ليلة اعتيادية من ليالي عصيرة الشّمالية يخيّم عليها الهدوء، هدوء لا يكسره صوت الماء السّاخن ولا صعود البخار رويدًا رويدًا من جسد محمود أبو هنّود. هذا الجسد الذي حُفِرَ برصاصةٍ دخلت بطنه وخرجت من ظهره أثناء رمي الحجارة، يد كُسِرَت في السجن، وعلامات خشونة اكتسبها من النوم لسنوات في الجبال ومن صقيع مرج الزهور، جسد ستخترقه بعد هذا الهدوء الخدِر رصاصتان، واحدة في الكتف وأخرى في الظهر.
على بعد أمتارٍ كانت وحدة من الدوفدوفان اقتحمت القرية بملابس عربية قد سيطرت على المنازل الثلاثة المحيطة بمنزل نضال دغلس، وقامت بحبس العائلات في غرفة واحدة بعد قطع كل وسائل التواصل عنهم. أبو هنّود يسحب المنشفة على عجل بعدما جاءت مكالمة تحذيرية لنضال بأن هناك حركة غريبة في المنطقة قد تكون لجنود الاحتلال.
خرج أبو هنود من الباب الخلفي قبل أن تحكم وحدة الدوفدوفان سيطرتها. بعد أن مشى مترين دون أن ينتبه له جنود الاحتلال لاحظ أن وحدة الدوفدوفان التي سيطرت على المنزل المقابل قد ارتكبت خطأ عمرها، فأفراد هذه الوحدة المتمركزة بحذر على سطح المنزل لم تلاحظ أن مستوى السّطح الذي تعتليه أكثر انخفاضًا من المنزل المستهدف. لم يُضيّع أبو هنّود هذه الفرصة، بابتسامة عُرف بها طيلة حياته، وبنظرة حازمة بدأ بإطلاق الرصاص تجاه الجنود، وبعد أن فرغ من المخزن الأول عبّأ الثاني ليقوم بإفراغه بمهارة في أجسادهم.
بعد هذا الاشتباك العنيف أُصيب أبو هنّود برصاصتين في الكتف والظهر، وبدأت الإمدادات العسكرية الصهيونية بالوصول إلى القرية التي استطاع سكّانها أن يشاهدوا المعركة عن قرب، حيث تحوّل ليل عصيرة إلى نهار. قامت قوات الاحتلال بتأمين الاتجاهات الثلاثة، وتركت جبل عيبال بدون حماية ظنّاً منهم بأن ابو هنّود لن يتوجّه إلى جبل ترأسه نقطة مراقبة عسكرية.
أثناء محاكمته في سجون السلطة الفلسطينية
حسب ما روى أبو هنّود لعائلته، وجد نفسه مُضطرًا للتوجه إلى نابلس بسبب إصابته البالغة، حيث شعر بأن يده قد أُنتزعت من مكانها. أثناء سيره ببطء إلى الجبل وجد نفسه على مقربة من جنديين فأطلق النار عليهما، ومن ثمّ قامت قوات الاحتلال بتتبع خطّ سيره من خلال دمائه التي تتساقط بغزارة من كتفه وظهره. لكنّه وفي النهاية استطاع الوصول إلى المستشفى في مدينة نابلس، حيث قامت السلطة الفلسطينية باعتقاله والحكم عليه بالسجن لاثني عشر عامًا. كان ذلك في أواخر آب من العام 2000.
بينما كان أبو هنود يسير مبتعدًا إلى المستشفى، كان صاحب المنزل نضال دَغلس والذي أصيب بالرصاص يخضع لتحقيقٍ ميدانيّ قاسٍ، حيث يُسمح فيه بالتعذيب الجسديّ من أجل سحب المعلومات المهمّة والتي لا تحتمل التأخير، وقد تعرّض خلاله لتكسير أسنانه والدعس عليه بالجيب، كما هُدِم منزله أمام عينه أثناء التحقيق. هذا الجنون كان سببه الضربة القاسية التي تعرضت لها الوحدة، حيث قتل منهم ثلاثة جنود وأصيب تسعة حسب اعترافات الجيش، بالإضافة إلى نجاح أبو هنّود في الاستمرار في عمله العسكري لسنوات بدون القدرة على اغتياله أو اعتقاله.
