يحيي الفلسطينيون الذكرى الـ74 للنكبة، وما زال الجرح النازف بعد كل هذه العقود الطويلة متمثلا باستمرار معاناة اللاجئين التي بقيت دون حل، على الرغم من أنهم يمتلكون قرارات دولية واضحة صادرة عن الأمم المتحدة تأمر بعودتهم.
يعود التعامل الإسرائيلي الرافض للقرارات الدولية الخاصة بعودة اللاجئين لعدة عوامل أهمها عقيدة الاستيطان، والضم الزاحف والمحموم للأراضي الفلسطينية، المرتكزة على أيديولوجية استعمارية، ومتمثلة باقتلاع شعب وإحلال آخر مكانه، وإجلاء الفلسطينيين عن أرضهم، ثم جاءت السياسة العدوانية المدعومة من الدول الاستعمارية الرافضة للاعتراف بنكبة اللاجئين، وتتنكر لحقهم المشروع في العودة الطوعية لديارهم.
تصعب معرفة أسباب الموقف الإسرائيلي مع القرارات الدولية ذات الصلة بقضية اللاجئين، دون التعرف على خلفياته التاريخية والسياسية، التي منحته هذا التشدد في التعامل مع القرارات، على اعتبار أن الوجود الإسرائيلي في فلسطين فريد من نوعه، فدولة الاحتلال صناعة المؤسسة الصهيونية، التي جلبت المهاجرين اليهود بالهجرة والاستيطان، واستولت على الأرض بالقوة والإرهاب.
كما أن دولة الاحتلال لم تقبل فكرة الاندماج، أو المساواة مع الشعب الفلسطيني، ومع الزمن تزايد إصرارها على تجاهل حق العودة، تمهيداً لتبديد هذا الحق، وطمسه، وأفضت هذه السياسة لتغييب الشعب، وإنكار وجوده، والتعامل معه كمجرد سكان، وليس على أساس حقوقهم الجماعة القومية بتقرير مصيرهم.
نجح الاحتلال بتوظيف الجهود الدولية لصالحه في قضية اللاجئين، بحيث جعل نفسه امتداداً للمنظومة الغربية في المنطقة، والحليف الأكثر ثباتاً، ما يفسر تحايله على القرارات الدولية بشأن قضية اللاجئين، واقتنع بضرورة إيجاد حل لهم خارج حدود فلسطين المحتلة.
يعود الرفض الإسرائيلي الرسمي لحق عودة اللاجئين الذي أقرته الأمم المتحدة، إلى اعتبارها هذه القرارات تهديداً مباشراً لاستقرارها، فضلا عن تخوفها من عودة ملايين الفلسطينيين وأبنائهم، لأسباب رئيسة، أهمها تأثير هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين على التركيبة السكانية الإسرائيلية، ما يعرض الطابع اليهودي للدولة للخطر، وعدم القدرة الاستيعابية لأراضي فلسطين المحتلة عام 1948 على استيعاب المزيد من أعداد الفلسطينيين، في ضوء تناقص المساحة الجغرافية من الأراضي.
يمكن حصر القواسم المشتركة في الرؤية الإسرائيلية للقرارات الدولية الخاصة بحق العودة، بالنظر إلى الرفض المطلق لتبعات اقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم وتشريدهم قانونيا وسياسيا، ورفض الاعتراف بعودة جميع اللاجئين، وما قيل عن إمكانية إعادة عشرات الآلاف، كان تكتيكا تفاوضيا لا أكثر، والتحفظ على أعداد المتوقع دخولهم الأراضي الفلسطينية.
اليوم، وبعد 74 عاما من النكبة، وفي الوقت الذي ما زالت توصد فيه دولة الاحتلال أبوابها أمام ملايين اللاجئين الفلسطينيين، فقد فتحت في الوقت ذاته أبوابها لاستيعاب مئات آلاف الأوكرانيين، لكن ذلك لن يطوي صفحة حق أصحاب الأرض الأصليين، ولن يمنح الأغراب حقاً مصطنعاً