يستمر مسلسل ازدواجية المعايير الغربي في ضلاله وغيه، فمنذ الأمس وحتى اليوم وسيتابع حتى الغد في التباكي على سفك دماء المدنيين في أوكرانيا وفي نقده وإدانته المُرة للاحتلال الروسي لأراضي دولة مستقلة والاعتداء على الديمقراطية الراسخة في البلاد.
بل إن إعلام دولة العدو النازي المحتل لا يتوقف نعيقه الأجش عن تكرار أسطوانته المشروخة بالنحيب على المجازر التي ترتكب بحق المدنيين الآمنين في العاصمة كييف ولفيف ولوتسك وايفانوفرانكيفسك وغيرها من شرق البلاد وغربها وعلى المس على نحو خطير بحقوق الإنسان الأوكراني!
هذه الازدواجية التي ترددها دون ملل جميع الدول الغربية وفي المقدمة منها بريطانيا متعهدة النكبات والمجازر التي حلت بأمم الدنيا وعلى مدار عقود استطالت لقرون خلت وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي قتلت بأسلحتها الآلاف من رجال ونساء وأطفال شعبنا الفلسطيني الصابر المرابط، عوضاً عن الملايين من رجال ونساء وأطفال العراق وسوريا واليمن وفيتنام وإيران وأفغانستان وفرنسا وكما يسمونها بجمهورية الثورة والثقافة والديمقراطية والتي قتلت وفقط في الجزائر الشقيق وعلى مدى 132 عاماً من الاحتلال بل والاستيطان الدموي أكثر من 9.5 ملايين إنسان، فما بالكم إذا احتسبنا من قتلوا في فيتنام ومالي وسيراليون وتونس، والقائمة تطول؟
بل إن هذه الدول تقوم اليوم أيضاً بدعم النظم الديكتاتورية وبكافة الوسائل وعبر كل السبل بما يستنزف ثرواتها الوطنية وثقافتها وينشر الجهل والفقر والمرض فيها ويقتل ويعتقل رجالاتها وتُشل قدراتها على النهوض والتقدم.
وتشكل دولة الاحتلال في (تل أبيب)، رأس الرمح لهذا "التجمع" الغربي الاستعماري في منطقتنا وعلى قضيتنا ونضالنا المشروع للاسترداد حقوقنا الوطنية التي انتزعت بالاحتلال والمجازر الدموية التي زادت على المئة مجزرة وارتكبتها العصابات الصهيونية منذ أكثر من مئة عام قبل وبعد قيام دولة البغي والعدوان على الأرض الوطنية.
ويتابع الجميع هذا اللهاث المحموم للقادة الصهاينة لضرب مواقع محور المقاومة على امتداده مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، ولم تتوقف يوماً عن فعل ذلك بل وقامت بتكثيف هجماتها وقد ركزت على الحلقة المركزية الأقوى وهي الجمهورية الإسلامية في إيران، هذه العدوانات التي استهدفت ما تسميه "تل أبيب" بالملف النووي الإيراني الذي يعتبره بالخطر الوجودي الداهم، ولهذا قامت وتقدم بتحريض الولايات المتحدة الأمريكية على شن هجوم جوي صاعق على المفاعلات النووية السلمية الايرانية بشكل مشترك مرة، وبتحريض حلف النيتو تارة أخرى، وتهدد كذلك بأنها ستقوم وحدها –إن لم يتحرك الحلفاء– بالهجوم منفردة لإنجاز ذلك وتُضيف هذه الأيام أنها غير معنية بأي صيغة يمكن أن تتوصل إليها أمريكا والدول الغربية مع إيران وأنها ستقوم بتدمير المفاعلات النووية الإيرانية وحدها دون أن تكثرت بما يمكن أن ينجم عن ذلك من تهديد كارثي وخطير للسلم والاستقرار الدوليين.
وأكدت تقارير جميع المراقبين، بل واعترفت دولة الاحتلال أنها هي التي قامت باغتيال عدد من علماء الذرة الإيرانيين وكذلك عمليات تخريب مفاعلات نووية بعبوات ناسفة عبر عملائها، أو عبر التخريب السيبراني.
