الضفة المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: لا تتوقف الجماعات الاستيطانية عن سعيها لفرض السيطرة على مساحات إضافية من الأراضي في الضفة المحتلة، وأحد "التكتيكات" في هذا المشروع إقامة البؤر الاستيطانية التي قد يجاور بعضها مستوطنات أكبر أقيمت قبل سنوات أو عقود.
منذ بداية احتلال جبال وسط فلسطين بعد نكسة 1967، أطلق الاحتلال معركة واسعة للسيطرة على قمم الجبال والمواقع الاستراتيجية في الضفة المحتلة، لأهداف سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية، تتعلق بداية بتأمين حماية للمدن المحتلة على الشريط الساحلي، التي لا يتوفر لها عمق كافي يحميها من أي تحرك عسكري فلسطيني أو عربي.
يعتبر أرئيل شارون رئيس حكومة الاحتلال السابق، صاحب السجل الإجرامي بحق الفلسطينيين والعرب، أحد عرابي مشروع السيطرة على تلال وجبال الضفة، وقد تحدث بالتفصيل عن نظرته للسيطرة على المنطقة لتأمين حماية لدولة الاحتلال، كما يقول، ويروي في مذكراته أنه بعد احتلال 1967 عمل على نشر قواعد الجيش والمدارس العسكرية في الأماكن التي اعتبرها استراتيجية.
يقول شارون في مذكراته: "إن ضرورة الحضور الإسرائيلي في هذه المناطق لا ترتهن في مفهومي لأي حل سياسي. فما كان يبدو لي واضحاً بصرف النظر عن كل حل سياسي لاحق هو حتمية وجوب السيطرة على المنطقة الجبلية المشرفة على المنطقة الساحلية، وذلك لأهداف ثلاثة: تأمين سلامة الشريط الساحلي الضيق، والدفاع عن السهل الممتد على طول الأردن، وضمان حماية أورشليم".
ويتابع: "وهكذا نقلت المعاهد العسكرية وقواعد التعليم، وطوال وجودي على رأس مصلحة التعليم احتللت معظم القواعد العسكرية الأردنية القديمة ومراكز الشرطة القائمة خارج المدن، وكانت كلها دائماً تحتل أهم المواقع الاستراتيجية".
يشير الباحث إيال وايزمان في كتابه "أرض جوفاء: الهندسة المعمارية للاستعمار الاستيطاني"، إلى أن أحد السمات التي ميزت عمل شارون خلال رعايته للاستيطان فترة السبعينات، هي "إحجامه عن وضع ملامح دقيقة للخطة التنفيذية"، وقد رفع شعار "أنا استوطن حيث أستطيع"، وهو ربما ما يمكن تمثيله بالبؤر الاستيطانية التي تنتشر حالياً في مناطق مختلفة من الضفة، حيث تبدأ بشكل عشوائي ثم يتم تسمينها حتى تصبح كتلة استيطانية كبيرة.
لم يكن شارون وحده صاحب المشاريع الاستيطانية للسيطرة على الضفة المحتلة، بل بقيت فكرة البقاء في جبالها وتلالها ومنع قيام دولة فلسطينية، على أجندة معظم التيارات السياسية في دولة الاحتلال، ويأتي دعم المستوطنات والجماعات الاستيطانية في عملياتها لسرقة الأراضي وإقامة البؤر على رأس أولويات تيارات مختلفة بينها التيار القومي الصهيوني، الذي تقدم مؤخراً في الحياة السياسية الإسرائيلية، وصعد أحد رموزه "نفتالي بينت" رئيس "حزب يمينا" إلى منصب رئيس الحكومة في دولة الاحتلال.
عن أهداف إقامة البؤر الاستيطانية، يوضح مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد (أريج)، سهيل خليلية، أن أحد أهداف إقامة البؤر الاستيطانية هو تأمين توسع "بؤرة أم" في المستقبل، وأضاف: "المستوطنين يقيمون نوعين من البؤر الاستيطانية، إحداها تقع في المخطط الهيكلي للمستوطنات القائمة، وتكون مؤهلة في المستقبل أن تكون امتداداً لهذه المستوطنة".
وتابع: النوع الثاني من البؤر الذي يكون في مناطق عشوائية، هذه البؤر هدفها هو محاولة منع الفلسطينيين من استغلال أراضيهم، أو تحديد مناطق جغرافية تكون لاستخدام المستوطنين لخلق نقاط تشتيت عن ما يحدث في مناطق أخرى".
واعتبر خليلية أن الصراع الدائر حول البؤرة الاستيطانية في جبل صبيح، أحد أهدافه تشتيت الانتباه عن ما يحدث في مناطق أخرى مثل منطقة الأغوار، أو شق طرق استيطانية، أو إقامة مناطق صناعية.
