فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: في تقريره السنوي لعام 2020، وثّق ديوان الرقابة المالية والإدارية خروقات جسيمة في المؤسسات الحكومية، وتعدٍ على المال العام في صندوق "وقفة عز" الذي أسسته الحكومة الفلسطينية العام الماضي كطريقة لتعويض المتضررين من أزمة وباء كورونا، فضلاً عن قضايا فساد بملايين الشواقل في بخزينة عدد من المؤسسات والدوائر الحكومية كهيئة مكافحة الفساد، ووزارة المالية، وجامعة الأقصى، واللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، والمحكمة الدستورية، وفسادًا في ملف التحويلات الطبية، وموسم الحج لسنة 2019.
وبالرغم من صدور التقرير وتسلم رئيس الوزراء محمد اشتية نسخة منه في نهاية يوليو\ تموز الماضي، لم تتخذ الجهات الرسمية في السلطة الفلسطينية أي إجراءات لمحاسبة الفاعلين والمتورطين في قضايا الفساد، وسط تعطيل تام للمجلس التشريعي وحله رسميًا أواخر عام 2018، ومع عدم وجود أفق قريب للانتخابات التشريعية التي أجلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى أجل غير مسمى.
لا مساءلة للفاسدين
في حديثه لـ "شبكة قدس"، يؤكد الباحث الرئيسي في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" جهاد حرب، أن السؤال الحقيقي يكمن في ماذا فعلت الجهات المختصة لمساءلة من ثبت أنهم مخالفون أو متورطون في جهات فساد، وما هي الدروس والعبر التي اتخذتها السلطة الفلسطينية لتفادي إمكانية حدوث ذلك مستقبلا؟، مستدركًا: "وليس السؤال حول المعلومات الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، لأنها بطبيعة الحال هي معروفة لدى الجهات المختصة منذ صدورها."
ويستكمل قائلاً: "الأهم بالنسبة لنا ماذا فعلت وزارة العمل؟، هل استرجعت الأموال أم لا، وزير العمل قال استرجعنا الأموال، هل حاسبت الشخص المُتحايِل، لأنه بدون محاسبة ستستمر محاولات التحايل للحصول على الخدمات والمساعدات دون وجه حق."
ويشير حرب إلى أن أن غياب المؤسسة التشريعية، وهي المؤسسة الرقابية على الحكومة، يضعف من قدرة المؤسسات الرقابية الاخرى كديوان الرقابة الإدارية والمالية، وهيئة مكافحة الفساد، ويبقى السلطة التنفيذية دون مساءلة ومحاسبة الأمر الذي يتيح فرص لممارسة الفساد.
ويشدد الباحث الرئيسي في "أمان" على أنه في ظل عدم وجود مجلس تشريعي، تبقى القدرة على تفعيل توصيات الديوان محدودة، فالعلة الأولى، مؤكدًا على ضرورة أن يكون هناك مجلس تشريعي، مُتجدد، ومنفتح وينفذ مساءلة حقيقة للسلطة التنفيذية وخاصة الوزراء، في ظل انتخابات وحركة سياسية.
وحول الحل المتوقع من وجهة نظره، يرى حرب الحاجة إلى مزيد من الضغط على السلطة التنفيذية لإجراء الانتخابات العامة، "وهذه المسؤولية تتحملها الفصائل والأحزاب الفلسطينية أولاً ومنظمات المجتمع المدني ثانياً والجمهور الفلسطيني ثالثًا."
غياب المؤسسة الرقابية
لم تشهد الساحة الفلسطينية أية انتخابات تشريعية بعد الانتخابات في عام 2006، وما تبعها من الانقسام الفلسطيني عام 2007، وبالرغم من صدور مرسوم رئاسي أواخر العام الماضي يفيد بإجراء الانتخابات التشريعية بحلول مايو \ أيار 2021، إلى أن الرئيس محمود عباس أجل الانتخابات في الليلة الأخيرة قبل الدعاية الانتخابية حتى إشعار آخر.