قامت وحدة التّحقيقات داخل الجيش الصهيوني بزيارة المكان مرّة أخرى للتعرّف على الخطأ الذي ارتكبته الوحدة، والأسباب التي كانت وراء ما حدث. جاءت النتائج لتثبت الإشاعة التي تحدثت عن تدرّب بعض الشبان من المبعدين إلى مرج الزهور على السلاح في الأراضي اللبنانية، حيث أن رصاص أبو هنّود أصاب رؤوس جنود بدقّة، وقد وجدت بعض الجثث ملقاة خارج المنزل بعدما سقطت من السطح من هول المفاجأة وكثافة النيران.
كان محمود أبو هنود من ضمن المُبعدين إلى مرج الزهور، ضمن سياسة الإبعاد التي هدفت إلى تفريغ الساحة الفلسطينية من الأفراد الفاعلين، وقد وقع الاختيار عليه ليكون من ضمن المبعدين بسبب نشاطه الذي عُرف به وانتمائه للحركة الإسلامية، لكن ما لم يعرفوه حقّاً أنه قد كان على تواصلٍ مع المطلوب الأول لهم "يحيى عياش"، وكان قد قام بتوفير المبيت والطعام لخليّة القسام الأولى التي قام زاهر جبّارين بتأسيسها. وفي ذلك إشارة إلى أن أبو هنود نجح لفترة طويلة في إبقاء عمله سريًّا مما ساعده على اكتساب خبرة كبيرة في العمل العسكري، والبقاء فاعلاً لمدة طويلة.
كانت تصرفات أبو هنّود في مرج الزهور امتداداً لما عُرف عنه قبلها، أبو هنّود الشاب الذي يعتبر المحرّك لطاقات الشباب والمحفّز لهم، وقد كان يُشارك في كل الأعمال التطوعية في المخيم. والمتتبع لسيرته يجد من أبرز معالمها عدم تلفّته للمشاكل الجانبية والتركيز على المشكلة الرئيسية، ومحاولة تجاوز المعيقات بدون الدخول في معاركٍ جانبية. ويتجلّى ذلك بشكل واضح في عدم مواجهته لأجهزة السلطة الفلسطينية حتى بعد التضييق الشديد الذي واجهه منهم. خذ مثلاً، في إحدى الخِيام في مرج الزهور جرت مشادّة كلامية بين الشباب بسبب الظروف الصعبة وتحت وطأة مشاكل الحياة اليومية حول جلي الصحون، وبينما كانت أصوات الشباب ترتفع حول هذا الموضوع، كان أبو هنود قد أنهى تنظيف الصّحون وأرجعها إلى مكانها.
أثناء عودته في أواخر العام 1988 من الجامعة إلى عصيرة، وجد أبو هنّود نفسه في وسط مظاهرة واصطدام مع جنود الاحتلال، فما كان منه إلا أن نزع قميصه ليشارك في رشق الحجارة. أصيب أثناء المظاهرة برصاصة في البطن وقبل أن تخرج من ظهره أفقدته ثلاثة أرباع كبده، وعندما وُضع داخل سيارة لنقله إلى المستشفى قام الجنود بإيقاف السيارة ضمن سياسة ممنهجة بمنع إسعاف الجرحى، وانتظار تصفية دمهم قبل السّماح لهم بالرحيل، وعندما تأكد الجنود بأن أبو هنّود لن يتمكّن من الوصول إلى المستشفى حيًّا سمحوا له بالرحيل. قام أهل القرية بحفر القبر الشهيد أبو هنود، وفي نفس الوقت ذهب جزء من عائلته لاستلام الجثمان من المستشفى ليتفاجأوا به على قيد الحياة في غرفة العمليات، بينما استمرّ أهل القرية بحفر القبر لشهيد لم تحن لحظته الفاصلة بعد.
بعد الإصابة قامت قوات الاحتلال باعتقاله وسجنه في مُعتقل "مجدّو"، وفي تلك الفترة لم تكن هناك إمكانية للمُعتقل بأن يُفرَز حماس، فلم تكن هنالك أقسام خاصة بالحركة الإسلامية بعد. لكن كما هو متوقّع من أبو هنّود، كان أحد الفاعلين في إقرار حقّ الحركة في الحصول على أقسام خاصّة بها، وقد كُسرت يده أثناء دفاعه عن هذا الحق في وجه الفصائل الأخرى. كان أبو هنّود يعرف متى هي اللحظة المناسبة للدخول في معركة جانبية من أجل تحصيل نقاط تساعد على خوض المعركة الأساسية، ومتى يتجنّبها حينما قد تتحوّل هذه المعارك الجانبية إلى رئيسية. لم يواجه أبو هنود أجهزة السلطة الأمنية، حتى بعد التضييق الشديد عليه وعلى عائلته، وعندما قام أصدقاؤه بتسليم أنفسهم للسلطة، قال له والده أنه في حال سلّم نفسه للسلطة فإنه سيتبرّأ منه.
