شبكة قدس الإخبارية

النكسة.. حكاية الحرب من نظرة عسكرية

أحمد العاروري

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: تركت هزيمة 1967 التي تكبدتها الجيوش العربية، تساؤلات كبيرة وعميقة عن أسباب "النكسة" التي حلت بالواقع العربي، وأدت لخسارة الضفة وقطاع غزة والجولان وسيناء، وضياع الأمل الذي رسمته الجماهير العربية بتحرير فلسطين المحتلة عام النكبة.

كان للأداء العسكري للجيوش العربية في الحرب، الدور الأكبر في الهزيمة ولدارسة هذا الدور أهمية كبيرة ومركزية في فهم ما الذي أدى لهذه النكسة.

غياب الاستعداد العربي

يرى الخبير العسكري واصف عريقات أن الجيوش العربية دخلت الحرب وهي غير مستعدة لها، في مقابل جاهزية عالية لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ويضيف "لقُدس الإخبارية"، أن العرب كان لديهم العاطفة الجياشة لكنهم افتقدوا للإمكانيات التي تمكنهم من تحقيق الانتصار على جيش العدو، فمصر مثلاً حصلت على معلومات من الاتحاد السوفياتي أن "إسرائيل" حشدت 11 لواء على الحدود مع سوريا، لكن الدولة المصرية اكتفت بإعلان دعمها لسوريا في مواجهة أي عدوان، دون أن يكون هناك استعداد على الأرض لمواجهة الهجوم القادم.

وأشار عريقات إلى غياب التعاون العربي كمؤثر مهم أدى للهزيمة، فالدول العربية كانت وقعت "اتفاقية دفاع مشترك"، لكن على أرض الواقع لم يجر تنفيذ بنود الاتفاقية، ورغم أن العراق والسعودية والجزائر حركت وحدات عسكرية، لكن الجهد العسكري العربي بقي مشتتاً ولم يحقق المراد منه.

موازين القوى

وأوضح عريقات أن عدد الجنود العرب كان يفوق ما لدى دولة الاحتلال، لكن العامل الذي أحدث الفارق هو أن الجندي العربي يتفقد لحاضنة قوية من مجتمعه، نتيجة أن النظام لم يخلق هذه الحاضنة، على عكس الجندي الإسرائيلي الذي يشكل مجتمعه جيش احتياط له.

وأضاف: "كان لدى الجيوش العربية مدافع وطائرات لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي دمر 80% من القدرات العربية في بداية الحرب، بعد أن قصف المطارات العربية وحطم الطائرات فيها، مما أفقد القوات على الأرض الإسناد والحماية".

ويروي عريقات أنه خلال الحرب كان ضابط مدفعية في قرية الزبابدة قضاء جنين، وقد قصف أهداف للاحتلال من بينها مطار "نهلال"، لكن غياب الحماية لبطاريات المدفعية أفقدها قدرتها على الصمود، وبعد أن أغار الطيران المعادي عليهم لأكثر من مرة، أجبروا على الانسحاب من المكان.

تكتيك "إسرائيلي" فعال

ويشير عريقات إلى أن "التكتيك الذي اتبعه جيش الاحتلال في الحرب كان فعالاً وساهم بإنزال الهزيمة بالجيوش العربية، في مقابل أن قائد الجيش المصري لم يكن على قدر المسؤولية، وأعطى أوامر بالانسحاب من أرض المعركة في حين أنه كان يجب أن يأمر بالصمود وإعادة تنظيم القوات".

ويتابع: "الجيش الإسرائيلي كان لديه مبادرة في الهجوم ومنسجم مع نفسه، على عكس القوات العربية، عدا عن الدعم الأمريكي الذي توفر له".

مواقع قاتلت وصمدت

يؤكد عريقات أن مواقع عربية صمدت وقاتلت خلال الحرب، مثل القوات الأردنية في مدينة القدس، وفي مثلث الشهداء قضاء جنين دارت معركة بالدبابات.

ويضيف: لكن لم نصمد كما يجب لأننا افتقدنا لسلاح يغطينا ويوفر لنا الحماية في المعارك، بعد تدمير سلاح الطيران منذ البداية.


ويروي عريقات أنه عندما انسحب من بلدة الزبابدة كان يمشي في الليل، حتى يتقي طيران الاحتلال، وما حصل وقتها هو انهيار معنوي وانسحاب عشوائي غير منظم.

ويؤكد أن الانسحاب العشوائي الذي أجرته القوات العربية من جبهات المعارك، يشكل خللاً كبيراً في العلم العسكري، فيجب أن يكون هناك خطوط للانسحاب وليس كما حدث في حرب 1967.

هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟

يرى عريقات أن الأداء العسكري العربي كان يمكن أن يكون على صورة أفضل من التي حدثت في الحرب، من خلال توفير إرادة قتال حقيقة والتجهز بصورة أفضل للمواجهة.

ويضيف: كل المقدمات التي حدثت قبل الحرب كانت تشير إلى اقترابها، لكن العرب لم يتجهزوا بصورة جيدة للقتال، بينما بادرت "إسرائيل" بشكل أفضل لذلك.

ويتابع: "عندما استعد عبد الناصر لتسليح السوريين، وأغلق مضائق تيران، والمواجهات السابقة بين القوات السورية والأردنية من جهة مع جيش الاحتلال في أكثر من موقع، كانت يجب أن تنبه العرب للاستعداد لحرب باتت وشيكة".

كيف انعكست الحرب على الفلسطينيين؟

يؤكد عريقات أن "العمليات الفدائية من غور الأردن تضاعفت بعد الحرب، وزاد التنسيق بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني".

ويتابع: "الحقد الذي ولد داخل الضباط والعسكريين الأردنيين الذين عاشوا الهزيمة، أثمر عن الصمود والانتصار الذي تحقق في معركة الكرامة".

ويضيف: "موشيه دايان قال إن إسرائيل لم تحقق أي انتصار بعد حرب 1967، وقد تمكنت المقاومة من الصمود في أكثر من حرب ومواجهة، مثل الصمود الأسطوري لمدة 88 يوماً للمقاومة الفلسطينية واللبنانية في بيروت، وهو ما لم تقدر عليه الجيوش العربية".

ويشير إلى أن الإرادة أولاً هي ما تحقق الانتصار وأمامنا نماذج الصمود في القدس، وغزة، والضفة، والخان الأحمر، وغيرها، التي تمكنت من مواجهة الاحتلال بأبسط المقومات.

ويروي عريقات أنه كان قائداً للمدفعية الفلسطينية في لبنان، وقد خاض مع الفدائيين مواجهة كبيرة في العام 1981 لمدة 14 يوماً، أجبر فيها جيش الاحتلال على طلب التهدئة بعد الخسائر التي لحقت فيه.

ويقول: "المواجهات التي حدثت بعد النكسة أعطت العربي شعوراً أن الإسرائيلي إنسان يمكن هزيمته وقهره والانتصار عليه، وانكسرت الفكرة التي تقول بأسطرة جيش الاحتلال".