وتنص المادة الـ (47) من القانون الأساسي الفلسطيني، على أن "المجلس التشريعي الفلسطيني هو السلطة التشريعية المنتخبة، وأنه يتولى مهامه التشريعية والرقابية على الوجه المبين في نظامه الداخلي"، وأن مدة ولاية المجلس القائم تنتهي عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية، إلا أن المحكمة الدستورية أصدرت قرارها بحل المجلس وقد انتهت ولايته، وفق قرارها، عام 2010، ونقلت صلاحياته إلى رئيس السلطة الفلسطينية بموجب القانون الأساسي.
وحول ذلك، يقول الكاتب المختص في الشأن القانوني ماجد العاروري، إن استمرار تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني يساهم بشكل كبير في حدوث كل أشكال الفساد السياسي والإداري والمالي في المؤسسات الحكومية، وذلك يعود إلى "أن المجلس التشريعي هو الجهة المخولة بالرقابة على السلطة التنفيذية، وفي ظل غيابه، تتولى السلطة التنفيذية كافة السلطات ومن ضمنها التشريعية وبالتالي لا يوجد أي رقابة."
ويصف العاروري في حديثه لـ "شبكة قدس" أن المجلس التشريعي هو "الجهة الحقيقية التي تملك المخالب وتملك القوة، وتملك السلطة في المساءلة فيما يتعلق بالفساد، وغيابه يشكل نوع من الحصانة للفاسدين ولا يمكن أن نتحدث عن رقابة حقيقية للفاسدين في ظل غياب المجلس."
ويضيف، أن مثل هذه التقارير التي تكشف الفساد، كان يجب أن تكون محل تحقيق ولجان استجواب وحجب الثقة عن الجهات التي تمارس الفساد، إلا أننا وبحسب الكاتب المختص في الشأن القانوني في "حالة شلل كبير، ولا نمتلك القدرة على مواجهة الفساد"، مشددًا على أنه لا يمكن أن يحدث تغيير باتجاه مواجهة الفساد المستشري في المجتمع الفلسطيني إلا بعودة التشريعي وإجراء الانتخابات.
ويرى العاروري أن التقرير الذي صدر عن ديوان الرقابة يصنف من أهم التقارير الصادرة عنه، وحتى لو تم سحبه وإلغاء الموقع الإلكتروني فإن نشره في المرة الأولى من الأصل يشكل نقلة نوعية في الديوان وفي فرض الرقابة المجتمعية على المؤسسات."
"هذا التقرير كان يجب أن يحول إلى جهات المحاسبة لاتخاذ كل الإجراءات وتحميل الأشخاص مسؤولية القصور، وإثارة نقاط مهمة تتمثل في هل نتج هذا الفساد نتيجة ضعف الرقابة؟، وهذا يعني أنه لا قيمة لكل ما يصدر عن مؤسسات الرقابة دون أن يكون هناك مجلس تشريعي"، بحسب الكاتب العاروري.
في السياق ذاته، يؤكد النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة أن غياب المجلس التشريعي وغياب الرقابة والمساءلة والمحاسبة فتح الباب واسعا أمام هذه الممارسات، واصفًا ما جاء في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية بـ "الأمر الجيد"، وبداية لخطوات كشف الفاسدين والمُفسدين بشكل عام.
وفي إشارة إلى الفساد المستشري صندوق وقفة عز، يقول خريشة في حديثه لـ "شبكة قدس": "ليس من المعقول لشخص براتب عالي وتطمع نفسه في 700 شيقل أن يكون أمينًا على عمله وعلى وطنه"، مضيفًا أنه لا يمكن الاكتفاء بالقول "إننا استردينا الأموال التي حصلوا عليها"، بل الأصل أن يتم محاسبتهم ويكونوا عبرة في المستقبل لكل من تسول نفسه في الاستيلاء عن المال العام، أو مال الفئات المحرومة والمهمشة.
في السياق، رفضت محكمة الطعن العليا، أمس الإثنين 11 أكتوبر\ تشرين الأول، الطعن في قرار الرئيس الفلسطيني تأجيل الانتخابات العامة واصفة إياه بـ "القرار السيادي"، وبحسب خريشة فإن المحكمة بقرارها عززت توجه الرئيس بإلغاء هذه الانتخابات، مشددًا على أن قانون أعطى للرئيس حق إصدار مرسوم بإجراء الانتخابات، ولكنه لا يملك حق الإلغاء، على اعتبار أن الانتخابات مطلب شعبي واستحقاق وطني.