الضفة المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: تصاعد مؤخراً الحديث عن خطوات للتقارب بين حكومة الاحتلال بقيادة نفتالي بينت والسلطة الفلسطينية، بوساطات دولية وأمريكية، في ما اصطلح على تسميته خطوات "بناء الثقة"، فقد شهدت الأسابيع الماضية لقاءات بين مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين واتصالات متبادلة تركزت مع الرئيس محمود عباس، وإن جاءت في مناسبات اجتماعية مثل الأعياد، إلا أنها تشير وفقاً للمراقبين إلى نية السلطة الدخول في مسار جديد من العلاقات مع "إسرائيل".
آخر اللقاءات المعلن عنها رسمياً كانت بين وفد من وزارة الصحة بقيادة مي الكيلة مع مسؤولين في وزارة الصحة الإسرائيلية، لبحث قضايا تتعلق بمكافحة كورونا ونقل المرضى وغيرها، وفقاً لبيان وزارة الصحة الفلسطينية، في الوقت الذي يرى فيه محللون أن المسار الجديد لن يتجاوز سقف "مشاريع اقتصادية" مشتركة وعلاقات في إطار التعاون بملفات غير سياسية.
وأشار مراقبون إلى أن اللقاءات في عهد حكومة بنيامين نتنياهو كانت تقتصر على "الإدارة المدنية" وأحياناً مع وزير المالية، موشيه كحلون، لبحث قضايا تتعلق بالملف الاقتصادي والمقاصة، دون التعمق في القضايا السياسية، بينما في الوقت الراهن تقدم السلطة بخطى متسارعة نحو فتح علاقات أوسع مع الحكومة الجديدة، رغم عدم وجود أي سقف سياسي أو مبادرات مطروحة على الطاولة.
يتفق الكاتب والباحث ساري عرابي أن فتح السلطة علاقات مع الاحتلال لا يتعلق بأهداف وطنية وسياسية، وأوضح: السلطة مدركة أن مشروع تحولها إلى دولة انتهى لم يعد له أي أفق، اعتقد أن هذه الحقيقة موجودة في أذهان معظم قيادات السلطة، إذا كان هناك من يعتقد أن إمكانية تحول السلطة إلى دولة ما زالت موجودة فهو واهم.
وأضاف: السلطة مدركة أن حكومة بينت غير قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية لأنها حكومة ائتلافية من تيارات متناقضة، لذلك فالذهاب إلى قرارات استراتيجية من شأنه أن يسقط الحكومة، بالإضافة إلى أن قيادة الحكومة يتنافس مع نتنياهو على التطرف أكثر.
وأكد أن غاية السلطة من التوجه لهذا المسار هو "حماية وجودها وتسويق نفسها للمنظومة الإقليمية والدولية، عقب مجموعة من الأحداث بينها معركة غزة والسلطة تريد أن تقول إن دورها ما زال مهما وأن الضفة من الممكن أن تشتعل بشكل أكبر، بالتالي يصبح المسار السياسي هدفاً بحد ذاته لتوفير داعم للسلطة".
وتابع: الانتقادات الدولية التي وجهت للسلطة بعد الأحداث الأخيرة، للأسف أي نظام عربي يحاول حل أزماته الداخلية من خلال البوابة الإسرائيلية والولوج إلى قلب الولايات المتحدة بتقديم قلب مرن وهادئ، وأيضاً لا يمكن للسلطة أن تبقى على مستوى شعبي تراوح في مكانها دون خطاب سياسي، لذلك لا بد من فعالية سياسية لا تهدف للوصول إلى أهداف وطنية كبرى، ويصبح الخطاب السياسي هدف بحد ذاته من أجل سد الفراغ.
وأشار إلى الأسباب الاقتصادية التي تدفع السلطة للدخول في هذا المسار، وقال: السلطة معنية بمرونة مع الاحتلال الإسرائيلي، الكل يعلم عن الخصومات من أموال المقاصة، لذلك فهي بحاجة إلى علاقة أيضاً مع المستوى السياسي الذي يتخذ قرار من هذا النوع.
وتعليقاً على الرأي الذي يقول إن شرعية السلطة أصبحت تستمد أساساً من "القبول الإسرائيلي والدولي" وليس عن طريق خلفيات وطنية أو قبول شعبي، أضاف: مجموعة من الشرعيات، أولها شرعية المقولة السياسية أن تتحول السلطة إلى دولة وقد انتهت فعلياً بعد الانتفاضة، ولدينا شرعية اجتماعية وهي وظيفة اقتصادية وأمنية واجتماعية، والجميع يلاحظ عدم قدرة السلطة على إنفاذ القانون والمحسوبيات في الوظائف، وأصبحت وظيفتها الأساسية الحماية الإقليمية والدولية.
وأكد أن "الحفاظ على وجود السلطة" مهم بالنسبة لوجود الاحتلال ليس فقط لأهداف أمنية، وأوضح: وجود فراغ سياسي وإداري في الضفة من شأنه أن يشعلها أكبر بكثير بحيث تكون قدرة الاحتلال أضعف على السيطرة، بالإضافة لمجموعة فوائد للاحتلال من وجود السلطة، حيث أن وجود قوة محلية يحرره من المسؤوليات عن المجتمع الواقع تحت الاحتلال، وأيضاً يمنحه رواية أن هناك طرفاً فلسطينيا يتفاوض معنا ويستفيد من ذلك في التسويق للتطبيع.
وأشار عرابي إلى نوعين من المعارضة لسلوك السلطة السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وقال إن الأولى هي الفصائل الكبيرة مثل حماس والجهاد والجبهة الشعبية، وأكد أنها غير قادرة على منع السلطة من التوجه لهذه المسارات لأسباب متعددة تتعلق بالحصار والملاحقة وظروف أخرى.