وخلال العامين الماضيين زاوجت (تل أبيب) بين ما تقدم وهجمات جوية أو صاروخية على مواقع تدعي أنها إيرانية تابعة للحرس الثوري الإيراني أو فصائل تسير في فلك إيران في العراق وسوريا أو لبنان كما تقول.
لقد تكررت هذه العدوانات الصهيونية وزادت وتيرتها، وكانت إيران ترد بالتهديد وأن لحظة المواجهة قادمة لا محاله، وزاد قائد الحرس الثوري الإيراني أن أي حماقة ومغامرة صهيونية ضد إيران فسيأتي رد طهران ماحقاً، وأنه سيخرجها من الجغرافيا السياسية في المنطقة.
وكانت طهران تكتفي بالضرب فوق الحزام عبر العمليات السيبرانية، وتزويد أضلاع محور المقاومة المحيطة بفلسطين المحتلة وتلك الفصائل المنخرطة في ميدان المواجهة المباشرة مع جيش الاحتلال ومستوطنيه بأسباب المنعة والصمود عُدة وإسناداً سياسياً وديبلوماسياً وإعلامياً وفي كافة الميادين.
وجاء الحدث الأبرز والذي شكل انعطافة نافرة لاستراتيجية بدأت خطواتها الجديدة الأولى بضرب موقع إستراتيجي استخباري صهيوني، وهذه المرة في أربيل في إقليم كردستان العراق، وقد أعلن ومنذ البدء الحرس الثوري الإيراني مسؤوليته عن شن هذا الهجوم بصواريخ بالستية، في الوقت الذي نفت فيه سلطات الإقليم الواقع شمال الجمهورية العراقية وجود أي مواقع للعدو الصهيوني على أراضيها.
وأكد بيان صادر عن جهاز ما يسمى بمكافحة الإرهاب في كردستان أن الهجوم الذي تم باثني عشر صاروخاً بالستياً استهدف القنصلية الأمريكية في أربيل وأسفر عن جرح اثنين وأن هذه الصواريخ قد أطلقت من شرق العراق، وفي الوقت الذي أفاد فيه إعلام الحرس الثوري الإيراني الإلكتروني "سباه نيوز" أن "المركز الاستراتيجي للتآمر والشر الصهيوني ثم استهدافه بصواريخ قوية ونقطوية دقيقة تابعة لحرس الثورة الإسلامية".
وقالت الوكالة الحكومية الإيرانية "إرنا" في تقرير لها أن الصواريخ أُطلقت من مواقع تابعة لحرس الثورة في شمال غربي إيران.
وكان الحرس الثوري قد توعد قبل نحو أسبوع من الهجوم بالرد على قصف العدو لمواقع قرب دمشق أدى إلى مقتل إثنين من الضباط الإيرانيين.
لقد أدانت الولايات المتحدة هذه الهجوم بالطبع حتى أنه استثار حَمِية الأمين العام للأمم المتحدة ووصفها بالهجمات الصاروخية الشنيعة على أربيل، وتوالت بيانات الاستنكار من دول غربية عديدة، وكان من بينها الموقف الفرنسي الذي "أدان بأكبر قدر من الحزم" هذا الهجوم الذي يهدد أمن العراق والمنطقة، ولم تغفل وكالة الأنباء السعودية عن استنكار المملكة وادانتها الشديدين لهذا الهجوم!
وقد ختم الحرس الثوري الإيراني بأنه وبعد مسلسل الجرائم الصهيونية وآخرها لهذا الكيان الصهيوني الزائف لن تمر دون رد وأن أمن واستقرار إيران هو خط أحمر، وأنه يكرر مرة أخرى تحذيراته برد قاس وحاسم ومزلزل، ومعلوم أن هجوم أربيل قد تلاه قبل يومين أيضا سقوط عدة صواريخ في محيط قاعدة حرير الأمريكية قرب مطار أربيل.