يقولون إنّ الشهداء مميّزون دائماً، وكأنهم قد خُلقوا ليكونوا شهداء، بينما حين نقف على أثرهم ونتتبّع خطاهم، وعندما نقرأ ماضيهم بأثرٍ رجعي من تلك اللحظة الجليلة إلى طفولتهم نجدهم بالمجمل أشخاصاً "عاديين"، لا شيء خارق بشأنهم، هُم فقط يرتفعون إلى تلك المنزلة العظيمة عندما يلتحمون بمصيرهم الذي كتبوه بأيديهم.
الحاضنة الشّعبية
وُلد محمود في عائلة تمارس الفلاحة لكسب عيشها، حيث الزراعة الجبلية الصعبة شحيحة الانتاج، طفولة أكسبته صلابة الرجال وعزم الجبال، كان كباقي إخوته، يذهبون إلى المدرسة ويعودون للمساعدة في الأرض، وما تبقى من الليل يدرسون دروسهم. ترك عمّه مكتبةً غنيّة نهل منها أبو هنّود الكثير من المعرفة والعلم، كان عندما انضم لأول مرّة إلى دروس المسجد من أتباع الحركة الإسلامية قبل أن يدعوه أحد إلى ذلك، أضاف أبو هنّود إلى الحركة شاباً لا يكلّ ولا يملّ، يطرق الأبواب ولا ينتظر الشكر أو الدعوة من أحد.
في أحد الأيام قام هو ورفاقه بحصد الحقول للعائلات المتأخرة في ذلك، ولم يطلبوا إذنًا من العائلة حتى لا تضغط العائلة على نفسها بتجهيز الطعام من أجل الشبّان، فقد أوصى كلّ شاب بأن يحضر طعامه معه، وعندما انتهوا في آخر النهار، كان العمل الذي يتطلب من العائلة أكثر من أسبوع قد تم انجازه.
يروي الأخ الأكبر لمحمود أن أحد أصدقائه في الجامعة كان يعتقد أنه قد درس مع محمود وليس معه، ﻷنه كان يرى محمود أكثر! أثناء دراسته في جامعة أبو ديس، قام أبو هنود بتأسيس شبكة علاقات اجتماعية واسعة، علاقات كانت عابرة للأحزاب والآيدولوجيا، فقد تعرّف على أشخاص من الجبهة الشعبية، سيكوّنون فيما بعد خلية قسّامية، وتعرف على خليل الشريف منسّق حركة الشبيبة الذي سيصبح فيما بعد استشهادياً قسّامياً.
هذه الشبكة الواسعة من العلاقات يمكن تعريفها ضمن إطارٍ أكبر بالحاضنة الشعبية، هذه الحاضنة التي بدونها ستجفّ المقاومة حتى تموت، فالحاضنة هي ما يمد المقاومة بكلّ ما يلزمها من إمدادات مادية ومعنوية وطاقات بشريّة. أثناء انسحاب محمود أبو هنود من المعركة في عصيرة، صادف في طريقه راعي غنم يعرفه، فخبّأ عنده قطعة السلاح، وساعده في معالجة جروحه. مرّ الوقت ليخرج أبو هنود من السجن عند السّلطة ويعود لهذا الراعي ليستلم سلاحه مجدّداً. هذه الحاضنة الشعبية تتلخّص في المسيرات التي خرجت أثر معركة عصيرة لدعم محمود أبو هنّود والهتاف باسمه، أبو هنّود الذي أصبح منذ ذلك اليوم، قاهر الدوفدوفان.
