فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: التواصل مع جهات معادية أو "إرهابية" أو "أجنبية"، ذرائع مختلفة تعتقل مخابرات الاحتلال من خلالها أو تستدعي أو تمنع من السفر، المئات من الفلسطينيين، الذين يتواصلون مع أهلهم وأصدقائهم خارج فلسطين المحتلة، في مسعىً من الاحتلال الإسرائيلي لقطع كافة أشكال التواصل بين الفلسطينيين في الوطن والشتات، أو حتى بين الفلسطينيين ومناصري القضية من العرب والمسلمين وأحرار العالم.
في 26 كانون الثاني 2020، اعتقلت عناصر مخابرات الاحتلال الإسرائيلي شيرين الأعرج، عمة الشهيد باسل الأعرج، من أمام محكمة صلح الاحتلال في القدس، شيرين المقيمة في تركيا، كانت قدّ قدمت إلى فلسطين منذ عدة أيّامٍ في زيارةٍ عائليةٍ، وبحسب ما نشر عددٌ من معارفها وأقاربها فإنّ مخابرات الاحتلال الإسرائيلي تعتبر قدومها للأردن منذ عدة سنوات، ولقاء أخوها الفدائي المبعد عن فلسطين منذ العام 1975، والذي توفي منذ 3 سنوات، محمد خليل الأعرج "تهمةً" تحت بند (التواصل مع جهات أجنبية).
في ذات اليوم، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الناشط مهند أبو غوش من منزله في مدينة حيفا، وبحسب محامي أبو غوش فقد وجهت مخابرات الاحتلال لمهند تهمة (التواصل مع جهات أجنبية). محكمة الاحتلال مددت اعتقال مهند وشيرين لمدة أسبوع، وتم تحويلهما لمركز تحقيق المخابرات في "بتاح تكفا"، قرب يافا المحتلة.
هذه ليست المرة الأولى التي يلاحق فيها الاحتلال الفلسطينيين والعرب بسبب التواصل بمختلف أنواعه، ففي 27 أيلول 2020، وبعد أن أعلن فريق (مرابطات عن بعد) الذي يضم فتياتٍ متضامناتٍ مع قضية المسجد الأقصى المبارك من مختلف دول العالم، عن فعاليةٍ في ذكرى الانتفاضة الثانية، بمشاركة المرابطة هنادي حلواني، اعتقلت مخابرات الاحتلال هنادي، وحققت معها بذات التهمة (التواصل مع جهات أجنبية)، فيما اخترقت وحدات (السايبر) الإسرائيلية هاتف الناشط إيمان كردية منظمة الفعالية، وهي مقيمةٌ في الكويت.
عقب اعتقال شيرين ومهند، وتوارد الأحاديث عن التحقيق مع كلٍ منهما بتهمة (التواصل مع جهات أجنبية)، بدأ المئات من الناشطين الفلسطينيين والعرب بالتغريد والتدوين عبر وسم (متواصلون) في مختلف وسائل التواصل الاجتماعية، لتنطلق الحملة عبر الأثير الافتراضي.
إفلاس الاحتلال
يعكس سلوك الاحتلال في تعقبه وملاحقته لكافة أشكال التواصل بين الفلسطينيين ومن هم خارج فلسطين، إفلاساً وفشلاً تعيشه المنظومة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي، الذي كان قدّ حقق نجاحاً نسبياً بعد تنفيذ مخططات (دايتون) و(السلام الاقتصادي) في العام 2007، بخنق البنى التنظيمية للمقاومة الفلسطينية، بمختلف مستوياتها، ظناً منه بأنّ ذلك سيخنق إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية المؤمنة بالحق الفلسطيني.
يقول الباحث المختص بالشأن المقدسي، زياد ابحيص: " فوجئ الاحتلال الإسرائيلي بحراكٍ شبابي متدفق في 2013 و2014 في القدس، وبعض مدن الضفة الغربية، خصوصاً في هبة الشهيد محمد أبو خضير، ثم في 2015 كانت انطلاقة انتفاضة السكاكين، ومن بعدها تجربة هبة باب الأسباط وتفكيك البوابات في القدس في 2017، ثم فتح مصلى باب الرحمة في 2019 والفجر العظيم في مطلع عام 2020 ".
