"على الرغم من جهود دول الغرب المبذولة وحجم إنفاقها فإن تأثير سياساتها في منطقتنا ولاسيما في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، بات قليلاً جداً. فالدول الغربية ولاسيما الولايات المتحدة باتت اليوم أضعف من السابق".
هكذا تحدث المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئي لبوتين خلال اللقاء الذي جمعهما مؤخرا. ويختزل هذا الحديث حال منطقتنا التي تحاول واشنطن لملمة وضبط ما خرج عن سيطرتها وخسرته، عبر مشاريع ومخططات جديدة أو قديمة تحاول إنعاشها. ولم تكن تصريحات ملك الأردن حول "الحاجة" لإقامة ناتو عربي أو شرق أوسطي، إلا في سياق ما يخطط لهذه المنطقة التي تغزوها أمريكا، أولا عبر كيان فرضته وهيأت له عوامل وجوده واستمراريته، وثانيا عبر أدوات متمثلة بأنظمة التبعية العربية المحميات الأمريكية التي نفذت وتنفذ مشاريع سيدها الأمريكي.
تبلور سياسات أمريكا ومعسكرها الغربي حيال منطقتنا بفعل عاملين أولا الكيان وأمنه وثانيا الثروات الطبيعية في منطقتنا التي وبدل أن تكون رافعة لأمتنا تحولت للعنة بسبب أنظمة النفط والغاز التي فرطت بسيادتها وقرارها. هو شرقنا وبلادنا وجغرافيتنا التي وطئتها العديد من المشاريع الاستعمارية التي غزتنا عبر أكثر من لبوس ولا تزال.
نخال أحيانا أننا مركز العالم كيف لا وتتجند مراكز استخبارات ووضع استراتيجيات خلفها دول "عظمى" لتقرر لنا حدود أوطاننا وكيفية عيشنا ومن هو عدونا أو صديقنا أو حليفنا.
تلقفت وسائل الإعلام ووكالات الأنباء تصريحات ملك الأردن ودبجت المقالات حولها وخصصت الكثير من الفضائيات برامجها على وقعها. محللة وناثرة ما في جعبتها منها من انخرط بدور وظيفي واضح الأجندات ومنها من تجند في المعركة على الوعي وهي من أصعب المعارك ولا تقل أهمية وخطورة من الحرب في الميدان. إيران ومعسكر المقاومة ككل كانت جزءا من حملة التخويف والترهيب التي قادها كتاب بأوامر مشغليهم فتارة يحذرون من ما سموه النفوذ الإيراني الآخذ بالتصاعد وتارة يحذرون من البرنامج النووي ومن ثم يلجأون لوصف معسكر المقاومة بكونه ذراعا إيرانا، ومن ثم ينخرطون في جوقة واحدة تتباكى على أوكرانيا وتشيطن روسيا وهذا كله يصب في سياق ما تضخه واشنطن، وحتى ملك الأردن لم يخجل من التحذير من إيران ومشاريعها في لقاء مع صحيفة الرأي الأردنية قبل أيام وفي لقاءاته مع وسائل الإعلام الأجنبية التي سبقتها وعبر عن خشيته من إيران بل وكال التهم لها.
من يرقب هذا الصخب في منطقتنا من حروب وأحلاف وزيارات ومؤتمرات ومؤامرات، يدرك حتما أن شيئا ما يتم تحضيره على نار هادئة، وما تصريح ملك الأردن وتوجيه سهامه صوب إيران إلا بإيعاز من مشغليه.
في العام 2017 كان الرئيس الأمريكي ترامب أول من تحدث عن إقامة هذا الحلف عند زيارته لمحميته السعودية وكرر الحديث حوله في العام الذي تلاه (2018) وليطرحه مجددا عند توقيع ما تسمى بالاتفاقيات الإبراهيمية. حلف يتماهى تماما مع استراتيجية ترامب وبلاده التي ما عادت قادرة على الغوص في وحل حروبها فباتت الحاجة للوكيل أمرا ملحا بل وعاجلا. والوكيل هنا هي جميع الدول التي انخرطت في تنفيذ مشاريع سيدها الأمريكي. الحاجة للوكيل طبعا ليست بالأمر الجديد بحيث تجرعنا ولا نزال في مشرقنا ندفع أثمان هذه الاستراتيجية الأمريكية منذ سنوات حيث غرقنا بمستنقع ما يسمى "الربيع العربي" وهو ترجمة فعلية للحرب بالوكالة. لكن ما استجد على الساحة هو أن هذه الامبراطورية التي بطشت بالعالم دون رادع بدأت تواجه فرملة لمشاريعها وتهديدات حقيقية وجدية. هناك معسكر صامد يحقق الانتصارات كل في جبهته من جنوب فلسطين حتى جنوب لبنان وسوريا، وهناك إيران الدولة التي تصارع أمريكا متحدية العقوبات والحصار وتلوح ببرنامجها النووي الذي يؤرق أمريكا وربيبتها، وهناك الصين وروسيا التي يعافر الوحش الإمبريالي لتطويقهم ومنع ماردهم من أن يكبر.
ولتجيء الحرب الروسية في أوكرانيا لتزيد الطين بلة وليستشعر حلفاء أمريكا في محمياتها خطر ارتباك وتراجع وضعف سيدهم أمام صعود وتقدم أعدائه في عدة ساحات.
فجاءت زيارة بايدن الرجل العجوز الذي يعكس حال دولته في محاولة لترقيع الهيبة الأمريكية وطمأنة الأذناب لكن ما يقوله الواقع مختلف عما يريده الأمريكان الذين ظنوا أن اتفاقيات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل كفيلة بالتعويض عن هزائم "الربيع العربي". فلربما يكون الفرج بناتو عربي يمنع ما تخشاه واشنطن. عمليا وعلى أرض الواقع يمكننا القول إن هذا الحلف موجود وقاد الربيع العربي وحروبه في دولنا ومني بالهزائم وجاءت اتفاقيات التطبيع مع دول هي أصلا تابعة ولم تغير بموازين القوى بل صنعت فرزا كنا بحاجة إليه فمن كان عميلا بالسر خرج بعمالته علانية أي أن قضيتنا الفلسطينية والمحور الداعم لها لم يخسر شيئا ولم تتضعضع بنيانه، ومعسكر المقاومة بقي معسكر مقاومة بل ازداد قوة وتأثيرا وحضورا وأما معسكر التفريط والتبعية الذي ظنت واشنطن أن انخراط تل أبيب فيه سيعزز من موقعها ومستقبلها في المنطقة زاد من عزلتها وحصارها فرعم هذا الانفتاح العربي أو الأصح الانبطاح صوبها باتت غير قادرة على أن تقرر موعد الحرب وباتت تدخل في حسابات الربح والخسارة باتت دولة مردوعة ومعزولة لأن من انفتح عليها لم يكن أصلا يساوي شيئا في مفاعيل مقاومتها والعداء لها. باختصار أمام محور عقائدي يعرف طريق فلسطين لن تنجح مشاريع واشنطن –تل أبيب وإن أتتنا بألف لبوس.