أما وقد أعلن الاحتلال انتهاءه من إقامة الجدار التحت أرضي الحدودي مع قطاع غزة، فإن ذلك يطرح علامات استفهام حول مدى الجدوى العسكرية الحقيقية لهذا الجدار لمنع تنفيذ المزيد من الهجمات الفدائية المسلحة من جهة، وفي الوقت ذاته يفسح المجال للنظر أمام دولة مدججة بالأسلحة وهي تحيط نفسها بجدران أمنية من مختلف حدودها الأربعة، بما فيها البحر ذاته غرباً؛ ما يطرح تساؤلات حول غياب شعورها بالأمن والاستقرار والهدوء وسط بيئة معادية لها: براً وبحراً وجواً.
بلغة الأرقام، فإن مشروع الجدار الحدودي أسفر عن بناء 65 كلم، يحيط بقطاع غزة بأكمله من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه حتى البحر أيضا، وارتفاعه عن سطح الأرض 6 أمتار، وتحت الأرض بعشرات الأمتار، وبلغت تكلفة إقامته 3.5 مليارات شيكل، ما يعادل 1.1 مليار دولار، وانخرط في المشروع 1200 عامل، وشمل نظام العمل فيه 28 مصنعا، بحيث وقفت ألف شاحنة واحدة تلو الأخرى، وكمية الخرسانة أكثر من مليوني متر مكعب، ما يعادل 220 ألف شاحنة، وكمية الحديد 140 ألف طن من الحديد والصلب المستورد من أستراليا.
تجدر الإشارة أن البدايات الأولى للتفكير بإقامة هذا المشروع الحدودي بدأت منذ الانسحاب الإسرائيلي من غزة في 2005، حين أراد الجيش إيجاد فاصل مادي كامل بين القطاع والمستوطنات الجنوبية، تمهيدا للانفصال السياسي والاقتصادي، انطلاقا من تنفيذ خطة "فك الارتباط" التي أقدم عليها شارون في حينه.
لكن الفكرة بدأت تأخذ مسارات عملياتية أكثر بعد سلسلة العدوانات التي شنها الاحتلال على غزة بدءًا من 2006، مرورا بـ 20008-2009، وصولا إلى 2012، وانتهاء بـ2014، وهي الحرب التي استمرت خمسين يوما، وشهدت تنفيذ جملة هجمات فدائية عبر شبكة الأنفاق الحدودية، حينها اتخذ الاحتلال قراره الإستراتيجي بعيد المدى لتنفيذ إقامة الجدار الحدودي، لأن ما لدى المقاومة من قدرات وإمكانيات كشفت عنها تلك الحروب أوجد قناعة لدى الاحتلال أن تنقل المقاومين بين الحدود المشتركة لا يستغرق وقتا كثيرا؛ ما سيجعل المستوطنات في متناول أيديهم عند تنفيذ أي عملية تسلل أو هجوم.
اليوم، وبعد أن أعلن الاحتلال الانتهاء من إقامة الجدار الحدودي مع غزة، لا شك أن ذلك يطرح أسئلة عملياتية أمام المقاومة في مدى قدرتها على تجاوز هذا التحدي الجديد، من خلال البحث عن خيارات أكثر تأقلماً مع الواقع الأمني والعسكري المستجد، وهي مسألة مكانها ليس في هذه السطور، لكن تطورات أي مواجهة قادمة قد تكشف إلى أي حد استطاعت المقاومة العثور على بدائلها، انطلاقا من القاعدة العسكرية القائلة بـأن "كل سلاح له سلاح مضاد".