ويتابع ابحيص: "في كل تلك المحطات فوجئ المحتل بإرادة مقاومة متجددة، تتنوع في صيغ التعبير عن ذاتها، من السكين والعمل الفردي إلى الاندفاعة العفوية والحراك الجماهيري الواسع في 2017، ومؤسسات الاحتلال مصممة بطبيعتها للاعتماد على العمل الاستخباراتي والأمني، عقلها مبني على اعتراض خطوط التواصل والتمويل والتنظيم باعتبارها عقيدتها المستمرة في ضرب العمل المقاوم والبنى القائمة عليه".
ويوضح: "لكن هذه الأجهزة الامنية وجدت نفسها عاجزة أمام وضع لا يتناسب مع إمكاناتها وأدوات عملها، عمل فردي يخططه وينفذه شخص واحد، وانطلاق جماهيري جماعي يفرض عليها التراجعات لكنها لا تجد له رأساً أو ناطقاً تمسك به وتنكل به لإحباطه، فباتت توجه تهماً حمقاء وتخوض جهوداً عبثية لعلها تحاصر إرادة المقاومة، فتارةً تقتحم مصلى باب الرحمة لاعتقال خزانة الأحذية، أو لخلع المسمار الذي تعلق عليه الستارة، وتارةً أخرى تلاحق السحلب والشاي في أزقة البلدة القديمة، وثالثة ترسل طائرة من دون طيار لمحاصرة بالونات الاحتفال بالذكرى الأولى لفتح مصلى باب الرحمة ".
اليوم وبعد استمرار الحراك الشعبي و العمل الفردي والجماهيري المقاوم في فلسطين المحتلة، منذ 7 سنوات، يتجلى عجز المنظومة الأمنية الإسرائيلية التي حاولت تقزيم حالة الرباط في المسجد الأقصى، باعتبارها (تنظيماً) وظنت أنّ حظر أنشطة (الحراك الشعبي الشبابي الفلسطيني) سيوقف فعاليات المقاومة الشعبية في الأرض المحتلة، تمخضت العقلية الأمنية الإسرائيلية عن اختراعٍ جديدٍ، هو تهمة (التواصل مع جهات أجنبية).
ويفسر الباحث زياد ابحيص سلوك الاحتلال باختلاق تلك التهمة بأنّه محاولةٌ لخنق الإرادة الشعبية الفلسطينية: "يحاول الاحتلال شخصنة الإرادة الشعبية وتشييئها، وكأنها إمدادات مال وسلاح تتدفق من الخارج، حتى لا تعترف بأن إرادة المقاومة هذه هي ابنة تلك الأرض وذلك التراب، وابنة الظلم الملازم لها ما دام هناك احتلال، هذه نتيجة خطيرة تعني أن المقاومة قدر ما دام الاحتلال، وهي تُدخل الخوار واليأس لأي مؤسسة أو جهاز يصطدم بها، فهي تعني بأنها مهمة مستحيلة التحقيق ببساطة".
ويتابع: " ولهذا، تلاحق مؤسسة الاحتلال المفلسة نشطاء فلسطين وأبناءها من أهل الفكر وأصحاب القيمة الإنسانية والإسهام الصادق بتهمة التواصل مع الخارج. هذه تهمة بحد ذاتها دليل وبرهان على مقدار ما تشكله الصهيونية من خطر على أصحابها وعلى البشرية وعلى الفكر الإنساني، وأن العداء لها هو الموقف الوحيد الذي يمليه الحق وتفرضه العدالة؛ فهي في عصر العولمة والتواصل المفتوح تريد أن تعتبر التواصل (تهمة)، تنزيل برنامج دردشة أو فيسبوك أو تويتر (تهمة)، أن يقرأ شخص حالتك على الفيسبوك (تهمة)، هذه العملية اليومية التي تتكرر مليارات مرة في كل يوم (تهمة) يفني جهازها الأمني المتقدم إمكاناته ووقته في إثباتها وتوثيق عناصرها ".
