شبكة قدس الإخبارية

عودة العمليات داخل عمق الاحتلال مسألة وقت ليس أكثر

untitled-22-1
أحمد عبد الرحمن

في الثاني والعشرين من مارس/آذار الماضي شهدت مدينة بئر السبع المحتلة إحدى أقدم وأعرق مدن فلسطين التاريخية عملية بطولية نفذها الشهيد محمد أبو القيعان ضد مجموعة من المغتصبين الصهاينة أدت إلى مقتل أربعة منهم وإصابة ثلاثة آخرين.

البعض اعتقد في ذلك اليوم أن تلك العملية ستكون يتيمة ،ولن تليها أي عمليات خصوصا ان منفذها من سكان الداخل المحتل ، وكان يعمل لوحده كما أشارت التحقيقات .

المفاجأة كانت بأن هذه العملية شكلت باكورة سلسلة من العمليات التي شهدتها مدن فلسطين المحتلة، حيث امتدت لتشمل مدن الخضيرة وتل أبيب لمرتين متتاليتين وأريئيل واختتمت بعملية طعن نوعية في السادس من مايو / أيار الماضي في مستوطنة “إلعاد” المقامة على أراضي بلدة المزيرعة المحتلة .

سلسلة العمليات تلك أدت لمقتل 18 صهيونيا وإصابة عشرات آخرين في حصيلة هي الأعلى خلال السنوات الماضية نتيجة عمليات هجومية بالأسلحة البيضاء والرشاشة في قلب المدن الصهيونية .

السبب الرئيسي لتلك العمليات كان التصعيد والتغوّل الصهيوني ضد مدينة القدس بشكل عام والمسجد الأقصى بشكل خاص ، وارتفاع وتيرة العدوان ضد معظم إن لم يكن كل المدن الفلسطينية في الضفة المحتلة .

أثناء تلك الموجة من العمليات التي تميزت بالجرأة والمهارة والإقدام أصيبت المنظومة الصهيونية بشقيها السياسي والعسكري بحالة من الإرباك والعجز لم يسبق لها مثيل خلال الأعوام الماضية ، واضطرت هذه الدولة ” المستوطنة ” لاستخدام كل ما في جعبتها من إمكانيات امنية واستخبارية وعسكرية للحد من نتائج تلك العمليات وتداعياتها الكارثية على الجبهة الداخلية للعدو، والتي كان أحد تأثيراتها المباشرة كما قالت صحيفة يديعوت احرونوت تفكك الائتلاف الحكومي برئاسة نفتالي بينيت وخروجه من الحياة السياسة إلى غير رجعة كما يبدو ، ودخول الكيان في مرحلة من عدم الاتزان على المستوى السياسي وصل بها لانتخابات خامسة في غضون الأربعة سنوات الأخيرة لأول مرة في تاريخ هذه الدولة المجرمة.

رد الفعل الإسرائيلي على موجة العمليات تلك تركز على الجانب الأمني والاستخباري بدرجة اولى وصولا لتنفيذ عمليات اعتقال واسعة ضد من تعتقد أنهم حرّضوا أو قدموا المساعدة لمنفذي تلك العمليات ، أو من ينوون السير على نفس الطريق الذي يحظى بتأييد الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني وكل أحرار العالم .

كذلك قامت ” إسرائيل ” بمنع أكثر من 1100 مواطن فلسطيني من أقارب منفذي العمليات من الدرجتين الأولى والثانية من دخول المدن المحتلة بغرض الصلاة في الأقصى أو العمل أو تلقي العلاج أو حتى للزيارات العائلية.

وقد نالت مدينة جنين شمال الضفة الغربية ومخيمها بشكل خاص حصة الأسد من حملات الاعتقال والاغتيال وهدم المنازل التي قامت بها قوات العدو في الفترة التي تلت تنفيذ تلك العمليات، لا سيما تلك التي كان منفذوها من جنين وضواحيها ، مع الإشارة أيضا إلى ملاحقة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية للمقاومين والتضييق عليهم واعتقال عدد لا بأس به منهم .

وقد زادت حصيلة حملات الاعتقال التي نُفذت في عموم الضفة وشمالها على وجه التحديد عن المئات ، فيما تجاوز عدد الشهداء الذين سقطوا وهم يدافعون عن مدنهم ومخيماتهم الأربعين شهيدا .

الإجراءات الصهيونية الواسعة والتي شارك فيها آلاف الجنود من القوات الخاصة وأجهزة الاستخبارات بأذرعها المختلفة ساهمت بشكل أو بآخر في توقف تلك الموجة من العمليات الفدائية ، ونجحت كما قالت وسائل الإعلام الصهيونية في قطع الطريق على استمرار تلك السلسلة من النجاحات التي حققها منفذو تلك العمليات ، ووجهت كما ادعت ضربات قوية لمقاتلي كتيبة جنين على وجه الخصوص الذين شكلوا لها معضلة أساسية وعقبة بات واضحا صعوبة تجاوزها .

اليوم وقد اقتربنا من اليوم الستين دون عمليات داخل المدن المحتلة ، وامام واقع معقّد على كافة المستويات والصُعد ، وفي ظل تواصل العدوان الصهيوني على كل ما هو فلسطيني في القدس والأقصى ومدن الضفة المحتلة ، وأمام إجرام العدو بحق الأسرى في سجونه الظالمة لا سيما أولئك المضربين عن الطعام منذ اكثر من مائة يوم ، وفي ضوء التوتر القائم على مستوى المنطقة والإقليم والإعلان عن تحالفات يقودها العدو ويشارك فيها دول عربية باعت نفسها للشيطان ، أمام كل ذلك ماذا يمكن ان نتوقع خلال المرحلة القادمة ! وهل سنشهد مزيدا من الهدوء أم يمكن للأوضاع أن تنفجر من جديد في ظل الصواعق الكثيرة القابلة للاشتعال !

من خلال قراءة متأنّية للأسباب التي فجّرت موجة العمليات المُشار إليها آنفا ، وتفحّص التفاصيل الصغيرة التي أحاطت بها ، والمتغيّرات السياسية على المستوى الداخلي للعدو، وكذلك انعكاس ما يجري في الإقليم على تطور الأحداث في فلسطين ،يمكن لنا أن نتوقع بأن عودة تلك العمليات مسألة وقت ليس أكثر ، وأن التصعيد على أكثر من جبهة سيكون السمة الغالبة خلال الأشهر القادمة ، وأن استمرار اعتداءات جيش العدو ومستوطنيه لن يمر بدون رد أو انتقام ، وهذا الأمر ينسحب على توسع العدوان ضد دول محور المقاومة في المنطقة والإقليم .

قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة تدرك هذا الأمر جيدا، وتعمل بكل ما تملك للاستعداد لتلك المواجهة المرتقبة ،وهي تواصل إرسال الرسائل إن من خلال الوسطاء أو في الميدان من خلال المناورات العسكرية بأنها جاهزة ومستعدة لأي طارئ ، ولا تخشى الذهاب باتجاه المعركة إن فُرضت عليها.

كل المؤشرات تفيد بأن المنطقة ومن ضمنها فلسطين بساحاتها المختلفة تجلس على صفيح ساخن ، وان كل الوساطات والمسكّنات لن تنجح في وقف ثورة بركان نسمع ونرى همهماته في كل التفاصيل والمتغيرات.

#المقاومة