لا يكاد يخفى على أحد كيف أصبحت ثورة الإعلام الرقمي إحدى أهم أدوات الدبلوماسية العامة الجديدة، وأحد أعمدة القوة الناعمة للدول. فالإمكانيات التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي للأنشطة الدبلوماسية لا يمكن للبلدان أن تتجاهلها في عصر الدبلوماسية الرقمية هذا. ومن هنا لم تتردد الكثير من الدول في إنشاء وحدات ودوائر مختصة بالدبلوماسية الرقمية في وزارات الخارجية ومكاتب التمثيل المختلفة.
احتلت فلسطين المركز الخامس والثمانين عالمياً، وذلك حسب تصنيف معهد "أكا" التركي 2017، والذي يستند في تصنيفه للدبلوماسية الرقمية على معايير الجهود الرقمية التي تبذلها وزارات الخارجية، ولقد تصدرت الولايات المتحدة التصنيف وحلت إسرائيل في المركز التاسع.
ولـ"إسرائيل" عدة صفحات رسمية وغير رسمية بأكثر من 20 لغة، تعمل من خلالها لتحقيق التطبيع الرقمي، ومن أبرز هذه الصفحات الموجهة نحو الشعوب العربية "صفحة إسرائيل تتكلم العربية" وصفحة "أفيخاي أدرعي" وصفحة "المنسق"، حتى صفحة رئيس الوزراء الإسرائيلي شخصيًا بدأت بالعمل على هذا التحقيق، من خلال هذه الصفحات، فكمية التفاعل ومدى استقطابها للشباب العربي كبير جدًا.
هذه الصفحات - وغيرها الكثير - تعمل بشكل مكثف على تسويق ونشر الدعاية الإسرائيلية لكسب العرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعادة ما تنشر نفس الكلام وبنفس الطرق التي عادة ما تقوم على مبدأ الجذب الثلاثي الذي يعد من أهم ركائز نجاح الدعاية السياسية.
ومن المؤشرات اللافتة لاهتمام إسرائيل بالدبلوماسية الرقمية، أن وزارة الخارجية الإسرائيلية نظمت أول مؤتمر دولي يُعنى بالدبلوماسية الرقمية في مارس 2016، وشارك فيه خبراء هذا المجال ودبلوماسيين من 25 دولة. فيما نظمت المؤتمر الدولي الثاني لها في ديسمبر 2017 بحضور 30 دولة.
كما نظمت مؤتمرا هو الأول من نوعه للدبلوماسية الرقمية باللغة العربية في أغسطس 2017 حيث اجتمع كادر الدبلوماسية الناطق بالعربية في قسم الدبلوماسية الرقمية في خارجية إسرائيل لتباحث الإنجازات والاخفاقات ودراسة الخطط المستقبلية لاختراق الجمهور العربي.
يترأس جلعاد أردان، وزارة صغيرة وغير معروفة للكثيرين تُعرف بـ “وزارة الشؤون الاستراتيجية والاعلام” تكرس من خلالها الحكومة، الأموال والأفراد والخبرات لتنظيم حملات دعائية (هسبراه) حول العالم وتقوم بتشغيل شبكة من الفاعلين والمنظمات لخدمة مصالحها حتى وإن كان ذلك عبر التدخل في سياسات دولٍ أخرى.
كذلك تفرض هذه الوزارة مساقات إجبارية على طلبة الجامعات مثل مساق سفراء في الشبكة الذي يتم تدريسه في جامعة حيفا ومساق نادي السفراء الذي يدرسه طلاب جامعة تل أبيب وكليهما يسعيان لتمكين الطلبة من تسويق إسرائيل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويوفر اتحاد النقابات الطلابية الإسرائيلي برنامجًا مدعومًا من وزارة أردان في نطاق "الهسبراه" يهدف لمحاربة نزع الشرعية عن إسرائيل حيث يقدم للمنخرطين فيه ألفي دولار أمريكي مقابل كل 5 ساعات في الأسبوع يقضونها في كتابة تعليقات عبر شبكات التواصل الاجتماعي تعزز من رواية إسرائيل وتبيض صورتها.
على صعيد الدبلوماسية الشعبية كان لحملة اهبد194 الشبابية التطوعية دورًا بارزًا في مواجهة التطبيع من خلال:
1. التوجه لعدة صفحات عبر الفيسبوك وتويتر لوزراء وسفراء إماراتيين لمناهضة ما يروجونه من تضليل حول أن التطبيع من مصلحة الفلسطينيين.
2. التوجه لعدة صفحات عبر الفيسبوك وتويتر لمسؤولين رسميين في البحرين لمناهضة التطبيع.
3. التواصل مع عدة مجموعات خليجية ضد التطبيع مثل "إماراتيون وبحرينيون وكويتيون" للتنسيق لنشاطات رقمية مشتركة ودعم نشاطاتهم لافتقارها للزخم البشري.
4. تحفيز حركة المقاطعة الثقافية لمهرجانات الإمارات من خلال تسليط الضوء على الكتاب والمثقفين العرب المقاطعين والإشادة بدورهم وشكرهم عبر منصاتهم لتعزيزهم وحث غيرهم على حذو حذوهم.
ومع ذلك تبقى هذه الجهود التطوعية على أهميتها وتأثيرها أقل زخمًا من الجهود الإسرائيلية المدعومة بالملايين.
وعليه فإن هذه الورقة، توصي بإتباع استراتيجية فلسطينية عربية على صعيد الدبلوماسية الرقمية والشعبية لمواجهة التطبيع بناء على الآتي:
- تشكيل حلف دبلوماسي رقمي عربي يضم طواقم الخارجية العرب المناهضين للتطبيع.
- فرض مقررات مدرسية وجامعية تثقف الطالب الفلسطيني وتسلحه بطرق نشر رواية وطنه عبر الشبكة ليكون ندًا عند الحاجة ليكون سفيرًا رقميًا يواجه ما زرعته الهسبراه من أكاذيب، وعقد ورش بهذا الصدد مع تحفيز دوري لمن يبرز دوره في هذا المجال.
- تشكيل ائتلاف شعبي من المجموعات العربية الناشطة عبر وسائل التواصل تكون مهمته تعزيز بذور الود بين الشعوب وفصل الخلاف مع الأنظمة كي لا يلوث هذه الأجواء.