من جانبه، يتحدث نائب مدير عام مؤسسة القدس الدولية، أيمن زيدان، عن مدى "الوهن" الذي تعاني منه منظومة الاحتلال العسكرية والأمنية: "المفارقة أن الاحتلال يوقع اتفاقات التطبيع والتحالفات العسكرية بشكل واسع دولياً وعربياً، من أجل تثبيت كيانه الغاصب في فلسطين، ولا تحقق له الأمن والاستقرار، بل يجد نفسه عاجزا أمام عمق هذا الشعب وتجذّره في أرضه وامتداده وتواصله مع ذاته حيث كان، وحضوره في وجدان أمته العربية والإسلامية، بل وحضور وعدالة قضيته وامتدادها إنسانياً، فيلاحق تواصل هذا الشعب مع أهله وأرحامه معتبرا ذلك جريمة!! يظن واهماً أن بمقدوره التحكم بمشاعر الناس وتواصلهم الاجتماعي".
الناشط والباحث الفلسطيني ، عرفات الحاج، تحدث فلسفة التواصل بين أبناء فلسطين ومن معهم ممن آمن بقضية فلسطين قائلاً: "نحن ندرك أن تواصلنا يشكل تهديد للاحتلال، لذلك يحاول منعه، فهذا المستعمر الغازي، يدرك أيضا أن وجوده طارئ وغريب، وأن اتصال الجسد الفلسطيني والعربي، واستعادة صلاته الحيوية، وتصويب البوصلة العربية، يعني فعليا لفظه خارج هذا الجسد، وقطع حبال التطبيع التي يمدها، وكسر أسوار الحصار والعزل التي يحاول احاطة الفلسطيني بها".
ويؤكد أن "تواصلنا وايماننا أن فلسطين واحدة، متصلة بعروبتها، هو الأداة التي نقطع بها جدران الاحتلال، ومشاريع الاستسلام أمامه، نتواصل لنرفض الإبادة المعنوية والمادية لنا كشعب ومجموعة بشرية، ولننهي هذا الغزو الاستعماري وكل ما يتربط به من سياسات إجرامية ووحشية وغطرسة وبطش واستباحة لدماء الشعوب".
وعن سبل تقويض تلك التهمة وإبطال مفعولها ومواجهتها، يشير زياد ابحيص إلى أنّ تكثيف التواصل بين الفلسطينيين في الوطن والشتات، والمؤمنين بالقضية الفلسطينية، هو السبيل الأمثل الذي سوف يدفع الاحتلال الإسرائيلي للإفلاس والفشل في استخدام تهمة (التواصل مع جهات أجنبية) في سبيل تطبيق محاولاته في احتواء الإرادة الشعبية الفلسطينية.
الشمس لا تغطى بغربال
"طبيعة المعركة الدائرة في فلسطين تتمحور حول طرفين في فيها، طرفٌ متجذر ممتد، وهو صاحب الحق المطلق، وطرفٌ آخر طارئ عابر، يدرك أنّه مؤقت الوجود، بالرغم من سعيّه لتثبيت كيانه، أو تقطيع أواصر الشعب الفلسطيني، أو منعه من ممارسة أبسط أنشطته الطبيعية، وهي التواصل"، يستغرب أيمن زيدان من سلوك الاحتلال عبر تجريم فعل التواصل بين أبناء الشعب الواحد.
ويتابع أيمن زيدان قائلاً: "يدرك الاحتلال أن فكرة البحث عن أمن دائم ووجود دائم له مستحيلا، وأن هذا الشعب دائماً ينهض من كبوته ويستعيد دوره، ويحدث ذلك بشكل نام ومتدرج من البسيط إلى المركب ومن الحد الأدنى إلى الحد الأعلى فأعلى باستمرار ".
ويؤكد أنه "في النهاية لا بد بأن يدرك المحتل وأعوانه أنّ عملية الالتحام بين أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج حقيقةٌ اجتماعيةٌ تاريخيةٌ، لا تقف عند حد، يندمج فيها الشعب الواحد ومن وقف معه في ممارسةٍ سياسيةٍ طبيعةٍ واسعةٍ، تأسس لما يليها من مراحل تراكمية ستنتهي حتماً بتحقيق العودة والتحرير".