واشنطن - قدس الإخبارية: انشغل الرأي العام العربي والعالمي في الأيام الأخيرة في تفسير انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والسيطرة السريعة المفاجئة التي حققتها حركة طالبان على مساحة كبيرة من أراضي أفغانستان، وقدر اعتبر كثيرون أن ما جرى سيكون له تداعيات استراتيجية مقلقة، وسيخلق تحديات سياسية وأمنية لدول المنطقة.
بدأت قصة الانسحاب الأمريكي في فبراير 2020، حين تمكن الرئيس السابق دونالد ترامب من صياغة اتفاق مع طالبان في العاصمة القطرية الدوحة، تعهد بموجبه بالإفراج عن أسرى الحركة وسحب القوات العسكرية الأمريكية من أفغانستان في غضون 14 شهرًا.
وتلتزم طالبان، وفق الاتفاق، بعدم منح تنظيم القاعدة حرية الحركة والتواجد وإجراء مفاوضات مع النظام الموالي للولايات المتحدة في كابول من أجل ضمان استقرار البلاد. لكن طالبان صعدت من هجماتها في الفترة الأخيرة لاستشعارها وجود تلكؤ أمريكي بالانسحاب، ودفعت المخاوف من التصعيد الأمني في أفغانستان بايدن إلى الأمر بشكل مفاجئ بانسحاب فوري حتى نهاية أغسطس.
واعتبر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن الاتفاق الذي وقع بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في الدوحة في 29 فبراير 2020، كان الهدف منه وضع حد للهجمات المستمرة من طرف الحركة ضد القوات الأمريكية على امتداد ما يقرب عقدين، لكن التصور الاستراتيجي الأوسع هو أن الولايات المتحدة فشلت في هزيمة مقاتلي طالبان وأثبتت محدودية قوتها العسكرية أمام طبيعة وشكل التهديد الذي كان يشكلونه.
واجهت الولايات المتحدة خيارات صعبة بشأن كيفية إنهاء الحرب المكلفة وفاقدة التأييد في الداخل الأمريكي، والتي وصلت في النهاية إلى طريق مسدود. الخياران المتاحان أمام واشنطن كانا إما الانسحاب بشكل أحادي أو باتفاق مع طالبان يتضمن الحصول على ضمانات معينة مقابل انسحاب القوات الأمريكية. بعد موازنة أجرتها الإدارة الأمريكية في كلا الخيارين، قررت الذهاب لمفاوضات مع طالبان استمرت 14 شهرا ومن ثم كان الاتفاق.
وعن سر الانسحاب السريع للقوات الأمريكية بأمر من بادين، تكشف تقارير غربية أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما اعتاد أن يقول لمستشاريه أنه ورث حربين، واحدة جيدة والأخرى غبية، احتلال العراق وغزو أفغانستان، لكن الشخص الوحيد في دائرة أوباما الذي كان يرى أن الحربين غير ضروريتين هو بايدن، لكنه لم يستطع أن يفرض رأيه في حينها أو يقنع من حوله، لكنه الآن وأصبح رئيسا للولايات المتحدة فقد طبق رؤيته.
قُتل 2312 جنديًا أمريكيًا في أفغانستان وأصيب ما لا يقل عن 20 ألف منذ غزو القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي في أكتوبر 2001. وقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأفغان في الحرب بين القوات الغربية وطالبان. وتقدر تكلفة الوجود الأمريكي هناك بـ 824 مليار دولار على الأقل (وفقًا للتقديرات، تصل التكلفة الإجمالية للحرب إلى ضعف هذا المبلغ).
هذه المعطيات جعلت إعلان بايدن في أبريل عن الانسحاب من أفغانستان يحظى بتأييد واسع النطاق ومن مختلف الأحزاب. لكن منذ ذلك الحين، شنت طالبان حملة إعادة سيطرة، وكانت ترد تقارير أسبوعية عن وقوع مقاطعة أو مدينة في أيديها، وقد ساهمت عبر عملياتها العسكرية في تسريع هذا الانسحاب.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مذكرة داخلية لوزارة الخارجية الأمريكية في نهاية الأسبوع الماضي أن المسؤولين الأمريكيين في كابول يعملون بكل طاقتهم لتدمير المعدات والوثائق السرية خوفا من سيطرة طالبان على المدينة في غضون أسابيع وحتى أيام من الانسحاب الأمريكي.
في خطابه الشهر الماضي، مع تزايد المخاوف على تعرض موظفي السفارة الأمريكية في كابول للهجوم من قبل طالبان، سُئل بايدن عما إذا كان يرى أي تشابه بين ما يجري في أفغانستان وبين الانسحاب الشهير من فيتنام في عام 1975، عندما غادرت القوات الأمريكية بسرعة قياسية، تاركة وراءها الآلاف من العملاء. جاءت الإجابة بعد شهر من خلال صور العملاء الأفغان الذين سقطوا من الطائرات الأمريكية لتكون أكبر دليل أن المشهدين واحد لسبب واحد ونتيجة واحدة.