تطفو على السطح مجددا مع كل جولة عسكرية تخوضها المقاومة ضد الكيان الصهيوني، تساؤلات وجدليات محمومة بين ألوان الطيف السياسي الفلسطيني حيال وجود "غائية للعمل المقاوم" و"علاقة العمل المسلح بالسياسة".
وهنا لابد من استحضار ومقاربة تجارب تحررية لشعوب أخرى حتى نكون قادرين على إطلاق الأحكام بمعزل عن العاطفة المشبوبة والفكر الحزبي الشوفوني.
ولعل في التجربة الفيتنامية خير معين للحكم على تجاربنا وفهم جدلية العلاقة بين العسكري والسياسي.
فمن رحم الثورة الفيتنامية تبلور مصطلح "البارودة المسيسة" والذي ينطوي على اعتراف صارخ من قبل قادة الثورة هناك وعلى رأسهم "هوشي منه" و"جياب" أن العمل العسكري ما هو سوى فعل سياسي بالأصل، وأن غايته رفد المستوى السياسي بأوراق القوة، وبأن السياسي هو من يحدد المسار ويرسم الأهداف ويقطف الثمار، وبأن المآل الحتمي للبارودة غير المسيسة أن يستحيل صاحبها لقاطع طريق.
ومن هنا برزت أهمية عدم الولوج لأي فعل عسكري دونما تقدير استراتيجيّ يراعي "الفرص والتهديدات" و"نقاط القوة والضعف" و "وصياغة الأهداف القابلة للتحقيق" ودراسة البيئة الإقليمية وأميال النظم المحيطة سياسيا وعسكريًا.
ولعل الجولة الأخيرة في ميزان ما سبق تسقطها من كونها فعل عسكريّ واعٍ وذات أهداف قابلة للتحقق ولها صلة وثيقة بمطالب الشعب الراسخة والتقليدية.
فالخطاب المرافق للجولة السابقة والختاميّ افتقد لذكر القضايا المركزية للقضية الفلسطينية، واكتفى بالتشديد على قضايا تقع في النطاق "الوطني - الفردي" ونفي الطابع الجمعي للثورات.
ناهيك عن ملاحظة الاضطراب والضبابية في الأهداف المعلنة من قبل المقاومة، والأهم مدى قابليتها للتحقق في ضوء المعطى الموضوعي ، ومعامل "القوة".
وهذا يقود لضرورة القيام بمراجعات من قبل قوى المقاومة، وتفعيل النقد الذاتي، والبحث في توحيد الجهد المقاوم في غزة، والعمل على وضع خارطة طريق وتأطير سياسي يسهم في تحديد المسار وضبط الإيقاع بغية الوصول لتحقيق الأهداف المنشودة.