وأضاف: للأسف بعد انتهاء الانتخابات ومعركة سيف القدس لم تتمكن هذه القوى من تشكيل ائتلاف وطني معارض للسلطة، وهناك معارضة شعبية وأهلية تظهر في احتجاجات بالشارع على سياسات أمنية واقتصادية، وأيضاً هذه المعارضة غير قادرة على بلورة أفق سياسي لأنها غير منظمة.
من جانبه، اعتبر الكاتب السياسي، هاني المصري، أن الأفق الذي يحكم المسار الحالي من الخطوات التي سميت "بناء الثقة"، هو "تعزيز السلطة ومنع انهيارها"، وليس وجود مشروع مفاوضات سياسية، وأشار إلى تصريحات الناطق باسم حكومة الاحتلال، نفتالي بينت، بهذا الشأن.
وأضاف: توجه الفلسطينيين لخطوات بناء الثقة شيء خطير، عملياً أننا نتوجه نحو الاقتصار لحل الملفات الاقتصادية، يجب أن يكون الأفق إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، الإدارة الأمريكية تقول إن هذا ليس وقته، إذا فلنتوجه لترميم بيتنا الداخلي وتقوية أنفسنا.
وتابع: قبلنا بخفض السقف الفلسطيني أقل مما كان في السابق، وهو كان منخفض أصلاً في السابق، من أجل الدخول في خطوات بناء الثقة وتحسين الوضع المعيشي.
وحول هل نجح الاحتلال في جر الفلسطينيين إلى مربع السلام الاقتصادي، قال: للأسف بشكل أو بآخر نجح بجعلنا نتعاطى مع هذا المسار، نحذر من هذا التوجه قبل فوات الأوان، لا يجوز بيع الوهم أن بينت يريد مفاوضات سلام فهو متطرف أكثر من غيره، وبايدن لا يريد الضغط على حكومة بينت كي لا تنهار، ولبيد قالها للأوروبيين "أنا مع دولة فلسطينية لكن ليس الآن وقتها".
ويتفق المصري أن السلطة تريد من الدخول في هذا المسار "ضمان بقائها" بعد قضية إلغاء الانتخابات، واغتيال نزار بنات، ووقف المساعدات المالية، والخصومات من أموال المقاصة.
وأضاف: طالما تأجلت الانتخابات فإن الشرعيات تفقد، الانتخابات أوالمقاومة أو الانجاز أو الوفاق هذه ما تمنح الشرعيات وليست موجودة، بالتالي تلعب العوامل الخارجية دوراً كبيراً في تأكيد شرعية السلطة، ونأمل أن يتم وقف هذا المسار قبل فوات الأوان لن يعطي نجاحه، وحتى لن يبقى الوضع على ما هو عليه بل سيتدهور بشكل أكبر.
وحول دور المعارضة، اعتبر المصري أن دورها لا يجب أن يقف فقط عند "الاعتراض والمعارضة"، وأوضح: يجب عليها طرح مشروع بديل على أساس الشراكة وليس الإقصاء، المطلوب ليس فقط انتقاد السلطة، بل يجب بناء البيت الداخلي، وفي قطاع غزة ينتظر الأموال القطرية وإعادة الإعمار دون أفق سياسي، والمخرج على أسس واقعية وطنية وشراكة حقيقية.
وفي السياق، قال الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي، طارق السلمي، في حديث مع "شبكة قدس" إنه "كان من المفترض أن يتم الحديث عن جرائم وسياسات العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وما يجري في الضفة الفلسطينية والمسجد الأقصى، وطرح مظلومية الشعب الفلسطيني أمام الرأي العام الإقليمي والدولي وفضح سياسات الاحتلال، بدلاً من إقامة العلاقات التي تأتي على حساب حياة الشعب الفلسطيني".
وعن أهداف السلطة من الدخول في هذا المسار، أضاف: السلطة بعد تجربة طويلة من المفاوضات لم تحصل على شيء، ولم تعمل على إقامة الدولة على حدود 1967، وهذه عبارة عن أوهام لن تتحقق عبر التسوية والاتفاقيات، العدو لا يفهم سوى لغة القوة والحقوق لا تستجدى منه، لذلك على السلطة واجب أن تطلق العنان لمقاومة الشعب الفلسطيني في الضفة للاشتباك المباشر مع العدو، أو المواجهة من خلال التأكيد على الرواية التاريخية الفلسطينية.
وعن المطلوب من الفصائل لمواجهة هذا المسار، أوضح: موقف الفصائل واضح من الاتفاقيات والتنسيق الأمني أنها مرفوضة، ويجب أن نواجه هذه السياسات من خلال الصمود والتحدي والإصرار على دحر الاحتلال عن أرضنا وهذا موقف معلن وواضح.
من جانبه، أكد عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية، وسام زغبر، على موقف الجبهة الذي عبرت عنه في بيانها الأخير وهو رفض سياسات "بناء الثقة" مع الاحتلال.
وقال في حديث مع "شبكة قدس" إن الجبهة تحذر من "محاولات اختصار القضية والحقوق الوطنية بعدد من المطالب والإجراءات والتحسينات الاقتصادية، وإخراجها من سياقها باعتبارها قضية تحرر وطني".
وأضاف أن "الحل الذي يضمن لشعبنا حقوقه كاملة، هو في مغادرة اتفاق أوسلو، وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، والتوجه نحو بناء اقتصاد وطني مستقل، يحرر شعبنا من الاستعمار الاقتصادي الإسرائيلي ويفتح على الاقتصادات العربية".
وشدد على ضرورة "التوقف عن الرهانات الخاسرة، بما في ذلك الرهان على السياسة الأميركية باعتبارها طوق الإنقاذ لقضيتنا".