والدي الشهيد، انتظرتني عشر سنوات، وأنت تشرب من كأس الفراق، انتظرتني حتى تراني حراً من قيودي، انتظرتني عشرة سنوات حتى تراني عريساً وتفرح بي كما كنت تقول لي دائماً.
انتظرتني وانتظرتني كل هذه السنوات فلماذا لم تستطع أن تنتظرني عشرة شهور أخرى، ولكن يا والدي الحبيب، يا أيها المجاهد المناضل نلت ما تستحق، نلت الشهادة بإذن الله، نلت ما يتمناه الجميع فلك الحمد يا ربي في السراء والضراء .
أذكر آخر محادثة هاتفية معه قبل استشهاده بأربع ساعات، قال:" إن شاء الله بيتك سيكون جاهزا للسكن خلال أشهر وتخرج ونفرح فيك فقلت له : بوجودك وطول عمرك يا حج"، ولكن لم أعلم انه بعد ساعات سيغيب عن الدنيا بلا رجعة. يا الله ! يا غالي كيف سأوفي لك هذا الحنان والحب، فأنت الحنون الطيب والكريم ونفسك الطيبة، وأقول يا أبي من بعدك لا فرح ولا عيد، لا فرح في حياة حرمتني منك قبل حريتي بأشهر، ولا عيد من دون أن أقبل يديك الطاهرتين، فما أشقى الحياة من بعدك وما أظلمها من دونك، وما أقبحها إذا كانت عجينة بيد الحاقدين على الإنسان الحر.
شهيدنا أبا طارق، أنت ستنام بقبرك بسلام، ولكن غيرك من الطغاة سيحرمون من النوم، لأن الطغاة يحكمون شعب يكرههم ويدّعون محبته، ولكن أنت يا والدي فالآلاف الذين شاركوا بجنازتك وعرسك اكبر شاهد على محبة الناس لك وكرههم من قتلك ومن أراد أن تكون قرباناً لأسيادهم حتى يحصلوا على راتبهم بنهاية الشهر، فأنت يا غالي الكل يعلم ما قدمته، من سنين عمرك وأنت في سجون العدو، في بداية الانتفاضة الاولى، وما قدمته من أولادك ومالك وكل ما تملك في سبيل الله ومن أجل الحرية والكرامة .
يا والدي المجاهد، يا شهيد الظلم والقهر، ظلم ذوي القربى وقهر الأعداء أشد مضاضة علينا، فالله سمع شكواك وعلم الظلم الذي وقع عليك وعلينا من الاحتلال وأعوانهم، واختارك وأنت ابن العقد السادس من عمرك أن تموت شهيداً حرا كريما بإذن الله ، فأنت الذي رفضت الظلم وقاومته بكل ما تملك وكانت مقاومتك الأخيرة لهم، عندما رفضت أن يخطفوا ابنك الصغير أمام عينك، وقلت لهم ماذا تريدون منا!!، ألم يكفينا الاحتلال !!، ماذا تريدون!! وعندها لم يسكت لسانك ولكن سكت قلبه، فما أعظمها من كلمة حق عند سلطان جائر، في زمن المحنة ،فلك الحمد يا ربي على ما أنعمت عليّ وعلى والدي من نعمة الشهادة ونعمة المحبة التي أنزلتها على والدي .
يا شهيدنا المناضل يا من سبقتنا في الجهاد يا من ذقت مرارة الاحتلال وأعوانه، وذقت مرارة السجن والإبعاد، ومرارة هدم الاحتلال منزلنا مرتين أمام عينك، نحن لم نجتمع مع بعضنا منذ 12 عاماً، ونحن الذين رضعنا منك لبان الثأر والمقاومة، أقول وأعدك بأن هذه الطريق التي دّلنا الله عليها بفضله، ورحمته وكرمه، بأنني سأكملها رغم أنف الحاقدين والصغار من الجهلة الذين يحاولون ثنينا عن المضي في طريقك، طريق المقاومة والنضال، وأعدك يا طيب أنه كما تم دفنك بكرامة تحت التراب بأننا لن نسامح من قتلك ولن نغفر لهم، فأنا أكره هؤلاء الطغاة بقدر محبتي لحريتي.
وأخيرا يا والدي الشهيد وما أروعها كلمة شهيد، لا أقول وداعاً، ولكن إلى لقاء قريب في جنة الفردوس مع النبيين والشهداء والصالحين، فيارب أعطني فرحا وهناءً وقدرة على تجاوز الآلام ويارب أعطني من كرمك، ومحبتك حتى أفوز بالشهادة.
فحسبي الله ونعم الوكيل ، وإنا لله وإنا إليه راجعون
ابنك الاسير في سجون الاحتلال منذ عشر سنوات مصطفى سعدي السخل " أبو حمزة"