جاء مفاجئاً التهديد الذي أطلقه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، بإقامة "جدار حديدي" ضد الفلسطينيين في النقب، عقب عجزه عن مواجهة سكانها البدو، وعدم القدرة على حكمهم.
عنصر المفاجأة الأولى يكمن في الإقرار الإسرائيلي بالعجز عن التصدي للفلسطينيين الأصليين من بدو النقب، عقب موجة الاحتجاجات الأخيرة ضد تهويد مناطقهم المحتلة بحجة "التشجير"، والعنصر الثاني يكمن في التهديد علانية بإقامة جدار حديدي ضدهم، بعد أن ظن الإسرائيليون أنهم نجحوا في "أسرلة" فلسطينيي الـ 48"، و"صهينتهم"، و"تهويدهم"، بعد أكثر من سبعين عاما على النكبة الفلسطينية.
مع العلم أن التهديد الإسرائيلي الرسمي بإقامة الجدار الحديدي ضد فلسطينيي النقب، يأتي استكمالا لإقامة جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، والجدار التحت أرضي على حدود قطاع غزة، فضلا عن الجدران مع الدول العربية المجاورة، مع مصر والأردن ولبنان وسوريا.
يتزامن هذا التهديد الإسرائيلي بإقامة جدار النقب مع اعتراف المحافل الأمنية والعسكرية الإسرائيلية عما شهده العام المنصرم 2021 من تراجع ملموس وواضح على مختلف الأصعدة، السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، رغم وجود إنجازات وتقدمات لا تخطئها العين، لكن ذلك التراجع لم يكن وليد اللحظة، أو نتيجة لحدث سياسي هنا، ومواجهة عسكرية هناك، بل جاء أمرا طبيعيا في قراءة المؤشر البياني التنازلي الذي تشهده (إسرائيل) منذ عدة سنوات.
ورغم التحذيرات الساخنة التي أطلقها كبار قادة دولة الكيان من أن دولتهم تشهد انخفاضا في مستوى الأمن الداخلي، وتعاظما للأخطار والتهديدات الداخلية والخارجية، فما زال الخوف يسيطر على جموع كثيرة من النخب السياسية والأمنية في المنطقة، الذين ما زالوا يتصورون (إسرائيل) "بعبعا" مخيفا، غير قابل للهزيمة أو الانكسار، حتى جاء التهديد الإسرائيلي بخصوص الجدار الحديدي مع النقب ليعيد الحياة لهذه المعاني.
هناك جملة من الأحداث التي تكشف دولة الاحتلال على حقيقتها، وتفصح عن الجوانب الخفية التي تشير في مجملها إلى أنها تعيش أسوأ لحظاتها، وأكثرها تراجعا وانكسارا، رغم محاولاتها بين الحين والآخر إظهار قدراتها الخارقة الحارقة، لكنها في الحقيقة منكمشة، بل وتمضي في خططها السياسية والعسكرية حول الانطواء والانزواء، والعودة إلى حياة "الغيتو" التي ألفها اليهود منذ قرون مضت.
لم يعد سراً أنه بعد سنوات من المواجهة الإسرائيلية بفعل تواصل المقاومة، التي شهدت تطورا مطردا، اتجه الاحتلال نحو الانحسار والانزواء، وشكل العنوان الأبرز لسلوكها خلال الأعوام الأخيرة، هذا الانحسار والانكسار سبقه قيام (إسرائيل) بـ"صب جام غضبها" على الفلسطينيين، ثم اختارت اللجوء لجدارها العنصري لتعميق "الكولونيالية" الداخلية، وعمدت لممارسة السيطرة والتمييز تجاه الفلسطينيين، وأخذت هذه الممارسات تسير في منحى التعاظم والتفاقم في السنوات الأخيرة، بلغت ذروتها في استهداف بدو النقب وفلسطينيي الـ 48، باعتبارهم تهديدا من "البطن الرخوة والخاصرة الضعيفة" للاحتلال.