القدس المحتلة - قُدس الإخبارية: لم يخطر ببال الأسير المحرر المقدسي، علاء العلي، الذي قضى 13 عاما في سجون الاحتلال، أن ذبح عقيقة عن مولودته “سيليا” قد ينتهي به إلى التحقيق في مركز تحقيق المسكوبية، وأن حديثه حول العقيقة عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك كان سببا في تعطيله من قبل مخابرات الاحتلال.
تواصلت عام 2017 مع صديق وأسير محرر من غزة اسمه سامر، وطلبت منه شراء عقيقة لذبحها وتوزيعها على الفقراء في محيطه الاجتماعي، بحكم أن نسبة المحتاجين في غزة المحاصرة مرتفعة، على أن أحوّل ثمنها له عبر حوالة بنكية، يوضح العلي في حديثه. مشيرا إلى أنه تفاجأ في اليوم التالي بأنه فقد الوصول إلى حسابه في الفيسبوك.
ويضيف العلي أنه لم يربط بين حديثه مع صديقه سامر حول العقيقة وتعطيل حسابه على الفيسبوك، إلى أن جاءه اتصال من قبل مخابرات الاحتلال في القدس، أبلغته فيه بضرورة الحضور لمركز المسكوبية للتحقيق، وقد تفاجأ في أول دقائق من جلسة التحقيق بأن الحديث يدور عن طفلته سيليا وصديقه والعقيقة.
يقول العلي: “حاولت التوضيح للمحققين أن العقيقة جزء من الشعائر الدينية للمسلمين، واخترت توزيعها في غزة لوجود فقراء محتاجين أكثر من القدس، لكنهم أصروا على اتهامي بدعم المقاومة والتواصل مع جهات معادية، وقد استدعوا رجل دين مسلم لفهم معنى العقيقة في الدين الإسلامي”.
ورغم أن الصورة اتضحت عند مخابرات الاحتلال إلا أن قرارا صدر عنها بمنع الأسير المحرر العلي من التواصل عبر تطبيق المسنجر في حسابه الجديد على الفيسبوك لمدة 15 يوما، بالإضافة لتحذير نهائي من التواصل مع قائمة من الأسرى المحررين، وأفرج عنه بكفالة مالية لضمان العودة للتحقيق في حال استجد شيء في “قضية العقيقة”.
تراقب مخابرات الاحتلال المقدسيين ومحادثاتهم عبر تطبيقات المراسلة عن كثب، وفي العادة عندما تشتبه بطبيعة وتفسير محادثة بين شخصين أو أكثر، يتم اعتقالهم واستجوابهم على أساس السيناريو الذي رسمته المخابرات حول المحادثة، دون التوضيح للمعتقلين أن التحقيق يجري على هذا الأساس، يقول رئيس لجنة أهالي الأسرى أمجد أبو عصب.
لكن المخابرات تطلب أحيانا من المعتقلين تفسير كل ما جاء في المحادثة، وهذا ينطبق ليس فقط على المحادثات بين شخصين، بل على مجموعات المراسلة العامة في التطبيقات المختلفة، كما يوضح أبو عصب. لافتا إلى أن ذلك يندرج في إطار الهوس الأمني لدى دولة الاحتلال.
في عام 2017 اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أحد الأسرى المحررين من القدس، خلال عودته من مدينة نابلس، وعلى مدار شهرين من التحقيق في مركز تحقيق المسكوبية، حاولت مخابرات الاحتلال تفسير محادثة بينه وبين أسير محرر آخر من سكان رام الله، تبادلا فيها التهاني بعد زواج أحدهما، وكان محور التحقيق يدور حول كلمة “مبروك العرس”.
ومع تأكُد مخابرات الاحتلال أن كلمة “العرس” لم يكن لها أي خلفية سياسية أو أمنية، إلا أن صورا ضبطت في هاتف أحد المعتقلين بعد اختراقه، تُظهر مشاركته في مهرجان لاستقبال أحد الأسرى المحررين، كانت سببا كافيا لتحويلهما للاعتقال الإداري.
دولة الاحتلال تنتهك قانونها
وتحاول “أجهزة الأمن الإسرائيلية” تبرير اختراق الخصوصية الشخصية للفلسطينيين بشكل عام والمقدسيين بشكل خاص، من خلال تضخيم نسبة العمليات التي تم إحباطها بواسطة مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي من إجمالي العمليات التي تم الكشف عنها قبل وقوعها، إلى درجة أن الرئيس السابق لمنطقة القدس وقسم السايبر في جهاز الشاباك، أريك بربينغ، قد صرّح في العام الماضي بأن “هبة القدس” عام 2015 تمت محاصرتها بالتكنولوجيا.
