رام الله - خاص قدس الإخبارية: تشهد الساحة السياسية في الاحتلال الإسرائيلي تصعيداً غير مسبوق منذ اغتيال رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إسحاق رابين، في ظل الفشل في الوصول إلى حكومة إسرائيلية مستقرة لأكثر من عامين.
وتبدو حظوظ بنيامين نتنياهو في الاحتفاظ بمنصبه ضعيفة للغاية في ظل توجه وزير حرب الاحتلال الأسبق نفتالي بنيت ووزير المالية الأسبق نحو تشكيل حكومة جديدة مع زعيم المعارضة يائير لبيد من خلال ما يعرف "معسكر التغيير" وهو ما دفع أوساط يمينية لاتهام بنيت بالخيانة والانسحاب من اليمين إلى اليسار.
وبمعزل عن الحراكات السياسية المتعلقة بتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، فإن الفترة الراهنة تشهد تحريضاً متزايداً وصل إلى حد نشر المحسوبين على اليمين برئاسة نتنياهو صور ساسة إسرائيليين من ضمنهم لابيد وبنيت موشحين بالكوفية الفلسطينية.
في أعقاب ذلك، رفعت المخابرات الإسرائيلية من وتيرة الحماية الخاصة بكل من لبيد وبينيت خشية من وصول الأمر إلى تنفيذ عمليات اغتيال سياسي في ضوء زيادة منسوب لغة خطاب الكراهية والتحريض بين القادة السياسيين في الاحتلال على خلفية التنازع على تشكيل الحكومة.
ويبرز هنا رؤية بعض المراقبين والمتابعين للشأن الإسرائيلي أن المشهد في الاحتلال مختلف كثيراً عن السابق وأن الحديث عن اليمين واليسار لم يعد كما كان في السابق، في ظل وجود يمين ويمين متطرف ووسط "يميني" يتناحر جميعهم سياسياً.
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي حسن لافي إن "هناك أزمة مركبة داخل الكيان الإسرائيلي وهي أزمة سياسية تظهر على السطح وهناك اضطراب سياسي نتيجة لغياب حكومة لأكثر من عامين، والأخطر بالنسبة لهم أن هذا الاضطراب ناتج عن إشكالية مجتمعية بالأساس".
وأضاف لافي لـ "شبكة قدس" أن الاحتلال عبارة عن دولة مستوطنين من المهاجرين بالأساس ولا تربطهم إلا فكرة الحركة الصهيونية مع الإشارة إلى وجود فروق اجتماعية كبيرة بين المستوطنين، عدا عن الشرخ الأيديولوجي الكبير بين المتدينين والعلمانيين.
وأردف قائلاً: "انحصار السيطرة السياسية لدى اليمين الإسرائيلي لمدة 12 عاما متتالية أدى لانحصار الفكرة الصهيونية المتمثلة في التضامن الاجتماعي، بالإضافة إلى هدم نتنياهو للنظام السياسي الإسرائيلي ومحاولته تثبيت نظام حكمه كملك وليس كرئيس وزراء".
وبحسب لافي فإن القضاء الإسرائيلي كان في السابق هو المرجع أوقات الخلافات، لكنه بعد مهاجمته من قبل اليمين تأثر كثيراً وأدت القوانين التي تسن من قبل قوى اليمين خصوصاً ذات العلاقة بتعيين كبار الموظفين لعدم ثقة الجمهور بالنظام السياسي.
وأردف الكاتب والمحلل السياسي: "هناك عوامل كانت تساعد على قوة المجتمع بدأت تنحل وتتراجع وما يجري حالياً لا يقلق فقط الساسة الإسرائيليين، وبدأت مراكز الأبحاث الإسرائيلية تعتبر التطورات الحاصلة خطيرة للغاية.
واعتبر لافي أن حدوث الاغتيال السياسي سيكون ترجمة ونتاج للأزمة السياسية الحاصلة، فالأمر قد بدأ بالتظاهرات الغاضبة وقد يمر بالاغتيالات السياسية، وسينتهي بحرب أهلية داخلية في ضوء تعاظم الخلافات بين الإسرائيليين.
ويتفق المختص في الشأن الإسرائيلي د. عمر جعارة في حديثه مع لافي في إمكانية حدوث عمليات اغتيال سياسي تتويجاً للأزمة السياسية والداخلية في صفوف الأحزاب الإسرائيلية.
وقال جعارة لـ "شبكة قدس" إن ظهور صورة بينت بالكوفية أثار الغضب والخوف في صفوف المخابرات الإسرائيلية سيما وأن الصورة قد نشرت عبر وسائل إعلام إسرائيلية، ما دفعها للقيام بتأمين منزل بينت وشريكته ايليت شاكيد وتعزيز الحراسات عليهما.
واعتبر المختص في الشأن الإسرائيلي أن نتنياهو الذي يعتبر نفسه زعيم اليمين الإسرائيلي فشل في تشكيل الحكومة رغم أن جميع عدد مقاعد القوى اليمينية تبلغ 80 مقعداً، وهو ما ينفى عنه صفة الزعامة نظراً للخلافات بين القوى المختلفة.
وأشار إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية وحتى الإسرائيليين يرون في نفتالي بنيت أنه يشبه "الزئبق" إذ لا توجد له مواقف ثابتة ومحددة سياسياً ومن السهل التراجع عن أي خطوة بالرغم من قيامه بتوجيه ضربة لنتنياهو بتحالفه الأخير مع لابيد.
ووفقاً لجعارة فإن حدوث أي عملية اغتيال سياسي ستقود إلى حالة تفكك أكثر في المجتمع الإسرائيلي، وسط تصاعد الخوف والقلق لدى أجهزة المخابرات الإسرائيلية من إمكانية تنفيذ مثل هذه العمليات في ضوء الواقع السياسي المأزوم.
وكان الأكاديمي الإسرائيلي ديفيد باسيج، من جامعة "بار إيلان" تنبّأ بأن يشهد الاحتلال حالة من الحرب الأهلية، يسبقها اغتيال سياسي لأحد زعمائه، فضلا عن انتشار ظاهرة هجرة النخب اليهودية.
وأشار إلى أن "السياسة والقومية نشأتا في نفس البوتقة التي أقيمت فيها إسرائيل، وما قد يحدث لهم بعد ثلاثة أو أربعة أجيال أنهم سيبدأون في التفكك، وهذا التفكك يبدأ باغتيال القادة اليهود من قبل اليهود أنفسهم، ثم الانتفاضة الأهلية الداخلية، لأن بعض الدول تنهار بهذه الطريقة، ما يتطلب من الإسرائيليين القيام بالمزيد من الخطوات التي تجنبهم هذا المصير المرير".