لن تكون مقاتلاً حقيقياً دون أن تعرف الحجر والبشر؛ معرفة الطبيعة الجغرافية لساحة المعركة التي تسير عليها، ومعرفة حاضنتك الشعبية وطبيعة سكّان المنطقة. يروي أحدهم بأنه وأبو هنّود شعروا بالعطش الشديد، فما كان من أبو هنّود إلا أن ضرب الشجرة بقدمه فنزلت منها علبة ماء كان قد أخفاها قبل مدّة طويلة. وهذا ما كان يفعله مع المعلبات والطعام، يبني لنفسه شبكة من النقاط الميّتة للتمويل والمبيت. كان أبو هنود يسير في الجبال فيقول لصديقه أن صاحب هذه الأرض محلّ ثقة، وصاحب تلك الأرض لا يمكن أن تثق به أبداً، وعندما يريد أن يلتقي بعائلته، يختار الأرض المناسبة حسب معرفته بمكانها الجغرافي وطبيعة أهلها، ويمضي ساعات طويلة قبل اللقاء يراقب عائلته وإذا كان قد تمّت ملاحقتهم أم لا.
لم يكن باستطاعة محمود أبو هنّود أن يعيش مدّة مطاردة طويلة نسبياً - سبع سنوات – بدون شبكة العلاقات التي قام ببنائها وبدون حذره الشديد الذي عُرف به، فلم يكن يقبل بأن يتنقّل بالسيارات أو بحمل وسائل التواصل، كان يغيب عن عصيرة فترات طويلة تصل أحياناً إلى أكثر من سنة، وعندما يتنقل فعلى الحمار، حتى أنه قد سار من الخليل إلى عصيرة عدة أيامٍ على هذا المنوال.
في كانون الأول 1995 قام خمسة شبان من قرية عصيرة بمهاجمة جيب عسكري بالأسلحة الرشاشة، لكنّ السيارة تعطّلت فما كان منهم إلا الهرب منها. تبيّن فيما بعد أن هذه السيارة تعود للأخ الأكبر لمحمود أبو هنّود، وكانت هذه بداية المطاردة الرسمية لأبو هنّود، لكنه استمرّ بعدها بقيادة الخلية التي أسسها ليقوم بعمليات إطلاق نار على المستوطنين وجنود الاحتلال بالإضافة إلى العمليات الاستشهادية.
يقول غسّان كنفاني: لا تمت قبل أن تكون ندًّا، وقد كان أبو هنّود ندَّا لقوات الاحتلال لسبع سنواتٍ، تحرّك فيها بحذر، وقام بتسديد ضربات موجعة وراوغ الموت أكثر من مرّة. الذي يجعل بعض الأسماء الفلسطينية خالدة – ومنهم أبو هنّود – هو الظرف الذي كانوا يعيشيون فيه فبعد اغتيال يحيى عياش المهندس الأول، أبو هنود مع أفراد خلية "شهداء من أجل الأسرى"ومن ثم محيي الدين الشريف المهندس الثاني، والضربات القاسية التي سددتها السلطة الفلسطينية للمقاومة، واكتشاف مصنع للمتفجرات في المساكن الشعبية، جعلت وجود شخص مثل أبو هنّود يسير عكس هذا التيار، عندما تتردّى الآمال وتشتدّ الظروف.
أبو هنود مع أفراد خلية "شهداء من أجل الأسرى"
قام أبو هنّود بالتجهيز لعمليتين استشهاديتين، الأولى مزدوجة في شهر تمّوز 1997 ضربت سوق "محنيه يهودا" في القدس نفّذها استشهادييْن، والثانية عملية ثلاثية في شهر أيلول ضربت شارع "بن يهودا" نفّذها ثلاثة اسستشهاديين. حصدت العمليتان أكثر من ثلاثين قتيلاً وثلاثمئة جريح. وقد اتهمت قوات الاحتلال أبو هنّود بالمسؤولية عن الاستشهاديين الخمسة والذين عُرفوا باسم "شهداء من أجل الأسرى" وهم: بشار صوالحة، يوسف شولي، توفيق ياسين، معاوية جرارعة، وخليل الشريف.
ومع اندلاع الانتفاضة الثانية حيث كان أبو هنود يرقد في سُجن المقاطعة في نابلس بعد معركته في عصيرة، تصاعدت التهديدات باستهداف محمود أبو هنّود في سجنه. تكرّرت الطلبات من السلطة بأخذ التهديدات على محمل الجد، وإطلاق سراح أبو هنّود، لكنّ السلطة رفضت بحجة "التعهدات" التي وُعدت بها من الاحتلال. وفي آب من عام 2001 قامت طائرات الاحتلال بقصف سجن المقاطعة المركزيّ في مدينة نابلس من أجل اغتيال محمود أبو هنّود. نجى أبو هنّود من الاغتيال فيما استشهد 11 شخصًا من الشرطة الفلسطينية. تقول عائلته بأن أبو هنّود نفض الغبار عن ثيابه حينما وجد نفسه سليمًا من القصف وقام بمساعدة الجرحى قبل أن ينتبه له أفراد الأجهزة الأمنية لتقوم باعتقاله ولكن هذه المرة تم نقله لبيتٍ آمن في البلدة القديمة في نابلس.
