لم تلتزم بتوفير كامل الاشتراكات للهيئة، وأن المتأخرات التراكمية قد تضاعفت بشكل كبير فبدأت قيمتها 14 مليون شيكل في العام 1999 لتصل إلى ما يتجاوز 8 مليار شيكل في العام 2021.
واعتبرت أن هذا "مؤشر على صعوبة استمرارية هيئة التقاعد"؛ وأضافت: المبلغ يحرم الهيئة من استثماره من جهة، وأن استمرار عدم دفعه من وزارة المالية يشكل خسائر باهظة قد تصل بالهيئة إلى عدم القدرة على دفع رواتب التقاعد، وما قد ينجم عن ذلك من مشاكل اجتماعية وزيادة نسبة الفقر.
وكشف أن التقارير تقدر قيمة استثمارات الهيئة بحوالي 255 مليون دولار، واعتبرت أنها "قيمة متواضعة مقارنة بإجمالي ديون الهيئة المتراكمة على الخزينة العامة، ما يمثل فقط حوالي 12% فقط من إجمالي أموال الهيئة".
وتابع: هذه نسبة ضئيلة لا تساهم بديمومة نظام التقاعد أو المحافظة على أموال المشتركين/ات في أنظمة التقاعد العام، وتضطر الهيئة إلى تسييل بعض الودائع للقيام بالوفاء بالتزاماتها المالية للمستحقين حيث تتراوح نفقاتها الشهرية ما بين 23 – 25 مليون شاقل في حين تقوم الحكومة بتوريد 20 مليون شيكل فقط شهرياً، ما يشكل خطراً على المحفظة الاستثمارية في حال استمرت الحكومة بعدم تحويل كامل الاشتراكات الشهرية وتسوية إجمالي المتأخرات.
وأشار الائتلاف إلى ظاهرة "العقود أو الوظائف الوهمية" التي وصفها بأنها "استمرت لفترة منذ إقامة السلطة"، وقال: التقارير الحكومية تؤكد أنه تم التعامل مع هذه الظاهرة وتم تصويب أوضاع الموظفين غير المتواجدين على رأس عملهم، ويمكن القول إن التعامل الرسمي في هذا الملف لم ينه الجدل الدائر حول ظاهرة البطالة المقنعة وتزايد أعداد الموظفين العموميين غير الفاعلين. واقترح الائئلاف "توليفة مناسبة"، حسب وصفه، قد تشكل مدخلا مهما للتعاملين مع ملفين مهمين (البطالة المقنعة، ضعف كفاءة استخدام الموارد)، وأوضح أن الصيغة المقترحة تتمثل بــ"إعادة هيكلة عدد من الوزارات والدوائر الحكومية، وإجراء مناقلة (تبادل) للموظفين غير المستغلين بالشكل الامثل، بحيث يتم رفد الوزارات والإدارات التي تعاني نقصاً في الموارد البشرية بموظفين من وزارات أو دوائر أخرى بعد إعادة تأهيلهم وفق خطة مدروسة".
وفي سياق متصل، ذكر الائتلاف أن الرصيد التراكمي لصافي الإقراض بلغ حوالي 4.126 مليار دولار (نحو 13.4 مليار شاقل)، وقال إن نسبة الاقتطاعات الإسرائيلية التي لا يمكن استرجاعها من حوالة المقاصة شهرياً نتيجة لصافي الإقراض تبلغ حوالي 20%".
وأوضح أن "صافي الإقراض" يعود إلى "تخلف الهيئات المحلية وشركات توزيع الكهرباء ومصالح المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة عن دفع فواتير الكهرباء والمياه لصالح الجهات الموردة".
وأضاف: رغم أن ظاهرة التسديد نيابة عن البلديات وشركات التوزيع ظهرت مع نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية، إلا أن بداية عمل ترتيبات الاقتطاع من إيرادات المقاصة بدأت رسمياً بكتاب من وزير المالية الفلسطيني في ذلك الوقت إلى وزير المالية الإسرائيلي يفوضه بخصم قيمة فاتورة استهلاك قطاع غزة من الكهرباء سنة 1997.
وتابع: بعد ذلك بأقل من عام، وبكتاب آخر من رئيس سلطة المياه ووزير المالية لخصم فواتير المياه حيث بلغت قيمة هذا الخصم (كهرباء غزة + المياه للضفة وغزة) آنذاك نحو 150 مليون دولار سنوياً.
وذكر أن هذا المصطلح جرى استحداثه عام 2002، وبدأ بالظهور في الموازنة العامة في عام 2003 إذ بلغ نحو 173 مليون دولار، واستمر بالتزايد إلى أن بلغ نحو 373 مليون دولار في العام 2021. ويشكل ما يدفع عن قطاع غزة النسبة الأكبر نحو 45% من قيمة صافي الإقراض.
وأشار إلى أن السلطة اتخذت عدة إجراءات لمعالجة العبء الكبير على الموازنة جراء هذا البند، من خلال "رفع الوعي بالمشكلة، وحث الهيئات المحلية على تحسين طرق الجباية، وإصدار قرار بقانون لتنظيم قطاع الكهرباء، وتكثيف تركيب عدادات الدفع المسبق في بعض المناطق، وتقديم المساعدة لموزعي تلك السلع، وتمكينهم من تحصيل ديونهم المتراكمة على المشتركين/ات".