وبحسب دراسة صادرة عن وزارة جيش الاحتلال في أكتوبر 2019 تحت عنوان “الأمن الروتيني.. معركة بين الحروب”، ساهمت مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن عمليات شراء أسلحة وتحريض وتجنيد لمقاومين، وهو ما أدى لإحباط عمليات كبيرة، وفق الادعاء.
يؤكد مدير مؤسسة الدليل للتمكين القانوني والمجتمعي، المحامي يامن زيدان، أن مراقبة محادثات ومكالمات المقدسيين هي بمثابة اختراق لخصوصية الأفراد، الذين تطبق عليهم دولة الاحتلال “القانون الإسرائيلي”، الذي يحدّ في الوضع الطبيعي من صلاحيات الشاباك من القيام بهذه الخطوة بدون توفر سبب استثنائي وطارئ.
ويوضح زيدان أن المقدسيين يجب أن تنطبق عليهم القوانين الدولية الخاصة بالاحتلال، لكن دولة الاحتلال تطبق عليهم “القانون الإسرائيلي” وتتجاوزه ويتجلى ذلك على سبيل المثال في قضية التنصت ومراقبة المحادثات بدون أي ضوابط قضائية أو إجرائية، بذريعة تحقيق “الأمن”.
ويشير المحامي زيدان إلى أن مراقبة المحادثات تتطلب إلى جانب وجود سبب استثنائي، موافقة قيادة الشرطة والمحكمة، وإذا لم يتم اتخاذ قرار المراقبة ضمن هذه الإجراءات الضابطة فلا يمكن للمادة التي جمعتها المخابرات من المحادثات والمكالمات أن تشكّل أساسا للإدانة. مستدركا: لكن في دولة الاحتلال كل شيء مباح عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين سواء في القدس أو الداخل.
العصا السحرية لتمرير الانتهاكات بحق المقدسيين، هي تحقيق الأمن، وتتعامل المحاكم مع هذا المبرر وتشرعنه، وفق حديث زيدان. مؤكدا أن الأسباب الأمنية التي تطرحها المخابرات لتبرير الاختراق الواسع للخصوصية بغطاء قضائي؛ هزيلة؛ ولا ترتقي للحد الذي يوجب هذا النوع الخطير من الاختراق.
ولا يمكن تحديد حجم مراقبة الشاباك للمقدسيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لسببين، رغم أن تفاصيل التحقيق مع بعض الحالات التي يتم اعتقالها تدلل على كثافة عمليات المراقبة: الأول، أن هذه العمليات سرية ولا يتم الإعلان عنها، إذ تقودها وحدة سرية من الشاباك متخصصة في السايبر. الثاني، أن الشاباك لا يوضح للمعتقلين في غالب الأحيان أنه استقى معلوماته من خلال تطبيقات المراسلة، وهو السبب الذي أوضحه أبو عصب.
البيئة الاجتماعية ترعب الاحتلال
ويؤكد المستشار الإعلامي لوزارة الأسرى، حسن عبد ربه، أن الأسباب التي تدفع الاحتلال لاختراق خصوصية المقدسيين تكمن في نظرته لنفسه كاحتلال مهما حاول قانونيا وإداريا وأمنيا وسياسيا تكريس فكرة أن هؤلاء سكان ومواطني “إسرائيل”.
كما أن نظرة الاحتلال تجاه المقدسيين الذين حافظوا على هوية المدينة وقاوموه على امتداد عشرات السنوات، تجعله متخوفا من نشاطاتهم وعلاقاتهم والبيئة الاجتماعية ككل، وبالتالي يكثّف من إجراءاته غير القانونية تجاههم، ومن ضمنها اختراق خصوصيتهم، يوضح عبد ربه.
وتدرك دولة الاحتلال أن نتائج سياساتها تتشكل ضمن مستويين من الوعي، الفردي والجمعي، وأن الكلمات المفتاحية لا يمكنها بناء صورة دقيقة عن الحركة المحتملة للأفراد والجماهير، لذلك فإنها تسعى لبناء تصور استخباراتي من كم المعلومات الهائل، الذي تحصل عليه من مراقبتها الواسعة للمحادثات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما تطلق عليه أذرعها الأمنية بالبحث خارج الأنساق.
وتمارس دولة الاحتلال بحق المقدسيين عملية نفاذ للوعي من خلال مراقبة محادثاتهم لفهم متغيرات البيئة ونتائج سياساتها بحقهم، لعدم يقينها باستقرار الحالة، في ضوء أنها تمارس أبشع صور التنكيل بحقهم، بعد أن ثبت أن الجماهير والأفراد في القدس يتحركون بعيدا عن المركزية التقليدية، التي تحكم سلوك الحركة السياسية الجمعية، وهو ما يشير إليه الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إلياهو كوهين بقوله إن هناك ضرورة لمتابعة وفهم حديث الأطفال وليس فقط النخبة السياسية.