وقال: من الممكن أن يستسلم الاحتلال في بيتا ويفكك البؤرة الاستيطانية، في ظل المواجهة التي يتعرض لها المستوطنون، وهذه البؤر الاستيطانية وجدت لخلق امتداد استيطاني.
وحول أكثر المناطق التي تنتشر فيها البؤر الاستيطانية، أشار إلى أنها في الأغوار، والمناطق حول نابلس، وجنوب الخليل.
كشف تقرير سابق صادر عن "المكتب الوطني للدفاع عن الأراضي" التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلى أن الاحتلال أقام ست بؤر استيطانية في منطقة الخليل، خلال الفترة بين 2017 - 2019، على أراضي بلدات دورا، وبني نعيم، ويطا، والسموع، والظاهرية، وسعير.
وفي محافظة أريحا والأغوار، أقام الاحتلال ما يقارب 11 بؤرة استيطانية في الفترة ما بين 1996 إلى 2015.
وتشير الإحصائيات إلى أن الاحتلال أقام منذ عام 1982 ما يقارب 270 بؤرة استيطانية، حول المستوطنات الكبيرة، في الضفة المحتلة.
وأوضح سهيل خليلية في حديث مع "شبكة قدس"، إلى أن بناء البؤر الاستيطانية ازداد بشكل أكثر وضوحاً في السنوات الماضية، وتابع: رغم أن بعض البؤر لم تحصل على موافقة الجهات الرسمية لدى الاحتلال، ولكن يتم تقديم مساعدات لها، وتوفير الحماية لها من قبل الجيش، وفتح طرق ترابية لها، وتوصيل الماء والكهرباء لها.
وأضاف: لدى الاحتلال توجه لشرعنة جزء كبير من البؤر الاستيطانية في الضفة، وإذا نجحت الحكومة الجديدة في شرعنة البؤر فسنكون أمام خطر الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي لصالح التوسع الاستيطاني في هذه البؤر، وتخصيص ميزانيات رسمية ومنح قروض للمستوطنين للسكن في البؤر ومدها بالطرق وخطوط الماء والكهرباء، وبالتالي هذه البؤر الصغيرة مؤهلة للانتشار كما تنتشر الخلايا السرطانية في جسد الضفة.
وكانت اللجنة المنظمة "للكنيست" صادقت في شهر مايو/أيار الماضي، على تقديم وعرض مشروع قانون "تسوية المستوطنات الصغيرة"، وهو ما يعني تشريع إقامة عشرات البؤر الاستيطانية التي ستقتطع مساحات من أراضي الضفة المحتلة، مما يقود لزيادة تقطيع التجمعات الفلسطينية ومنعها من الاتصال.
وتنتشر في البؤر الاستيطانية مجموعات ممن يطلق عليهم "فتيان التلال"، وهم مجموعات من الشبان المنخرطين في ميليشيات شبه عسكرية، تنتشر في الجبال التي يسيطر عليها الاستيطان والاحتلال، ويشنون هجمات متواصلة على القرى والبلدات والمركبات الفلسطينية، ونفذت مجموعات منهم جرائم بحق الفلسطينيين، بينها إحراق المنازل والمساجد ومهاجمة المركبات على الطرق الرئيسية في الضفة.
ومن بين المجموعات الاستيطانية التي تنتشر في البؤر والمستوطنات بالضفة المحتلة، جماعة "تدفيع الثمن"، التي تمارس جرائمها بحق منازل والأماكن المقدسة للفلسطينيين، منذ سنوات طويلة، وقد ظهرت رسمياً في عام 2008.
يؤكد باحثون ومراقبون أن المشروع الاستيطاني في الضفة والقدس، انتعش بعد انتفاضة الأقصى، التي تسببت بخسائر فادحة في صفوف المستوطنين ودفعت "عراب" مشروع السيطرة على جبال وتلال الضفة، أرئيل شارون، إلى التفكير بالانسحاب من مساحات واسعة في المنطقة، إلا أن الظروف السياسية والأمنية التي نشأت في الضفة عقب انتهاء الضفة، أعادت الروح للمشاريع الاستيطانية وسمحت للمستوطنين بالعربدة على الوجود الفلسطيني وتشكيل تهديد لمناطق واسعة.
تأتي تجربة بلدة بيتا جنوب نابلس في مواجهة الاستيطان، التي استلهمت فكرة "الإرباك الليلي" من مسيرات العودة في غزة، أملاً جديداً للفلسطينيين في الضفة لإمكانية هزيمة المشروع الاستيطاني، كما حصل في غزة التي أجبرت الاحتلال على تفكيك الكتل الاستيطانية والانسحاب منها، بعد أن كان شارون قد رفع شعار "نتساريم مثل تل أبيب".