مع اندلاع الانتفاضة والضغوط المستمرة من الناحية الشّعبية والحزبية لاطلاق سراح أبو هنّود، تم اطلاق سراح أبو هنّود ليعود بعدها إلى ميدان العمل، حيث قام بجمع الخلية السابقة التي قام بتأسيسها قبل اعتقاله وهم "أيمن شايكة، إياد حمادنة، هاني رواجبة، وعماد جناجرة"، وقد قامت هذه الخلية بتنفيذ عمليات تفجير وإطلاق نار في أماكن مختلفة مثل مستوطنة "شافي شيمرون" والطريق الالتفاقي على جبل عيبال.
كان محمود أبو هنّود يفكر بالعمل العسكري على مستوى بعيد، فقد أراد تطوير حرب العصابات، ومن معرفته الجغرافية، وجد أن هناك ضرورة لوضع خطّة تؤدي لنقل العمل العسكري إلى جنين. وخطّط لتسليح المقاومة بالأسلحة المضادّة للدروع، حيث عرف أن هذا السلاح سيكون نقلة نوعية إذا حصلت المقاومة عليه، وهذا ما حدث فعلاً في قطاع غزّة مع قاذف الياسين والآر بي جي وصولاً إلى الكورنيت وغيره.
طول المسير ومشقّة الطريق تهدّ الظهر، ترخي الدفاعات، وتجعل المقاوم يطلب الراحة بالاستشهاد، هذا الأمر نجده يتكرّر بصورة كبيرة عند الشهداء الذين تعرضوا لفترة مطاردة طويلة وكانوا ضمن أهم الأهداف لجيش الاحتلال. بالإضافة إلى أن محمود أبو هنّود عندما خرج من السجن وجد أن شباب المقاومة يستخدمون الهاتف الخلوي بكثرة، طمعاً بتسريع العمليات العسكرية والتواصل، وبتخفيف الجهد العظيم الذي كان يُبذل في النقاط الميّتة كما كان يفعل محمود أبو هنّود سابقاً.
كان أيمن حشايكة الذراع الأيمن لمحمود أبو هنّود مراقبًا من الاحتلال منذ عدة أيام. وفي يوم 23 نوفمبر 2001، كان أيمن برفقة أخيه مأمون يسيرون بسيارتهم الشّخصية، ومعهم محمود أبو هنّود على طريق ياصيد. سُمِع صوت صاروخ الطائرة يقصف السيارة من عصيرة، استشهد أيمن ومأمون على الفور. أبو هنّود الذي شعر بالطائرة قبل اطلاق الصاروخ بلحظات قفز من السيارة باتجاه الوادي القريب، دار حوار بين أبو هنود وسكان المنزل القريب الذين طلبوا منه أن يلجأ إليهم لكنّه رفض ذلك لمعرفته بأن الطائرات ستستهدف المنزل، حاول أن يسير إلى الوادي حتى يتمكّن من الوصول إلى الجبال القريبة، لكنّه كان هدفاً سهلاً نظراً لانكشاف المكان فأطلقت عليه الطائرة الصاروخ ليرتقي شهيداً.
تم تشييع جثمان الشهيد أبو هنّود في جنين قبل أن يعود إلى نابلس حيث تمّ تشييع جثمانه هناك مرةً أخرى. لم يتبق من الشهيد سوى مجموعة من الأشلاء، وعندما طلبوا من والده أن يتعرف على الجثّة، لم يستطع تحديد ذلك إلا بعدما رأى مكان الإصابة التي تعرض لها محمود أبو هنّود في معركة عصيرة، حيث طلب والده منه أن يريه مكان الرصاصتين ليقبّلهما. تعرّف عليه والده من رصاصتين، وابتسامة في الخاطر لا تغيب أبداً.
(السيارة التي كان يستقلها أبو هنود والتي قصفت، ما زالت مكانها. عدسة: باب الواد)