واقترح الائتلاف في هذا البند، أن "تضع الحكومة خطة عملية بجدول زمني لتخفيضه إلى الحد الذي يخدم الفئات الفقيرة والمحتاجة فقط"، وذكر اقتراحات سابقة من قبل معهد "ماس" وائتلاف "أمان" أهمها "توجه السلطة للمجتمع الدولي، ورفع دعاوى قضائية لإجبار إسرائيل على احترام اتفاقياتها، وعدم الخصم من المقاصة إلا وفق الاتفاقيات والتفاهمات المبرمة، بالإضافة لتبني سياسة أكثر حزماً مع الهيئات المحلية وشركات التوزيع للكهرباء والمياه، من أجل ضمان عدم تراكم الديون المستحقة، والوصول إلى تفاهمات لحل مشكلة الكهرباء في غزة دون المساس بحقوق الطبقات الفقيرة، والعمل على إنهاء مشكلة تخلّف المخيمات عن دفع بدل أثمان الماء والكهرباء، بالتعاون ما بين كافة الجهات ذات الصلة من خلال حلول خلاّقة، تبدأ من الالتزام بدفع أثمان استهلاك الكهرباء والمياه في المخيمات للاستخدام للتجاري والصناعي، والحل التدريجي للاستخدام المنزلي من خلال آلية علمية تقوم على دراسة الظروف الاجتماعية للأسر".
وفي سياق آخر، أشارت الورقة إلى بند "التحويلات الطبية" التي تشكل 30% من النفقات التشغيلية في الموازنة العامة، واقترح تطبيق نموذج "التأمين الصحي الاجتماعي" الذي يعتمد تجميع المخاطر، إضافة إلى "مساهمة الحكومة ضمن نظام ضريبي على سلع كمالية، أو قد تسبب ضرراً على الصحة كالدخان والوقود".
وقال إن هذا النظام معمول به حالياً لكن "بشكل مشوه وغير منضبط وغير إلزامي"، واعتبر أنه "من الضرورة مراجعة النظام الموجود، وتحويله إلى قانون تأمين صحي إلزامي، وتكليف إدارة كفؤة مستقلة لإدارته وفق نظام المؤسسات والهيئات الحكومية، بحيث تتولى هذه الهيئة إدارة ملف التأمين الصحي".
وحول "النثريات"، اقترحت الورقة "الالتزام بقرار بقانون الشراء العام رقم (8) لسنة 2014 لاسيما قيام كل جهة مشترية بوضع خطة شراء سنوية، وأن يرصد لها المبلغ المالي اللازم، حتى يتمكن الموردون من الالتزام بتوريد السلع والخدمات في الوقت المناسب، وأن يتم الالتزام بدفع مستحقاتهم دون تأخير".
وذكرت الورقة قضية "استحداث هيئات ومؤسسات جديدة في السلطة"، وقال: أدى الانقسام السياسي إلى غياب المساءلة بتعطل المجلس التشريعي بعد عام 2007 إلى ظهور آليات وأدوات لتشريع قوانين تطبق في الضفة الغربية صادرة عن رئيس السلطة الفلسطينية (قرارت بقانون بموجب المادة (43) من القانون الأساسي)، وقد استمرت هذه العملية بعدئذ بسرعة ملحوظة فقد صدر نحو 365 قرار بقانون حتى العام 2022، في شتى المجالات.
وأضاف: من هذه القرارات بقانون ما نص على تأسيس مراكز مسؤولية تتطلب إدارتها نفقات كثيرة، ومنها المحكمة الدستورية، وجامعة الاستقلال، وبعض الشركات الحكومية (بنك الاستقلال للتنمية والاستثمار، وشركة مياه فلسطين، وشركة غاز فلسطين).
وكشف أن نفقات المحكمة الدستورية العليا بلغت نحو 6 ملايين شاقل، في العام 2021، كما بلغت نفقات هيئة تسوية الأراضي والمياه نحو 35.2 مليون شاقل.
وختم الائتلاف الورقة بالتأكيد على أن "محاولات الاصلاح المالي عادة ما تقتصر وتركز على الجوانب الفنية والمهنية"، واعتبر أن "مستوى الإنجاز يكون محدود جداً".
وقال: لا بد من تأطير الإصلاح المنشود بإرادة سياسية ذات رؤية واضحة، وإعادة صياغة منظومة التشريعات ذات الصلة وفق هندسية تشريعية جديدة، إضافة الى إعادة هيكلة الأطر المؤسسية وبما يفضي الى مؤسسات وإدارات كفؤة وقادرة على تطبيق الإصلاح وفق الرؤية المنشودة.
وأكدت أن "ضمان مشاركة مجتمعية واسعة في النقاش وفي صياغة الرؤى وتحديد الأولويات من شأنه أن يفضي الى نظام ضريبي أكثر كفاءة تظهر تجلياته من خلال تحقيق مستويات متقدمة من العدالة الاقتصادية والاجتماعية".