شكلت المواجهات والاحتجاجات الفلسطينية في رحاب المسجد الأقصى وساحاته في النصف الثاني من شهر رمضان، كابحا حقيقيا أمام الاحتلال وقطعان مستوطنيه، لعدم تنفيذ مخططات الاقتحام ومسيرات الأعلام وذبح القرابين، بجانب تهديدات المقاومة التي وجدت لها تخوفا جادا من قبل الاحتلال مغبة تكرار نموذج معركة سيف القدس، بجانب الضغوط الإقليمية والدولية التي شكلت في مجملها عوامل كبحت جماحه باتجاه الاستجابة لدعوات المتطرفين لديه لانتهاك حرمات الأقصى، وفي شهر رمضان بالذات.
وبعد أن بدا أن الاحتلال مُني بضربة قاسية في قدرة الفلسطينيين على الحفاظ على قدسية مسراهم من أي تدنيس، فقد شهدت ساحات الاحتلال السياسية والحزبية والأمنية حالة من تبادل الاتهامات بسبب ما اعتبروه خضوعا وتراجعا أمام إصرار الفلسطينيين في صد أي عدوان إسرائيلي، فقد استأنف الاحتلال تهديداته الجديدة بالاقتحامات والمسيرات داخل المسجد الأقصى، رغم التحذيرات الفلسطينية.
اليوم الخميس يهدد المستوطنون باستئناف مسيراتهم باتجاه المسجد الأقصى، بعد أن حصلوا على موافقة شرطة الاحتلال والمستوى السياسي، الأمر الذي يؤكد ما ذهبت إليه هذه السطور في أيام سابقة من تحذير بأن صفحة التوتر الأمني لن تتوقف مع طي صفحة شهر رمضان؛ ما يشير إلى أننا عشية جولة أخرى من المواجهات الميدانية في ساحات الأقصى رفضا لأي محاولة إسرائيلية لاستغلال حالة الهدوء النسبي الذي عم الأراضي المحتلة في الأيام الأخيرة.
هناك مستجد ميداني متعلق بموافقة دولة الاحتلال على اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى بعد أيام على إغلاقه في وجوههم قد يرتبط بخيبة الأمل والإحباط الذي عم أوساط الإسرائيليين عقب الانتكاسة التي ألمت بهم خلال شهر رمضان، الأمر الذي قد يجعلهم يستأنفون مخططات الاقتحام والتدنيس، وهو ما قد تشهده ساعات صباح اليوم، دون علم بما قد تحمله التطورات الميدانية من أحداث واشتباكات.
في الوقت ذاته، شكل تصاعد التهديدات الصادرة عن قوى المقاومة في الأيام الأخيرة، إيذاناً بفرضية تجدد المواجهة مع الاحتلال، ولو على نطاق جماهيري شعبي، في ساحات الأقصى، دون أن يمنع ذلك من تفاقم الأحداث، وإمكانية تدحرجها إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق، وصولا إلى إمكانية تكرار نموذج معركة سيف القدس، لأن الأقصى يستحق.
صحيح أن الحسابات السياسية الحساسة ما زالت ماثلة لدى الجانبين، الاحتلال والمقاومة، في مسألة تدحرج كرة الثلج، وصحيح أن الأمر يتجاوز "فشة الخلق"، لكننا أمام ساعة الحقيقة، فإما أن يفرض الاحتلال مخططه التهويدي لأولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، وإما أن يكسر الفلسطينيون، بقدهم وقديدهم، شعبيا ومقاومة، هذا المخطط، مهما كلف من ثمن