بينما يزداد القلق الدولي إزاء الطفرة الرابعة لفيروس كورونا، فإن العالم العربي، يتجاهل فيروساً آخر قاتلاً، هو الدور الصهيوني العنصري الذي يشكل خطراً استراتيجياً على مصالحه واستراتيجياته وقضاياه المصيرية.
بعد انحسار وجودها وعلاقاتها الدبلوماسية في القارة السوداء، لفترة من الزمن عادت إسرائيل لاستعادة علاقاتها، واستثماراتها ومصالحها في أكثر من ثمانٍ وأربعين دولة.
القارة الإفريقية الغنية بثرواتها والضعيفة بإمكانياتها، والهشة في تراكيبها الاجتماعية، شكلت هدفاً سهلاً لإسرائيل، التي تتغلغل في عديد الدول، لنهب ثرواتها، تحت غطاء مساعدات استخبارية، وعسكرية، وزراعية، ظنا من تلك الدول أن تلك المساعدات تشكل عاملا حيويا في حماية واستقرار الأنظمة السياسية وعوناً في مجال التنمية.
منطقة القرن الإفريقي، كانت واحدة من الأهداف الحيوية لإسرائيل، لأسباب عديدة، فبالإضافة إلى دورها في التصويت في المنابر الدولية لصالح القضية الفلسطينية، وباعتبارها خزانا للهجرة اليهودية، فإنها تقع في منطقة استراتيجية مؤثرة في خطوط التجارة الدولية، وفي التحكم بمنابع نهر النيل، فضلا عن التصاقها بالبحر الأحمر، ومجاورتها للجزيرة العربية، وآبار النفط.
تسلل الفيروس القاتل من خلال تأجيج التناقضات بمختلف أشكالها في عديد الدول، حيث قامت إسرائيل بتزويد الجماعات المتمردة بالسلاح، والتدريب، حتى نجحت في تقسيم السودان إلى جنوب وشمال، وأنشأت في جنوبه قاعدة راسخة تشكل منطلقاً لتوسيع دورها.
ما يجري في السودان، على يد العسكر، الذين يقفون بقوة خلف سياسة التطبيع، ويديرون انقلاباً على الثورة وأهدافها لا يمكن أن يكون بعيداً عن دور إسرائيل بمد قادة الانقلاب بالاستشارات والدعم، بالرغم من معارضة المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
هذا العناد والتذاكي الذي يبديه العسكر في السودان لا يمكن أن ينجح إلا بدعم دولة كإسرائيل، قادرة على التأثير في السياسات الأميركية والأوروبية.
ومنذ وقت مبكر تتواجد إسرائيل في إثيوبيا، سعياً وراء التحكم في منابع نهر النيل، الذي يشكل عاملاً استراتيجياً حيوياً في الأمن القومي المصري والسوداني، ويجعل إسرائيل دولة فاعلة في التأثير على سياسات تلك الدول.
وبالإضافة ومن خلال علاقاتها مع إثيوبيا ودول القرن الإفريقي، باتت إسرائيل قادرة على تعزيز وجودها العسكري والأمني في البحر الأحمر وفي التحكم بمضيق باب المندب، ومن هناك يمتد ويتوسع وجودها العسكري والأمني في المحيط الهندي وصولاً إلى الخليج.
لم يعد سراً، الدور الإسرائيلي الفني والعسكري، وبالتالي السياسي، فيما يتعلق بما يسمى سد النهضة، الذي ساهمت إسرائيل في حمايته وحراسته من خلال إرسال منصات «القبة الحديدية».
في السؤال عن مصادر الخطر على سد النهضة، فإن المخاوف الإثيوبية تذهب باتجاه مصر، إذ لا يشكل الصراع الدموي الداخلي في إثيوبيا عاملاً أساسياً، في التأثير على أمن سد النهضة.
إذا حاولنا العودة إلى الخلف، فإن إثيوبيا وقعت مع مصر والسودان العام 2011، اتفاق مبادئ، لكنها مع مرور الوقت، ودخول إسرائيل على الخط، تنكّرت لذلك الاتفاق، واعتمدت نبرة عالية في تحدي التطلعات المصرية والسودانية، التي سعت وتسعى عبر الحوار من أجل التوصل إلى اتفاق يلبي مصالح كل الأطراف.
ترفض حكومة آبي أحمد، الاستماع لكل الدعوات والمبادرات الإفريقية والدولية التي تقف إلى جانب المنطق المصري والسوداني، وهي تعلن استعدادها للحرب إذا لجأت الأطراف الأخرى إلى ذلك.
والسؤال من أين لإثيوبيا، التي لا تستند إلى القانون الدولي، والدولة المتخلفة تنموياً، والتي تواجه كل الوقت تناقضات عرقية حادة، ولا تقارن قدراتها العسكرية بقدرات مصر، فمن أين لها أن تركب أعلى موجات التحدي لولا أنها مدعومة إسرائيلياً؟
الدولة الإثيوبية المركزية، التي يدير حكومتها آبي أحمد، منذ العام 2018، تتعرض لهزائم متلاحقة، من قبل جبهة تحرير تيغراي، حتى أجبرت الحكومة على إعلان حالة الطوارئ، وأجبرت رئيسها على الذهاب إلى مواقع القتال، ودعوة سكان العاصمة أديس أبابا إلى حمل السلاح.
جبهة عسكرية، تمثل 6% من السكان هم التيغريون، تنجح في هزّ أركان الدولة المركزية، وتهدد بالوصول إلى عاصمتها، فهل يمكن أن تصمد أمام جيش كبير وقوي كالجيش المصري، هذا إذا افترضنا أن الحل العسكري مطروح في مواجهة العناد الإثيوبي؟
يواصل آبي أحمد عناده، برفض المبادرات الأميركية والإفريقية التي دعت وتدعو إلى وقف القتال، واللجوء إلى طاولة حوار غير مشروط لمعالجة الأزمة الداخلية التي تهدد وحدة الدولة، فكيف له أن يفعل ذلك، ومن أين يستمد عناده؟ ثمة بالتأكيد دعم إسرائيلي عسكري، وأمني خلف هذه السياسة التي يقودها آبي أحمد ولكن مع الأسف ثمة دول عربية دخلت على الخط، ترسل مساعدات عسكرية وغير عسكرية للنظام.
إثيوبيا ليست لديها طائرات مسيّرة حتى تستخدمها في قصف عاصمة إقليم تيغراي، ميكيلي، وقوات جبهة التحرير التي تحقق تقدما عسكريا، في اتجاه الاقتراب أكثر من العاصمة أديس أبابا.
آبي أحمد، كان قبل وقوع الجولة الأخيرة من القتال، قد وافق على قبول إسرائيل، بمكانة مراقب في الاتحاد الإفريقي، ومقره أديس أبابا، كدلالة معلنة وملموسة على عمق العلاقات. احتج آبي أحمد على الحملة الأخيرة لهجرة «الفلاشا» إلى إسرائيل، لكنه سرعان ما أن ابتلع لسانه.
في كل الأحوال فإن دولة الاحتلال تسعى وراء مصالحها، ومن ضمنها تهديد الأمن القومي الاستراتيجي العربي، ولكن ذلك لا يعفي العرب من المسؤولية عما يكابدون وينتظرون في مستقبل قريب، حين لا ينفع الندم.
العرب لم يكتفوا بأن يديروا حروبا على بعضهم البعض بل يتسابقون إلى العلاقة مع إسرائيل، التي تشكل الفيروس الأخطر على شعوبهم ومصالحهم وإن لبست رداء الحمل.