رام الله – خاص قدس الإخبارية: كما كانت متوقعًا صرفت السلطة الفلسطينية رواتب موظفيها بنسبة 75% وبحد أدنى 1650 شاقل نتيجة الأزمة المالية التي تعصف بها تزامنًا مع ازدياد الاقتطاعات الإسرائيلية من عائدات المقاصة التي تشكل أكثر من 60% من إجمالي الموازنة.
وبحسب وزارة المالية في رام الله فإن الخصومات الإسرائيلية بلغت 42 % من عجز الموازنة الفلسطينية، فيما بلغت قيمة الخصومات والاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة المستحقة للسلطة الفلسطينية، 1.4 مليار دولار منذ بداية العام 2021.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن الخصومات الإسرائيلية وصلت إلى 400 مليون دولار، تزامناً مع وجود عجز مالي بقيمة بـ960 مليون دولار، وهو الأمر الذي انعكس بالسلب على قدرة السلطة صرف رواتب موظفيها في الضفة وغزة بشكل كامل.
ويتفق مراقبون للشأن الاقتصادي الفلسطيني على أن الأزمة الحالية تختلف تمامًا عن سابقها من الأزمات وسط غياب كامل للتوقعات بسقفها الأقصى لكي يتم حلها واستئناف دفع الرواتب بشكل كامل نتيجة لارتفاع الخصومات من المقاصة.
المختص في الشأن الاقتصادي جعفر صدقة قال إن الجباية المحلية الداخلية تشكل ما نسبته 30 إلى 40% من الإيرادات إلا أنها على صعيد النفقات لا تؤثر سوى بنسبة 20% بينما تشكل أموال المقاصة ما نسبته 60% من الموازنة العامة الفلسطينية.
وأضاف صدقة لـ "شبكة قدس": "في الأزمات السابقة كان السقف واضحًا ومعلومًا ويتراوح ما بين 7 شهور في 2019 و4 شهور خلال 2020 أما الآن فالوضع مختلف مع تسارع الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة (عائدات الضرائب)".
ويتابع: "وتيرة الاقطاع الإسرائيلي من أموال المقاصة بلغت 214 مليون شاقل من معدل مقاصة 700 مليون شاقل وهو ما يعني أن أكثر من ربع أموال المقاصة يتم اقتطاعها من قبل الاحتلال سواء مقابل مدفوعات الشهداء والأسرى أو الكهرباء".
وأشار إلى أن هذه الاقطاعات لا يوجد لها تقدير بإمكانية عودتها من جديد بعكس الأزمات السابقة التي كان الاحتلال يحجب فيها الأموال بشكل كامل وكانت الدول المانحة تقوم بتسريع دعمها المالي المرصود للسلطة لمساندتها.
وبشأن الدعم المالي الخارجي، ذكر صدقة أن المساعدات الخارجية تقترب من الصفر إذ أنه وخلال الأشهر الـ 10 الأخيرة بلغ إجمالي ما وصل السلطة فقط 220 مليون شاقل فقط، فيما مقابل 4 مليار شاقل كان يصل السلطة قبل 2013.
وأكد المختص الاقتصادي أن سقف الاقتراض من البنوك وصل حده الأعلى وأي اقتراض جديد يعرض الجهاز المصرفي للخطر وسيكون على حساب القطاع الخاص، مشيراً إلى أن البنوك حينما كانت تقرض السلطة كانت تعلم أن الأموال ستأتي أما اليوم فاختلف الوضع تمامًا ويمكن القول إن الأزمة الحالية هي الأخطر في تاريخ السلطة.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي هيثم دراغمة إن المألوف بالنسبة للفلسطينيين هو أن الأزمة المالية غالباً ما تكون بسبب أموال المقاصة غير أن هذه المرة الأموال حولت في موعدها لكن السلطة لم تستطع دفع رواتب موظفيها.
ونوه دراغمة لـ "شبكة قدس" إلى التراجع الكبير في الدعم الخارجي والذي كان قبل سنوات 15% من إجمالي الموازنة العامة في حين يلامس مستوى صفر حاليًا إذ لم يبق إلا الجزائر هي الدولة الوحيدة التي تلتزم بالدفع للسلطة.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن التقشف الذي تتحدث عنه السلطة وهمي عدا عن أن كبار الشركات غير ملتزمة بدفع الضرائب وتقوم بالدفع عبر تسويات كل عامين وبمبالغ بسيطة، فيما تدفع الشركات المتوسطة والفئات الصغيرة بشكل دائم.
وأشار دراغمة إلى أن حديث الحكومة عن الأزمة المالية لا يتوازى مع إعلان رئيس الحكومة محمد اشتية عن تخصيص 300 مليون دولار أمريكي للمحافظات خلال جولته الأخيرة ويعكس تضاربًا واضحًا في الخطاب الحكومي.
واستكمل قائلاً: "سلوك الحكومة وشعار التقشف غير موجود على صعيد الصف الأول من المسؤولين وهو مقتصر فقط على الموظف البسيط، وشهريًا هناك ترقيات ورتب عسكرية كبرى وتعيين سفراء على حساب الموازنة العامة".
في موازاة ذلك، أكد نصر عبد الكريم، أستاذ العلوم المالية والاقتصادية في كلية الدراسات العليا في الجامعة العربية الأميركية أن تأجيل جزء من الرواتب قد يحل جزئيا أزمة السيولة النقدية للسلطة لكنه لا يحل أزمتها المالية.
وقال عبد الكريم لـ "شبكة قدس" إن هذه الرواتب أصبحت التزامًا على السلطة وأصبحت جزءا من الدين وعليها أن تدفعه، مشيرًا إلى وجود اختلاف جوهري في شكل الأزمة الحالية عن غيرها من الأزمات التي مرت بها السلطة الفلسطينية.
وأتبع قائلاً: "الأزمة الحالية تختلف في وجهين: الأول أن مسببها ليس له علاقة بإجراء تعسفي إسرائيلي متمثل في حجب المقاصة كما في السابق وبالتالي كان يتم دفع جزء من الراتب يتم استكمال الصرف وكان هناك حالة أكثر يقينية أن الأزمة عابرة".
واستطرد قائلاً: "هذه الأزمة ليس سببها المقاصة، صحيح أن الاحتلال يتحمل جزء من المسؤولية من خلال الاقتطاعات الخاصة بأهالي الشهداء والأسرى و100 مليون شاقل و150 مليون شاقل يتم اقتطاعها مقابل المياه والكهرباء وبعض الاقتطاعات غير معلومة للسلطة لكن سبب الأزمة المباشر ليس الاحتلال".
وشدد عبد الكريم على أن الأزمة الحالية سببها بنيوي مرتبط بقدرة الاقتصاد على توريد الإيرادات، إضافة إلى أن السلطة غير جادة في انتهاج منهج الترشيد في إدارة المال العام بالإضافة إلى شبهات الفساد وارتفاع النفقات العامة.
ويستكمل قائلاً: "الوجه الثاني للاختلاف أن أحد الأسباب الأزمة الراهنة هو أن المساعدات للشعب الفلسطيني تراجعت بشكل كبير إذ كانت تسد ثغرة الأزمة في السابق، لكن المساعدات التي كانت ما بين 2014 إلى 2019 تصل إلى 700 مليون دولار جزء منها يدعم الموازنة والباقي يذهب لتنفيذ مشاريع، لم تعد تأتي نتيجة لتراجع الدول عنها".